بعد مائة يوم من العزلة وما يزيد على 28 ألف ضحية بسبب الوباء، عادت الحياة إلى إسبانيا وبدأت تتوافد إليها المجموعات الأولى من السياح بعد فتح الحدود مع بلدان الاتحاد الأوروبي وانحسار الفيروس في جميع المقاطعات التي كان التنقل بينها محظوراً خلال فترة الحظر.
أكثر من 400 هي التدابير التي وضعتها الحكومة للعودة إلى الحياة الطبيعية الجديدة، وتركت للحكومات الإقليمية الإشراف على تنفيذها وقرار العودة إلى الحظر في حال ظهور موجة جديدة بعد أن انتهت مهلة حالة الطوارئ التي أعلنت منتصف مارس (آذار) الماضي. جميع الأعياد الشعبية التي تنظم عادة في فصل الصيف تأجلت إلى الخريف، وعلى الشواطئ تحدد المجالس البلدية فترات التنزه ومسافة التباعد الاجتماعي التي لا يجب أن تقل عن 4 أمتار مربعة للفرد الواحد. أماكن الترفيه والمطاعم التي تزيد قدرتها الاستيعابية على 300 شخص تبقى مقفلة في الوقت الراهن، ولا يسمح بتجمعات تزيد على 30 شخصاً في الهواء الطلق.
كما أن الأعراس والمآتم لا يجب أن تجمع أكثر من 150 شخصاً، والمسابح والملاعب الرياضية والنوادي يقتصر الحضور فيها على 75 في المائة من قدرتها الاستيعابية كحد أقصى. وفي كاتالونيا، تركت الحكومة الإقليمية للمواطنين مسؤولية تحديد عدد الحضور في المطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه، وفقاً لظروف الأمكنة ومواصفاتها. أما في الجامعات التي قررت استئناف الدروس، ففُرضت مسافة للتباعد بين الطلاب لا تقل عن متر ونصف المتر، وخُصص لكل طالب مساحة لا تقل عن 2.5 متر مربع.
في المقابل، قررت بعض الأقاليم عدم فرض نسبة قصوى من القدرة الاستيعابية للأماكن التي تتيح الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي، شريطة أن يكون العدد الإجمالي للحضور دون الألف. في العاصمة مدريد، تقرر أن تتم العودة إلى الحياة الطبيعية على مرحلتين؛ تنتهي الأولى في الخامس من الشهر المقبل ويقتصر الحضور خلالها على 60 في المائة من القدرة الاستيعابية كحد أقصى في المطاعم والأماكن العامة. وتحتفظ الحكومة المركزية بصلاحية فرض الحظر التام في أي إقليم إذا ظهر الوباء في بؤر جديدة أو في موجة ثانية.
لكن الخروج من عزلة المائة يوم يحمل معه عادات وطقوساً جديدة وأنماطاً للتواصل والعمل، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية. الكمامات التي كانت في الماضي من شيم مجموعات السياح الآسيويين باتت اليوم لازمة في المحلات والأماكن العامة، وحتى في الشوارع. الامتناع عن المصافحة الذي كان الإسبان ينظرون إليه في بداية الأزمة مفارقة تكاد تثير السخرية لا بد أن تزول بسرعة، أصبحت اليوم طقساً يمارسه الجميع بعفوية ومن غير دهشة.
التباعد الاجتماعي صار أمراً مألوفاً، ولم يعد مستغرباً أن ترى الإسبان منضبطين في الطوابير على مسافة مترين كأهل البلدان الاسكندنافية. الاجتماعات الافتراضية والعمل عن بعد يكادان يكونان القاعدة في كثير من المؤسسات، وعدم الاختلاط اليومي بين الأصدقاء والأقارب لم يعد أمراً مستهجناً. تراجعت حركة السير في المدن التي استعادت الهواء النظيف وزقزقة العصافير على الأشجار، وكثر استخدام الدراجات الهوائية بين السكان من كل الأعمار. اختفى السياح فجأة، وعادت المدن إلى سكانها الذين أدركوا أن الحياة فيها أجمل وأفضل من غير الزوّار.
أزمة الوباء كشفت للجميع أهمية النظم الصحية العامة، وأن الأبطال الحقيقيين في هذه الحرب هم أفراد الطواقم الصحية، ولم يعد من الوارد أن تجرؤ أي حكومة أو إدارة محلية على خفض مواردها. مراكز العناية بالمسنين كانت من الثغرات المؤلمة في هذه الأزمة، وهي تنتظر معالجة سريعة وحاسمة بعد أن تبين أنها مصدر للأرباح الطائلة وأن معظمها تملكه صناديق استثمار أجنبية.
تعلم الإسبان أيضاً خلال هذه الأزمة أن المرء بإمكانه البقاء ثلاثة أشهر في المنزل، وأن العزلة هي أقصر السبل للتوفير وأسهلها لحصر النفقات، وأن العالم يمكن أن يتوقف في أي لحظة من غير سابق إنذار، وأن مواضع الهشاشة في الحياة قد تكون حيث لا نتوقع... وأن العيش ممكن لثلاثة أشهر من غير الحديث عن انفصال كاتالونيا.
إسبانيا تعود إلى الحياة بعد «100 يوم من العزلة»
إسبانيا تعود إلى الحياة بعد «100 يوم من العزلة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة