مناهضو التطعيم يعزّزون حضورهم في المجتمع الأميركي بدعم من ترمب

بينما ينتظر العالم اللقاح لمواجهة جائحة «كوفيد ـ 19»

مناهضو التطعيم يعزّزون حضورهم في المجتمع الأميركي بدعم من ترمب
TT

مناهضو التطعيم يعزّزون حضورهم في المجتمع الأميركي بدعم من ترمب

مناهضو التطعيم يعزّزون حضورهم في المجتمع الأميركي بدعم من ترمب

في الوقت الذي تتسابق شركات الأدوية والمختبرات العلمية على تطوير لقاح لفيروس «كوفيد - 19» قد يحمل الأمل في إنهاء تأثيرات هذه الجائحة التي ضربت سبل عيش معظم شعوب العالم وإنقاذ أرواح الملايين، يرفض الألوف من معتقدات وأديان ودول مختلفة تلقي اللقاح الموعود.
وفي الولايات المتحدة يرفض عدد كبير من الأميركيين تلقي اللقاح لتجنب فيروس الجائحة، ويكثّفون جهودهم، مع مجموعات سياسية ومدنية وحركية – يعضها مسلّح – من رافضي قرارات إغلاق البلاد. ويتظاهر هؤلاء للمطالبة بوقف سياسة التباعد الاجتماعي وإعادة فتح الاقتصاد، في خطوة يرى البعض أنها تلتقي مع شعارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الساعي جاهدا لوقف تلك الإجراءات، على أمل تحسين ظروف الاقتصاد الأميركي، وذلك قبل موعد الانتخابات الرئاسية والعامة المقرّرة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، للفوز بولاية ثانية.

ظاهرة رفض اللقاح ليست طارئة أو حديثة، إذ لطالما شهد العالم الصراع بين المؤمنين بالعلم والتقنيات الحديثة وتأثيراتها على سبل حياة البشر من جهة، وأصحاب المعتقدات والعديد من الجماعات المتدينة التي تشدد على أن للعلم حدوداً لا يمكنه تجاوزها.
بيد أن الأمر لا يعفي من طرح التساؤل عن تجذّر هذه الظاهرة في بلد يعتبر أكبر وأهم وأكثر الدول المتطورة علميا كالولايات المتحدة... البلد الذي كان ولا يزال سبّاقا في اكتشاف الأدوية والعقاقير واللقاحات، التي خرجت من مختبراته وشركات الأدوية فيه لعلاج البشرية.
إن الحركة المناهضة للقاح أو التطعيم وخصوصا للأطفال، قديمة قدم ظهور اللقاح أو التطعيم نفسه، رغم نتائجه المذهلة وتوفره. ولقد صنّفت منظمة الصحة العالمية تلك الحركات بأنها واحدة من بين أكبر 10 تهديدات للصحة في العالم عام 2019. ويشمل هذا التصنيف: الرفض التام للتطعيم وتأخير اللقاحات أو التشكيك بقبولها واستخدامها، أو استخدام لقاحات معينة دون غيرها. وتتناقض الحجج التي يقدمها المناهضون للتطعيم مع الإجماع العلمي الساحق حول سلامة اللقاحات وفعاليتها.

- ادعاءات وأسباب وحيثيات
يناقش مناهضو التطعيم بأن ترددهم في قبوله يقوم على عوامل رئيسية، بينها: انعدام ثقة الشخص باللقاح أو بمقدم الرعاية الصحية وقلة إحساسهم بالراحة، أو أنهم لا يشعرون بالرضى ولا يرون حاجة إلى اللقاح وقيمته. وهذا الرفض وجد منذ اختراع التطعيم، وسبق تاريخ صياغة مصطلحي «لقاح» و«تطعيم» بحوالي 80 سنة. لا، بل إن الحركات المضادة للتطعيم تعود على الأقل إلى العام 1796. عندما اخترع البريطاني إدوارد جينر لقاح الجدري. لكن العديد من الخبراء يقولون إن السبب الحالي يمكن إرجاعه إلى العام 1982. عندما بثّت شبكة «إن بي سي» الأميركية فيلما وثائقياً أثار جدلا في بريطانيا، يربط بشكل مزعوم بين لقاح السعال الديكي (الشهقة)، وهو مرض قاتل يمكن أن يسبب مشاكل في الرئة، ونوبات عند الأطفال الصغار. ورغم انتقاد الأطباء الشديد للفيلم لافتقاره إلى الدقة بشكل خطير، فإن الخوف كان قد انتشر، وأخذت تتشكل مجموعات مناهضة للتطعيم، فأوقفت العديد من الشركات إنتاج اللقاح، مفضلة الخسارة على الصداع.
وفي العام 1998، نشر أندرو ويكفيلد، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي البريطاني، دراسة في دورية «لانسيت» الطبية، ربطت بين اللقاح ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية... ومرض التوحّد. وثبت لاحقاً بطلان ما زعمته هذه الدراسة. غير أن بعض الآباء اعتبر أن الإجابة كانت واضحة - رغم أن معظمهم لم يعرف تلك الأمراض، لأن اللقاحات ببساطة كانت قد قضت عليها - لكنهم كانوا يعرفون التوحّد.
لكن، رفض اللقاحات غالباً ما كان يؤدي إلى تفشي الأمراض والوفيات التي كان يمكن تجنبها أو الوقاية منها باللقاحات. واعتمد مناهضو اللقاح الإلزامي على المشاعر المضادة للقاح، أو القلق من أنه ينتهك الحريات المدنية أو يقلل من ثقة الجمهور في التطعيم، أو الشك في الاستفادة من صناعة الأدوية.

- رافضو اللقاح من الحزبين
في أي حال، لم تقتصر الحركة المضادة للقاحات في الولايات المتحدة على حزب سياسي واحد. بل كان من بين المنتقدين منظمة «الدفاع عن صحة الطفل» الليبرالية والسياسي الديمقراطي روبرت كينيدي الابن. واليوم، ثمة، عدد من خبراء البيئة يشتبهون في أن شركات الأدوية الكبرى تساهم في حملات ترويج هدفها الإسراع في تطوير لقاحات للفيروسات التاجية (الكورونا) الخطرة غير المؤكدة بعد - بحسب رأيهم - كجزء من صفقة مربحة لشركات إنتاج الدواء. وهذا، رغم المخاطر المعروفة للملوثات البيئية.
في المقابل، يعارض العديد من المحافظين المناهضين للقاحات دعوات الحكومة للتحصين لأنهم ببساطة لا يثقون بـ«جهاز الحكومة الكبير»... أو «الدولة العميقة». وهؤلاء، في هذا ينسجمون مع أيديولوجيتهم المحافظة الداعية إلى خفض حجم الدولة والقطاع العام ورفض تدخلها في حياة الناس. وعلى سبيل المثال دعت مجموعة تسمى «التكساسيون من أجل خيار التطعيم» حاكم ولاية تكساس إلى التعهد بألا يجبر أي شخص على الحصول على لقاح ضد فيروس «كوفيد - 19» قبل الذهاب إلى العمل أو المدرسة. كذلك دعت مجموعة يمينية تدعى «خيار الصحة» وأخرى تدعى «ملائكة الحرية» في ولاية كاليفورنيا التي يهيمن عليها الديمقراطيون، في منشورات على موقع «فيسبوك» إلى التصدي لإجبار السكان على التطعيم، وشككت الجماعتان في أوامر «البقاء في المنزل» وإغلاق متاجر الأسلحة، واتهمتا الحكومة والمسؤولين برفض «الاعتراف بالأوامر الخطأ»، وبالاعتداء على الإعلان الدستوري الثاني. بل ترى «ملائكة الحرية» أن حمل الأسلحة قد يكون ضرورياً للحماية من الشغب والنهب خلال فترة تفشي الجائحة، علما بأن مبيعات السلاح في الولايات المتحدة سجلت ارتفاعا قياسيا منذ بدء انتشارها.
وفي حين تسعى المجموعات المناهضة للقاحات الآن لتغيير اسمها إلى «مدافعين عن الحرية الطبية»، يترافق ذلك مع الاحتجاجات التي اقتصرت حتى الآن على بضع مئات من الأشخاص، انطلقت ضد التباعد الاجتماعي في ولاية ميشيغان أولا، وامتدت لاحقا إلى ولايات تكساس وكولورادو ونيفادا وماريلاند وويسكونسن وكاليفورنيا وأماكن أخرى.
غير أن إدارات الشرطة في عدد من الولايات ألغت في وقت لاحق تصاريح مستقبلية للاحتجاجات لتلك المجموعات، بحجة انتهاكها قواعد التباعد الاجتماعي التي أصدرها حكامها.
وينقل موقع الأخبار التابع لمؤسسة «كايسر» الصحية عن الدكتور ديفيد غورسكي عالم الأورام، قوله إن الذراع المحافظة لحركة مكافحة اللقاح تعد حليفا طبيعيا لأولئك الذين يقودون مسيرات «إعادة فتح أميركا»، وكلاهما لديه شكوك حول سلطة الحكومة.
ويضيف غورسكي إن منتقدي اللقاحات، على سبيل المثال، دافعوا منذ فترة طويلة عن الادعاء الكاذب بأن اللقاحات تسبب مرض التوحّد، وأن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حاولت إخفاء هذه المعلومات. ولا يخفى أن الرئيس ترمب كان قد ربط في بعض الأحيان بين اللقاحات والتوحّد، لكنه عاد ووافق على ضرورة التطعيم ضد وباء الحصبة، الذي عاد وانتشر بقوة عام 2019 في الولايات المتحدة. واليوم ثمة توقعات متشائمة بالنسبة لهذا المرض الشديد العدوى، إذ يُعتقد عادة أن معدل اللقاح لتحقيق «مناعة القطيع»، وهو المصطلح الذي يصف المعدّل الأمثل لحماية السكان بالكامل، هو 95 في المائة. ووجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن معدل التطعيم لحقن الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية في رياض الأطفال خلال العام الدراسي 2017 - 2018 انخفض على المستوى الوطني إلى 94.3 في المائة، للعام الثالث على التوالي.

- تصاعد قوة الرافضين للقاح
كان توجيه السؤال عما إذا كان المرء يتلقى التطعيم خجولاً في البداية، إلا أن أحدا لم يكن يتوقع أن يزدهر في نهاية العقد الثاني من القرن الـ21 في الولايات المتحدة، رغم كل التقدم العلمي والطبي الذي تحققه. وفي حين تواجه العائلات خيارات صعبة لإعادة أطفالهم إلى المدارس، يزداد الشعور بمدى نمو الحركات المناهضة للقاح خلال العقود الماضية وتأثيرها على المجتمع الأميركي.
يقول البعض إن نمو هذه الحركات هو نتاج ثانوي أيضا لشائعات ومعلومات مضللة عبر الإنترنت، ضد شركات الأدوية والصيدليات الكبرى، وافتتاناً ببعض الشخصيات الشهيرة المناهضة للتطعيم، كجيني مكارثي وجيم كاري وأليسيا سيلفرستون ومغني «الراب» كيفين غيتس والسياسي روبرت كينيدي. والآن يدعم هؤلاء الرئيس ترمب على «تويتر» في تنظيم مظاهرات في عواصم الولايات «لإعادة فتح أميركا»، وخطاب إدارته المناهض للعلم، الذي عززه انسحابها من اتفاقية المناخ. وفي تحقيق لصحيفة «النيويورك تايمز»، يقول الدكتور بول أوفيت، خبير الأمراض المعدية في مستشفى الأطفال بمدينة فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا): «لقد أصبح العلم مجرد صوت آخر بعدما فقد منصته».
والآن، وبينما ينضم العديد من منتقدي اللقاح نفسه إلى مكافحة أوامر «البقاء في المنزل» وإغلاق الأعمال التي تهدف إلى وقف انتشار الفيروس القاتل، يقترب عدد الوفيات في الولايات المتحدة من 90 ألف شخص، بل هناك ترجيحات تتحدث عن احتمال وصول العدد إلى نحو 250 ألفا إذا ما تجدد انتشار الجائحة في الخريف المقبل. ويقول بيتر هوتز أستاذ طب الأطفال والفيزيولوجيا الجزيئية وعلم الأحياء الدقيقة في كلية بايلور للطب في مدينة هيوستن (ولاية تكساس)، «هذه مجرد طبقة جديدة من الطلاء للحركة المضادة للقاحات في أميركا، ووسيلة استغلالية بالنسبة لهم لمحاولة الحفاظ على أهميتهم». ويضيف أن تلك الجماعات المناهضة للقاحات تستغل المشاعر المعادية للحكومة التي أثارها المتظاهرون الذين يميلون إلى المحافظين لتعزيز قضيتهم... و«لسوء الحظ، قد تنجح استراتيجيتهم». أما الدكتورة جنيفر ريتش، عالمة الاجتماع في جامعة كولورادو بمدينة دنفر، التي تدرس سلوك العائلات المقاومة للقاحات: «إن مجرد القول بأن هؤلاء الآباء جهلة أو أنانيون لهو حكم سطحي».

- انتكاسة للمعارضين عام 2019
في المقابل، تعرض منتقدو اللقاحات لانتكاسات كبيرة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، إذ عززت العديد من الولايات قوانين التحصين استجابة لتفشي الحصبة التي تسبب بها رافضو اللقاحات. وشدّدت ولاية كاليفورنيا، كبرى الولايات الأميركية، قوانينها الإلزامية من اللقاحات في عام 2019 رغم الاحتجاجات، التي ألقى خلالها النشطاء المناهضون للقاحات الدم على أعضاء مجلس شيوخ الولاية، واعتدوا على واضعي قانون اللقاح، ما أدى إلى تعليق المجلس أعماله التشريعية.
وبالتالي، رغم ذلك، أقدمت الغالبية العظمى من الآباء والأمهات الأميركيين على بتطعيم أطفالهم... وتكاثرت المجموعات التي يقودها هؤلاء لمواجهة المشاعر المضادة للتحصين. وألغت خمس ولايات الإعفاءات لأسباب دينية أو فلسفية، وسمحت فقط بالاستثناءات لأسباب الطبية.
ووفق الأدلة العلمية، منعت فعالية حملات التطعيم الواسعة النطاق مليونين إلى ثلاثة ملايين حالة وفاة كل سنة في جميع أنحاء العالم بسبب التطعيم، وهذا، مع إمكانية منع 1.5 مليون حالة وفاة إضافية كل سنة إذا استخدمت جميع اللقاحات الموصى بها. فلقد ساعدت حملات التطعيم في القضاء على مرض الجدري، الذي قتل في يوم من الأيام طفلاً من بين 7 أطفال في أوروبا، ومن ثم، قضت على شلل الأطفال تقريبا. وفي مثال أكثر تواضعا، انخفضت الإصابات الناجمة عن «المستديمة النزلية» (Hib)، وهو سبب رئيسي لالتهاب السحايا الجرثومي والأمراض الخطيرة الأخرى لدى الأطفال، بأكثر من 99 في المائة في الولايات المتحدة منذ اعتماد اللقاح عام 1988. وتشير التقديرات العلمية، أيضاً، إلى أن التطعيم الكامل، منذ الولادة وحتى سن المراهقة، لجميع الأطفال الأميركيين الذين ولدوا في عام معين... من شأنه أن ينقذ حياة 33 ألف شخص ويمنع 14 مليون إصابة.
في المقابل يجادل البعض بأن هذا الانخفاض في الأمراض المعدية، هو نتيجة لتحسين نظام الصرف الصحي والنظافة الصحية، وليس التطعيم، أو أن هذه الأمراض كانت في انخفاض بالفعل قبل إدخال لقاحات محددة. غير أن هذه الادعاءات غير مدعومة ببيانات علمية، إذ تميل حالات الإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات إلى التذبذب بمرور الوقت حتى إدخال لقاحات محددة، ما أدى إلى خفض معدل الإصابة إلى ما يقرب من الصفر.

- خرافات ونظريات مؤامرة
مع هذا، يواصل مناهضو اللقاح الترويج لخرافات ونظريات مؤامرة ومعلومات خاطئة التي تربط بين اللقاحات وبعض الأمراض. ويعتمد هؤلاء على تكتيكات لتعزيز البحث غير ذي الصلة باعتباره تجميعاً نشطاً للعديد من الدراسات البحثية المشكوك فيها أو ذات الصلة في محاولة لتبرير حجج كامنة وراء ادعاءات مشكوك فيها.
وعلى سبيل المثال، يشدد مناهضو اللقاح على «متلازمة موت الرضّع المفاجئة»، وهي الأكثر شيوعا عند الأطفال، عندما يتلقون العديد من اللقاحات في وقت واحد وفي سن معينة. ونظرا لتعذّر تحديد سبب هذه المتلازمة بشكل كامل، سرّت مخاوف بشأن ما إذا كانت اللقاحات، خاصة اللقاحات المضادة للخانوق (الدفتيريا) والكزاز (التيتانوس)، من العوامل المسببة المحتملة. ومع هذا، أثبتت دراسات علمية عديدة منذ العام 2003. أن لا وجود لأي دليل يدعم وجود علاقة سببية بين التطعيم وموت الأطفال المفاجئ، لا بل أظهرت أدلة متزايدة على أن التطعيم قد يحمي الأطفال من الموت المفاجئ.
أيضاً، أثبتت الدراسات العلمية أيضا أن اللقاحات وسيلة فعالة من حيث الكلفة والوقاية لتعزيز الصحة، مقارنة بكلفة معالجة الأمراض الحادة أو المزمنة. وقُدّر التوفير الذي تحققه اللقاحات الروتينية الشائعة الاستخدام للأطفال في الولايات المتحدة، خلال عام 2001. ضد سبعة أمراض، بأكثر من 40 مليار دولار لكل مجموعة ميلاد سنوية من التكاليف الاجتماعية الشاملة... بما في ذلك 10 مليارات دولار في التكاليف الصحية المباشرة، ووفّرت نسبة فوائد اجتماعية بـ16.5 مليار دولار.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.