تركيا تؤكد مواصلة دعمها للسراج «مهما حدث»

انتقادات لإصرارها على التنقيب في شرق البحر المتوسط

TT

تركيا تؤكد مواصلة دعمها للسراج «مهما حدث»

أكدت تركيا عزمها على مواصلة دعمها لحكومة الوفاق الليبية، برئاسة فائز السراج، ضد الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر «مهما حدث»، مؤكدة أنها ستواصل وجودها وأعمالها للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وذلك بموجب مذكرة التفاهم الموقعة العام الماضي مع حكومة السراج.
وقال فؤاد أوكطاي، نائب الرئيس التركي، إن بلاده ستواصل دعمها لحكومة السراج «مهما حدث، ولن تسمح بغموض جديد في شرق البحر المتوسط، وستقوم بدورها بناء على طلب من الحكومة الليبية».
وأضاف أوكطاي خلال مشاركته ليل الجمعة - السبت في فعالية نظمها المجلس الأطلسي ومنظمة التراث التركي عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، أن تركيا ستتأكد من أن الحكومة في طرابلس لا تتعرض لأي تهديد... «وسنكون هناك (في ليبيا) مهما كانت النتائج... نحن مصممون على ذلك... فتركيا قدمت الدعم للحكومة الشرعية، ولا بد أن يقبل حفتر وداعموه بوجود حكومة واحدة في البلاد معترف بها من قبل الأمم المتحدة».
في سياق متصل، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، عن بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز بموجب مذكرة التفاهم الخاصة بتحديد مناطق النفوذ البحرية، الموقعة مع حكومة السراج في 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، في غضون 3 إلى 4 أشهر.
وقال دونماز إن سفينة «القانوني» للتنقيب ستبحر للعمل في البحر المتوسط للمرة الأولى «بعد إجراء عمليات التحديث عليها»، مشيرا إلى أن أنشطة التنقيب التركية متواصلة في البحر المتوسط عبر سفينتي مسح جيولوجي وسفينتي تنقيب.
وأضاف دونماز، في كلمة أول من أمس، خلال حفل إبحار سفينة التنقيب «الفاتح» باتجاه البحر الأسود، تزامنا مع الذكرى 567 لفتح إسطنبول، أن مؤسسة البترول التركية تقدمت بطلب من أجل التنقيب عن النفط في المياه التركية، في إطار مذكرة التفاهم مع حكومة السراج، وستقدم خلال أولى الخطوات في غضون 3 إلى 4 أشهر، وذلك بإجراء المسوح الجيولوجية، وأعمال التنقيب عن النفط في البحر المتوسط، بناء على تحليل البيانات. مشيرا إلى أن سفينة «الفاتح» ستبدأ أول أعمال التنقيب في البحر الأسود، ابتداء من 15 يوليو (تموز) المقبل في موقع «تونا 1».
وكانت شركة البترول التركية قد قدّمت طلبا إلى ليبيا مؤخراً للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، كما بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع السراج الأسبوع قبل الماضي، هاتفيا، الخطوات التنفيذية لمذكرتي التفاهم التي وقعها البلدان في نوفمبر الماضي، والتي تخص التعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحرية في البحر المتوسط، ووجه الدعوة للسراج لزيارة تركيا قريبا.
وتعتقد تركيا أنه إذا سيطرت ميليشيات حكومة السراج على مدينة ترهونة في الفترة المقبلة، فإن حفتر سيفقد أي سيطرة في غرب ليبيا، وبالتالي، ستضمن بقاء الحكومة الحليفة لها، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وأثار الإعلان التركي عن قرب عمليات التنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط ردود فعل غاضبة على الجانبين المصري والليبي، أمس، إذ حذر عضو مجلس النواب عن مدينة الكفرة (جنوب شرقي)، جبريل أوحيدة، من محاولات أنقرة المستمرة ليس فقط لاستغلال ثروات ليبيا الطبيعية، بل أيضا في إقحامها في «توترات وصراعات إقليمية ودولية لخدمة مشروعها التوسعي».
