في بلد يزداد فيه الهوس بالخصوصية، وتكثر فيه نظريات المؤامرة المتعلقة بمراقبة الدولة لمواطنيها، جاء حكم من المحكمة الدستورية العليا ليشعل جدل «المراقبة» التي تطبقها المخابرات الألمانية، وإن كانت هذه المرة تتعلق بمراقبة أجانب خارج ألمانيا وليس في الداخل.
ففي حكم تقول المخابرات الألمانية الخارجية إنه «سيعرقل عملها»، وقد يصعب اكتشاف مخططات إرهابية في المستقبل، استنتجت المحكمة الدستورية العليا أن مراقبة المخابرات الألمانية الخارجية لأجانب خارج البلاد، يمثل انتهاكاً للحقوق الأساسية المتعلقة بخصوصية التواصل.
ومنحت المحكمة، التي تتخذ من مدينة كارلسروه مقراً لها، هيئة المخابرات الخارجية، حتى نهاية العام المقبل، كي تعدل قوانينها، وتتوقف عن مراقبة أجانب خارج ألمانيا. وجاء الحكم بعد أن حركت مجموعة من الصحافيين الألمان والأجانب وهيئات مدنية و«صحافيون بلا حدود»، الدعوى أمام المحكمة الدستورية عام 2016، إثر منح البرلمان الألماني آنذاك سلطات واسعة جديدة للمخابرات الخارجية تسمح لها بـ«مراقبة استراتيجية للاتصالات».
ومنح البرلمان، هذه السلطات الواسعة للمخابرات الخارجية، وقتها، لجعل عملها قانونياً، بعد تسريبات إدوارد سنودن، التي أظهرت دور المخابرات الألمانية في المراقبة الخارجية غير القانونية.
وباتت هيئة المخابرات الخارجية، منذ ذلك الحين، قادرة على مراقبة نشاط أشخاص غير ألمان في الخارج على الإنترنت، عادة عبر إدخال كلمات مفتاحية في نظام البحث وأرقام هواتف وعناوين إلكترونية، تمكن نظام البحث من العثور على معلومات وتخزينها. ويسمح القانون أيضاً للمخابرات بتشارك المعلومات التي تجمعها مع أجهزة مخابرات أخرى في حال الحاجة لذلك. ويقول الصحافيون، في شكواهم، إن هذه المراقبة تمنع الكثير منهم من العمل على تحقيقات في الخارج، والتعاون مع صحافيين محليين، خوفاً من تعرضهم والصحافيين الأجانب الذين يعملون معهم للمراقبة ومشاركة معلومات مع المخابرات المحلية في تلك الدول، ضمن تبادل المعلومات الذي تستخدمه المخابرات الألمانية عند الحاجة للحصول على معلومات بدورها من وكالات أخرى. ورأوا أن هذا الأمر يعرض الكثير من الصحافيين الأجانب والباحثين الذين يعملون معهم لخطر الملاحقة من قبل المخابرات المحلية في بلدانهم.
وقالت المحكمة، في بيان، بعد الحكم الصادر عنها حول القضية، إن «حماية الحقوق الأساسية ضد السلطات الألمانية لا يتوقف فقط على الأراضي الألمانية».
لكن فيما يحتفل الصحافيون الذين تقدموا بالدعوى بهذا القرار، فإن المخابرات تحذر من آثاره السلبية على عملها. وحسب مدير المخابرات الخارجية بالإنابة برونو كال، فإن 20 في المائة من الاتصالات التي يسجلها مكتبه مستندة إلى معلومات تم جمعها من أجانب في الخارج. ويعتقد أن المخابرات تسجل يومياً أكثر من 150 ألف محادثة يقيمها خبراء. كان رئيس مكتب المستشارية هيلغه براون، الذي يشرف كذلك على المخابرات الخارجية، قال في دفاعه أمام المحكمة، إن المعلومات التي يتم تخزينها «ضرورية لمنع وقوع اعتداءات تستهدف مثلاً الجيش الألماني في الخارج».
ولا يسمح للمخابرات الداخلية بأن تراقب المواطنين الألمان في الداخل بالدرجة نفسها، بسبب بند حماية الحريات والخصوصية في الدستور. ويتخوف الألمان حتى اليوم من أن يكونوا خاضعين للمراقبة الدائمة من قبل الدولة، خصوصاً في الولايات الشرقية التي عاش سكانها تحت حكم السوفيات لعقود بين 1949 و1990، وكانوا يخضعون لمراقبة دائمة من قبل الشرطة السرية المعروفة باسم «ستازي» التي كانت تخبئ كاميرات مراقبة داخل المنازل.
ولهذا يفضل الكثير من الألمان الدفع بمبالغ نقدية عوضاً عن استخدام البطاقات الائتمانية، خوفاً من إعطاء تفاصيل شخصية غير ضرورية. إلا أن هذه العادة خفت قليلاً مؤخراً بعد انتشار فيروس كورونا، والتشجيع على الدفع ببطاقات عوضاً عن النقد لتخفيف مخاطر انتقال العدوى.
لكن هذا الخوف على الخصوصية هو ما يعقد كذلك اليوم جهود الحكومة لنشر تطبيق لتعقب الإصابات بفيروس كورونا، الذي ما زال يخضع لتجارب لدى الجيش الألماني قبل إطلاقه. وتحاول الحكومة طمأنة السكان إلى أن التطبيق سيحفظ الخصوصية، ولن يخزن معلومات شخصية، وسيكون هدفه فقط مراقبة سلسلة العدوى، وسيكون تحمليه اختيارياً وليس إلزامياً. ومع ذلك، فمن غير المعروف ما إذا كانت نسبة كبيرة من الألمان ستكون مرتاحة لتحميل هذا التطبيق ومشاركة عدد من المعلومات الخاصة.
وما زاد كذلك الجدل حول الخصوصية، أمس، تحذير للموظفين الحكوميين من استخدام خدمة «واتساب» للتواصل بسبب الشكوك حول الخصوصية فيه. وفي الفترة الأخيرة، عمد عدد من السياسيين والموظفين الحكوميين للتواصل مع بعض ومع الصحافيين عبر خدمة «واتساب»، بسبب المحاذير من فيروس «كورونا». إلا أن مفوض خصوصية البيانات لدى الحكومة أولريك كيلبر، دعا في رسائل وجهها إلى المؤسسات الفيدرالية إلى وقف استخدام هذه الخدمة للتواصل.
وقال، في رسالته، إن «على المؤسسات الفيدرالية أن تحترم ولا تتهاون مع مسألة حماية البيانات حتى في هذه الأوقات الصعبة». وأضاف: «فقط عبر إرسال رسائل، فإن البيانات الوصفية يتم إرسالها إلى (واتساب) في كل مرة، ويمكن الاستنتاج أن هذه البيانات الوصفية ترسل بعد ذلك إلى خدمة (فيسبوك) التابعة للشركة نفسها». وخلص إلى أن هذا الأمر يؤدي «وإن كقطع الموزاييك الصغيرة، لزيادة تخزين المعلومات الشخصية».
ونقلت صحيفة «هاندلبلات» الخاصة بالأعمال، عن متحدث باسم خدمة «واتساب»، أن هذا التحذير غير دقيق، لأن خدمة التواصل هذه «لا تقوم بتحويل أي معلومات لـ(فيسبوك)»، بهدف زيادة الإعلانات الموجهة مثلاً، وأنها «لا يمكنها أن تقرأ الرسائل لأنها مشفرة... وفقط مرسل الرسالة ومتلقيها يمكنهما قراءتها، لا (واتساب) ولا (فيسبوك)».
القضاء يمنع المخابرات الألمانية من مراقبة أجانب في الخارج
المحكمة الدستورية العليا أمهلتها حتى نهاية العام لتعديل قوانينها وممارساتها
القضاء يمنع المخابرات الألمانية من مراقبة أجانب في الخارج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة