رغم وجود الفنانة السعودية في الحراك الفني التشكيلي، فإن معظم حلقات النقاش التي تضم التشكيليات السعوديات تبدو فيها حالة من الإحباط، لا تتعلق بتفاصيل العملية الإبداعية ذاتها، بقدر ما هي حالة عن عدم الرضا تجاه حضور الفنانات التشكيليات في السعودية، اللاتي يعتقد معظمهن أنهن لم يأخذن حقهن في الانتشار مقارنة بزملائهن من الفنانين الرجال، ويعتقدن أن فرص التطور والظهور الإعلامي متاحة للرجال أكثر من السيدات في هذا المجال، الأمر الذي دفع كثيرات منهن إلى الانكفاء على الجهود الذاتية في إنشاء المعارض الخاصة والعمل بمعزل عن أي جهات رسمية كانت أم إعلامية.
وتبدو هذه الحالة هي المعوق المقلق لدى الكثير من التشكيليات السعوديات، بعد أن تجاوزن مراحل صعبة من مخاض الولادة الفنية، وتغلبن على عقبة التقاليد والقيود الاجتماعية، وصار بمقدورهن اليوم البوح بكل ما لديهن من خلال أعمالهن، بعد ظهور رائدات في الحركة التشكيلية النسائية السعودية، مثل صفية بن زقر ومنيرة موصلي وشريفة السديري وبدرية الناصر وحميدة السنان وغيرهن من اللاتي نقشن أسماءهن في عالم التشكيل النسائي السعودي.
إلا أن هذا التطور الملموس في الواقع الأنثوي للفن التشكيلي لم يكن كافيا لصناعة أسماء نسائية شابة جديدة تكمل مسيرة السباقات، الأمر الذي يفتح الباب أحيانا لانتقاد حضور التشكيليات السعوديات على اعتبار أنهن لم يحققن التألق الكافي الذي يواكب قفزات السيدات الموجودات في بقية الفنون البصرية الأخرى، وهو ما تعلق الفنانات التشكيليات مسؤوليته على محدودية فرص التعلم والتطور وضرورة السفر والتنقل للمشاركة في المعارض الخارجية، وهي أمور قد لا تتم بسلاسة للسيدات كما هو الحال لدى الفنانين الرجال.
وترى التشكيلية السعودية بدرية الناصر، أن المجتمع بدأت أفكاره وتصوراته تتغير تجاه حضور المرأة في عالم الفن التشكيلي، قائلا: «مشاركة المرأة كفنانة من خلال المعارض ووسائل الإعلام أصبحت أكبر في الوقت الحاضر، وازداد عدد الفنانات وظهرت أسماء جديدة في الساحة التشكيلية، وهذا دليل واضح على أن القيود القديمة بدأت تخف أو ربما تلاشت».
وتسترجع الناصر بدايتها التي كانت قبل نحو عقدين من الزمان، قائلة: «في الفترة التي خرجت فيها واجهت الكثير من المعوقات، لكني تحديتها، وكان لدي إصرار كبير على المشاركة في المعارض، وكانت جمعية الثقافة والإعلام هي الجهة المعنية بذلك إلى جانب الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كان لها نشاط كبير، لكن الجمعية الآن أصبح صوتها خافتا، وأصبحت المعارض نادرة وفرص الظهور محدودة». وتضيف الناصر في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «المعوق الذي نواجهه حاليا هو غياب الصالات والمناسبات والمعارض بصفتها الجهات التي تهتم بإظهار المواهب الجديدة، وهذه مشكلة كبيرة، وفي المنطقة الشرقية (تحديدا) نجد أن الفن هو آخر ما تفكر فيه الجهات الرسمية، وذلك بخلاف مدينة جدة التي تشهد حراكا فنيا واضحا في هذا الشأن».
إلا أن الناصر لا تخفي أن تجربة المرأة في الحراك الفني التشكيلي لم تنضج بعد مقارنة بالفنانين الرجال، قائلة: «ربما لأن المرأة تأخذ الفن كنوع من التسلية والترف، لكن يظل الإبداع هو الإبداع، والمرأة بحاجة لجهود كبيرة حتى تبرز أكثر، وربما ظروفها تمنعها أحيانا من ذلك، بينما الفنان الرجل حقق وجودا في ساحة الفن التشكيلي بصورة أكبر». من ناحيتها، ترى التشكيلية السعودية نوف السماري، أن مشكلة الفنانات التشكيليات مختلفة قليلا، قائلة: «المرأة التشكيلية أصبح لها حضور أكثر من الرجل التشكيلي من حيث كم الغزارة الإبداعية، لكن عندما نرى التغطيات الإعلامية على سبيل المثال، نجد أن الرجل هو الأبرز والأكثر حضورا، ولا أعرف لماذا!»، معتقدة أن المجتمع السعودي لديه قابلية للاحتفاء بالفنان التشكيلي أكثر من الفنانة التشكيلية.
وتستشهد السماري التي تعد كاتبة مختصة بالفن التشكيلي، في تجربتها الكتابية حول التشكيلية السعودية شادية عالم والثنائيات التي تقدمها مع أختها الروائية رجاء عالم، خاصة ما فعلنه في أحد أبرز الأعمال السعودية المعاصرة «الفلك الأسود»، قائلة «كثير من الصحف العالمية اهتمت بهذا العمل، وعندما كتبت أنا عنه أبدت الفنانة شادية عالم سعادتها، وقالت لي إنه لا توجد أي صحيفة سعودية تكلمت عن هذا العمل الذي نوقش بإسهاب في الخارج، وذلك بخلاف بعض تجارب الفنانين التشكيلين من الرجال، الذين يأخذون حقهم في الاهتمام الإعلامي».
وتتابع السماري حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «لا أعرف اللوم يقع على من في ذلك، هل الإعلام هو المسؤول أم تقبل المجتمع، لأن الفرص موجودة ومتاحة للفنانات التشكيليات، إلا أن الفن التشكيلي حتى الآن لم يؤخذ بشكل جدي لدينا»، وتضيف «الفنان التشكيلي بعد أن يعمل معارض في الخارج ويصبح معروفا هناك يتم النظر إليه في الداخل، فلا أحد ينتبه للتشكيلي السعودي إلا إذا اشتهر في الخارج، خصوصا بالنسبة للفنانات النساء».
ورغم رتابة المشهد التشكيلي بالنسبة للفنانات السعوديات، فإن دراسة حديثه أعدتها الباحثة مسعودة قربان من جامعة الملك سعود في الرياض، تحت عنوان «دور المرأة السعودية في التصوير التشكيلي المعاصر بالمملكة العربية السعودية»، كانت قد أظهرت نتائجها أن الفنانات السعوديات ساهمن على اختلاف اتجاهاتهن الفنية في المشاركة بالحركة الفنية التشكيلية من خلال عمل المعارض الفردية والجماعية، وتبني الحركة التشكيلية بإلقاء المحاضرات والندوات من خلال انضمامها لبعض الجمعيات الفنية، والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، وعمل ورش عمل مختلفة.
وربما هذه الإشادة البحثية لا تنسجم بصورة كافية مع سقف التطلعات المرتفع للتشكيليات السعوديات، حيث ترى السماري أنه «كل يغني على ليلاه»، مشيرة لحالة التراخي بين الفنانات أنفسهن، في كونهن يعملن بمفردهن وفي ذات الوقت يفصحن عن الكثير من المطالب والآمال، مضيفة «رغم ذلك لا أزال متفائلة بأن مستقبل الفنانات التشكيليات في السعودية سيكون أفضل، وهذه المعوقات لن تحد من طموحات الشابات الجدد في ساحة الحراك التشكيلي».
وتبدو النافذة المشرقة حاليا متمثلة في وسائل الإعلام الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث وجدت فيها الكثيرات من الفنانات التشكيليات منبرا للتعبير عن بوحهن الفني وإنشاء معارض إلكترونية يقدمن من خلالها نتاجهن لمتذوقي الفن التشكيلي، وهو ما يعكس الدور التقني الذي أظهر صورة جديدة وأكثر حيوية للتشكيليات السعوديات، في حين ما زالت أحلام كثير منهن تتجاوز المدى، حيث تبدأ من المحلية ثم تداعب بوابة الشهرة العالمية.
الفنانات السعوديات ينعشن الحراك التشكيلي بجهود «فردية»
محاولات إظهار نتاجهن الفني تمر بمخاض طويل
الفنانات السعوديات ينعشن الحراك التشكيلي بجهود «فردية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة