تفاقم الأزمة الغذائية للسوريين جراء «تدهور الليرة» وحرائق المحاصيل

العملة الوطنية ارتفع سعر صرفها 40 ضعفاً من 2011

أوراق نقدية سورية جديدة من فئة ألفي ليرة (الشرق الأوسط)
أوراق نقدية سورية جديدة من فئة ألفي ليرة (الشرق الأوسط)
TT

تفاقم الأزمة الغذائية للسوريين جراء «تدهور الليرة» وحرائق المحاصيل

أوراق نقدية سورية جديدة من فئة ألفي ليرة (الشرق الأوسط)
أوراق نقدية سورية جديدة من فئة ألفي ليرة (الشرق الأوسط)

تفاقمت الأزمة المعيشية في دمشق ومناطق عدة في سوريا وسط تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وحصول حرائق ضربت محاصيل زراعية أساسية.
وقالت مصادر مقربة من أسواق الصرف في دمشق لوكالة الأنباء الألمانية إن «سعر صرف الدولار سجل بعد ظهر اليوم في العاصمة دمشق حوالي ألفي ليرة، وهذه المرة الأولى التي يبلغ سعر الصرف هذا المبلغ ما يعادل 40 ضعفاً عن سعر الصرف عام 2011. وذكرت المصادر «أن حركة الأسواق أصيبت بالشلل بعد الارتفاع الذي شهده الدولار، وأن الكثير من المحال التجارية أغلقت بسبب ارتفاع أسعار البضائع مقارنة بسعرها بالدولار».
وبحسب المصرف المركزي على سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، مسجلاً سعر 704 ليرات للدولار الأميركي، 762 ليرة سورية لليورو، في حين ثبت سعر الحوالات الخارجية على سعر 700 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد.
وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في وقت عادت الحرائق «المفتعلة» في أرجاء سوريا لتلتهم قوت السوريين، في سيناريو مشابه للصيف الماضي، وعاد معها تقاذف الاتهامات بين أطراف النفوذ والنزاع، والسباق بين الحكومة السورية و«الإدارة الذاتية» على شراء المحاصيل الزراعية.
في منطقة شمال شرقي البلاد، حيث تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية بدعم التحالف الدولي بقيادة أميركا على معظمها مع سيطرة تركيا والفصائل الموالية له على عدد من المدن والبلدات على الشريط الحدودي، ومع موسم حصاد محصولي القمح والشعير، عادت الحرائق منذ مايو (أيار) الماضي لتلتهم المحاصيل وأتت على 270 دونماً في قرية خربة الظاهر بريف محافظة الحسكة وقرابة 100 دونم في قرية رشو بريف تل براك، و250 دونماً في قرية صفيا و35 دونما في قرية الميلبية و50 دونماً تقريباً في قرية المجرجع، بحسب تقارير صحافية.
وتحدثت التقارير عن إحراق طائرة لأكثر من 200 دونم من حقول القمح لرميها بالونات حرارية فوق الأراضي الزراعية بريف مدينة الشدادي جنوب الحسكة.
وأوردت وسائل إعلام روسية المساحات المحروقة حتى الآن في شمال وشمال شرقي سوريا، وتحدثت عن «17200 دونم في دير الزور (شرق)، و4550 في الحسكة (شمال شرق) و25000 في رأس العين وتل تمر (شمال شرق)، بينما في عين العرب (شمال) 950 دونما وعين عيسى (شمال) 250 والرقة (شمال) 190 والطبقة (شمال) 525 ومنبج (شمال) 1750».
وتقول مصادر أهلية في الحسكة لـ«الشرق الأوسط»: «المؤكد أن هذه الحرائق تتم بفعل فاعل»، وتشير إلى أن تركيا «تقصف بشكل عشوائي على مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية) ما يؤدي إلى نشوب حرائق»، والتنظيمات الموالية لها «تقوم بشكل متعمد بإضرام النار» في الأراضي الزراعية الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وأيضا «هناك الخلايا النائمة لتنظيم داعش المندثر والتي ربما تقوم بالانتقام من الأهالي»، مرجحة أن تزداد الحرائق مع «الإجرام المتواصل للنظام التركي».
في المقابل، اتهم مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري في شكوى رسمية قدمها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الولايات المتحدة وتركيا بتعمد إحراق المحاصيل الزراعية في منطقة الجزيرة السورية بهدف إفراغ السلة الغذائية السورية من خيراتها.
وتعتبر منطقة شمال شرقي البلاد «السلة الزراعية» للبلاد، إذ تنتج نحو 50 في المائة من إجمالي إنتاج القمح في سوريا. وأفادت هيئة الزراعة والاقتصاد التابعة لـ«الإدارة الذاتية» بأن المساحة التقريبية للأراضي الزراعية التي تعرضت للاحتراق العام الماضي لغاية يونيو (حزيران) تقدر بـ40860 هكتارا، بينما قدرت الحكومة السورية المساحات الزراعية المتضررة جراء الحرائق بـ3600 دونم.
وبعدما شهد موسم العام 2019 أكثر من 300 حريق أتت على مواسم المزارعين في ريف محافظة السويداء جنوب البلاد، حصلت في بداية الشهر الماضي عدة حرائق في يوم واحد في حقول ببلدات وقرى بريف المحافظة ذات الغالبية الدرزية والتي تنتشر فيها فصائل مناهضة للحكومة.
وتصف مصادر أهلية لـ«الشرق الأوسط»، تلك الحرائق بـ«المريبة والمفتعلة على الأغلب»، لكنها تجنبت توجيه اتهام صريح بارتكابها لأي جهة، وتقول: «لا أحد يعرف بدقة من وراءها، ولكن الوضع في المحافظة غير مرضي عنه، (من قبل الحكومة) وهناك عدم اكتراث اتجاه ما يحصل».
وفي بداية الشهر الجاري أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية، إخماد 27 حريقاً في عدة مناطق من محافظة درعا الجنوبية، وطالت مساحات واسعة من حقول القمح والزيتون وبقايا الحصاد والأعشاب اليابسة والحمص والكرسنة، وسط توتر تشهده المحافظة.
وانسحبت الحرائق أيضا على ريفي حماة وحمص وسط البلاد وحلب شمالا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن مجموع المناطق التي أحرقت محاصيلها، تجاوزت الـ300 هكتار، تتوزع على أرياف حلب والرقة والحسكة. وكما حصل خلال موسم العام الماضي تسابقت الحكومة السورية و«الإدارة الذاتية» على شراء المحاصيل الزراعية من أصحابها، إذ أعلنت الأولى رفع سعر تسلم محصول القمح للموسم الحالي إلى 400 ليرة للكيلو غرام الواحد، بعد أن كان 225. على حين رفعت الثانية السعر إلى 315 ليرة.
ولم تتحدث الحكومة السورية عن أي تقديرات عن إنتاج القمح لهذا العام، والذي كان قبل 2011 أربعة ملايين طن في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، في وقت قدر تقرير أممي، إنتاج العام الماضي بنحو 1.2 مليون طن، وسط معلومات أن الحكومة السورية تسلمت منه نحو 500 ألف طن فقط.
وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ما بين مليون ومليون ونصف طن سنوياً لسد احتياجاتها من مادة الطحين، ولذلك تقوم منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل أكثر من تسع سنوات بطرح مناقصات عالمية للشراء.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.