إسرائيل تعتبر سكان القدس الفلسطينيين «حمولة زائدة»

TT

إسرائيل تعتبر سكان القدس الفلسطينيين «حمولة زائدة»

في الوقت الذي تحيي فيه إسرائيل بحكومتها وحركات الاستيطان المتطرفة «يوم القدس»، بغرض التوحيد المصطنع بين شرقها وغربها، ويحيي الفلسطينيون «يوم القدس» بتأكيد عروبتها، أصدرت منظمة «بتسيلم» لحقوق الإنسان، تقريراً تلخص فيه الحملة التي يديرها الاحتلال في حي العيساوية، أحد أفقر أحياء القدس الشرقية المحتلة، كنموذج لسياستها التهويدية.
وتقول المنظمة الإسرائيلية السلامية في تقريرها إنه «منذ أن ضمت إسرائيل شرق القدس سنة 1967، وهي تنظر إلى سكانها الفلسطينيين، على أنهم حمولة زائدة ينبغي التخلص منها. وحي العيساوية مجرد مثال وإن كان متطرفاً على السياسة التي تطبقها إسرائيل في الأحياء الفلسطينية بهدف التضييق على السكان والضغط عليهم». وتضيف أن الهدف من ذلك هو «قمع السكان الفلسطينيين والتحكم بهم والإبقاء عليهم فقراء مستضعفين يخيم عليهم القلق الدائم. وعلى المدى البعيد، ترمي السياسة الإسرائيلية علناً إلى الحفاظ على التفوّق الديمغرافي اليهودي في المدينة، على أمل أن يؤدي التضييق المتواصل عليهم والظلم الصارخ والمنهجي، إلى دفع السكان لمغادرة منازلهم والرحيل عن المدينة برمتها».
ووصف التقرير ما يجري منذ أبريل (نيسان) 2019، حيث تشن الشرطة حملة تجبر وعقاب جماعي على الحي وما زالت الحملة مستمرة. والعيساوية تقع على السفوح الشرقية لجبل المشارف. يقدر عدد السكان الحي بـ22.000 نسمة، وهذه هي معاناتهم: أولاً، نهب الأراضي منذ أن احتلت الضفة الغربية واستولت إسرائيل على أكثر من 90 في المائة من أراضي العيساوية. وهي تنفذ هذا النهب بطرق عدة منها المصادرة وإعلان مساحات واسعة كـ«أراضي دولة» أو وضع اليد بموجب أوامر عسكرية. في عام 1945 بلغت مساحة أراضي العيساوية نحو 10.000 دونم امتدت من سفوح جبل المشارف (هار هتسوفيم) شرقاً إلى منطقة خان الأحمر في الجنوب. أما مساحتها اليوم فلا تتعدى 1000 دونم، وهي محاصرة بالمؤسسات والأحياء الإسرائيلية: الجامعة العبرية ومستشفى هداسا وحي التلة والفرنسية وحي «تسميرت هبيراه» ومعسكرات للجيش والشرطة وشوارع. فالحي محصور داخل رقعة أرض مكتظة لم يتبق فيها تقريباً مكان لإضافة أي بناء.
ثانياً، سياسة عدم التخطيط: منذ ضمت إسرائيل العيساوية إلى مسطح نفوذ بلدية القدس بذلت السلطات جهوداً كبيرة لمنع أي بناء أو تطوير فيها، مستخدمة في ذلك وسائل عدة منها الامتناع عن إعداد خريطة هيكلية مناسبة لاحتياجات الحي، وإفشال خريطة أعدها السكان أنفسهم بالتعاون مع جمعية «بمكوم» الإسرائيلية الإسلامية. لذلك، يضطر كثير من السكان إلى بناء منازلهم من دون ترخيص ما يعني مواجهة التهديد الدائم بالهدم وتغريمهم مبالغ طائلة. ويوجد اليوم أكثر من 2.000 منزل بُني من دون ترخيص، أي أكثر من نصف منازل الحي.
ثالثاً، حملة التجبر والعقاب الجماعي: منذ أكثر من سنة تشن الشرطة حملة عنيفة على الحي حيث يقتحم مقاتلو الوحدات الخاصة وحرس الحدود حي العيساوية من دون سبب وهي مدججة بالسلاح من رأسها إلى أخمص قدميها وترافقها مركبات ترانزيت وجيبات وطائرات استطلاع. في إطار الحملة تتعمد هذه القوات افتعال أحداث «احتكاك» تعسفية وعنيفة تشوش حياة أهالي الحي وتلحق بهم الكثير من الأذى وبضمنها الإغلاق العشوائي لشوارع مركزية والتسبب في ازدحام مروري وانتظار السيارات في طوابير طويلة، وتشغيل مكبرات الصوت في مركبات القوات في ساعات متأخرة من الليل، والتهديد الاستفزازي للأهالي عبر إشهار السلاح في وجوههم، وتفتيش المارة بشكل مهين وتفتيش السيارات والحقائب (بما في ذلك حقائب تلاميذ المدارس)، والاستفزاز الكلامي، ومطالبة التجار بإغلاق محالهم من دون سبب ومن دون إظهار أمر من أي نوع كان، وتفتيش المحال التجارية بمرافقة كلاب، واقتحام المنازل وإجراء تفتيش من دون أمر تفتيش، واعتقالات تعسّفيّة للقاصرين (بعضها تنفّذها القوّات في منتصف الليل) ضمن انتهاكات صارخة لحقوقهم وغير ذلك. وقد رد الأهالي عليها برشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة والمفرقعات. ورد مقاتلو القوات الخاصة للاحتلال بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص الإسفنجي الصلب وضرب الأهالي. نتيجة لعُنف الشرطة أصيب منذ يناير (كانون الثاني) 2020 ما يقارب 300 من أهالي الحي. وتقول إن ما يشغل الاحتلال الإسرائيلي في تعامله مع هذه الأحياء سوى طموحه إلى نهب السكان بأقصى ما يمكنها وترسيخ سيطرتها على أوسع مساحة ممكنة من الأراضي بكل ما يقتضي ذلك من تجاهل مطلق للواقع المعيشي الصعب الذي تفرضه على السكان، بما في ذلك نسب الفقر العالية جداً، والاكتظاظ السكاني الشديد والفوضى التخطيطية العارمة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».