وأضاف أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن مذكرتي التفاهم اللتين وقعهما السراج مع الرئيس إردوغان «ليس لهما أي شرعية قانونية، ولا يعدان إلاّ فرضاً لسياسة الأمر الواقع»، لافتاً إلى أن تركيا «تواصل سياستها المفضلة، وهي اللعب بالنار حتى لو أدى ذلك لتعريض أمن منطقة شرق المتوسط للخطر»، وأن ليبيا «ستكون مضطرة لمواجهة التداعيات الناجمة عن كل ذلك، والتصدي للتحالف القطري - التركي، الذي يستهدف تنفيذ مشروع التنظيم الدولي لـ(الإخوان) بالمنطقة، والذي يرتكز على أن يجعل من بلادنا بيت مال له خلال الخمسين عاماً المقبلة».
وتساءل أوحيدة باستنكار عن سر «الصمت الأوروبي والأميركي إزاء التحركات التركية، اللهم إلاّ إذا كان يختبئ وراء هذا الصمت صفقات عقدت على حساب مصلحة ليبيا ودول جوارها بالشمال الأفريقي».
في السياق ذاته، قال عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، إن الأهداف الحقيقة لمذكرة التفاهم غير الشرعية، الموقعة بين إردوغان والسراج بخصوص ترسيم الحدود البحرية، بدأت تتضح تدريجياً، بداية من التدخل التركي عبر تقديم السلاح والمرتزقة لحكومة «الوفاق»، وأخيراً الاستعداد للبدء في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، مشيراً إلى أن هذه «الخطوة ستثير أطرافاً أساسية في المنطقة، وفي مقدمتهم مصر وقبرص واليونان».
وأرجع النائب المصري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «الصمت الأوروبي على التحركات التركية إلى تأثر البعض بالضغوط التركية، وتلويحها المستمر بورقة فتح الحدود أمام اللاجئين الراغبين في العبور نحو القارة الأوروبية»، مشيرا إلى أن «مطامع إردوغان بالنفط والغاز عبرت عن نفسها من خلال الإجراءات التي تتخذ حالياً».
من جهته، رأى المحلل الاقتصادي الليبي عيسى رشوان أن السياسة التركية عرفت على مدار التاريخ بكونها «سياسة الاستنزاف لاقتصاديات الدول التي تحتلها»، محذراً من أن التحرك التركي الأخير سيجلب العديد من التوترات بالمنطقة، ومن أن «حروب الغاز المتوسطية قد تنتقل من حروب باردة، ثم مواجهة مباشرة لكل هذه الدول مع تركيا».
ويرى متابعون للشأن الليبي أن عدم وجود رد رسمي، أو حتى تعليق من قيادات حكومة «الوفاق» حول الآثار والتوترات الإقليمية المتوقعة للخطوة التركية مرجعه الدعم العسكري، الذي تقدمه أنقرة لقواتها من أسلحة حديثة و«مرتزقة»، والذي مكنها من تحقيق انتصارات نوعية في الفترة الأخيرة بمواجهة «الجيش الوطني»، أهمها السيطرة على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية.
إلى ذلك، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي، أمس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات عدد من الملفات الدولية والإقليمية، في مقدمتها الوضع في ليبيا.
وحسب المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، فقد أكد الرئيس الفرنسي حرصه على تبادل وجهات النظر والرؤى مع الرئيس السيسي في هذا الصدد، في ضوء الدور المصري المحوري الفاعل في المنطقة. وفي هذا السياق، أكد الرئيس السيسي موقف مصر الاستراتيجي الثابت تجاه الأزمة الليبية، والمتمثل في استعادة أركان ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ومنح الأولوية لتحقيق الاستقرار والأمن، ووضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي.
وتوافق الرئيسان بشأن ضرورة تكثيف التنسيق في هذا الصدد في الفترة المقبلة، مع تأكيد الحرص الكامل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل لحل سياسي، يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، لا سيما من خلال دعم المساعي الأممية ذات الصلة، وكذا تنفيذ مخرجات عملية برلين، إلى جانب رفض أي تدخل خارجي في هذا الخصوص.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.