«الوفاق» تهدد الجيش الليبي بـ«الجنائية الدولية»

قوات حفتر تعزز حجم ونوع مشاركتها في معارك طرابلس

جانب من الدمار الذي أصاب واجهة مطار معيتيقة خلال المعارك الدائرة في طرابلس (رويترز)
جانب من الدمار الذي أصاب واجهة مطار معيتيقة خلال المعارك الدائرة في طرابلس (رويترز)
TT

«الوفاق» تهدد الجيش الليبي بـ«الجنائية الدولية»

جانب من الدمار الذي أصاب واجهة مطار معيتيقة خلال المعارك الدائرة في طرابلس (رويترز)
جانب من الدمار الذي أصاب واجهة مطار معيتيقة خلال المعارك الدائرة في طرابلس (رويترز)

طالب محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة «الوفاق»، «الجنائية الدولية» في لاهاي باتخاذ الإجراءات الضرورية والملحة للتحقيق في قصف، اتهم «الجيش الوطني» بشنه على مطار معيتيقة الدولي المغلق، وبذل الجهود للمطالبة بمعاقبة مرتكبيها ومحاسبتهم أمام القضاء الدولي، معتبرا أنها «جرائم حرب وضد الإنسانية».
وقال سيالة في رسالة للمحكمة، مساء أول من أمس، إن ما وصفها بـ«ميليشيات» حفتر، في إشارة إلى قوات «الجيش الوطني»، «لم تترك خرقا ولا انتهاكا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا وارتكبته، من قتل للأسرى والتنكيل بهم، وقصف طال حتى البعثات الدبلوماسية».
في غضون ذلك، عزز «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، أمس، من حجم ونوع قواته المشاركة في القتال داخل العاصمة طرابلس، بينما واصلت القوات الموالية لحكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، تركيز هجومها على قاعدة عقبة بن نافع (الوطية) الجوية غرب العاصمة.
وأعلنت عمليات الإعلام الحربي لـ«الجيش الوطني» في ساعة مبكرة من صباح أمس أن «كتيبة شهداء الزاوية»، التابعة له، طالبت خلال جمع عسكري كامل أفرادها داخل مقرّها بأن يكونوا في كامل جاهزيتهم لتنفيذ أوامر التحرك صوب محاور القتال، والالتحاق بباقي وحدات الجيش المُرابطة هناك.
وهذه هي المرة الثانية خلال هذا الشهر، التي يرسل فيها حفتر المزيد من عناصر «الجيش الوطني» للانضمام إلى قواته، التي تشن منذ الرابع من شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي عملية عسكرية لـ«تحرير» طرابلس.
وتزامن هذا التحرك مع توجيه اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم «الجيش الوطني»، فجر أمس رسالة صوتية بعنوان «لبيك طرابلس» إلى شباب العاصمة، هي الثانية من نوعها خلال أسبوع واحد، يحثهم فيها على الانضمام للجيش، والتمرد على فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق»، ووزير داخليته فتحي باشاغا اللذين اتهمهما بارتكاب جرائم الخيانة والفساد، وفتح موارد البلاد للاحتلال التركي والمرتزقة الموالين له.
وخيرت الرسالة «شبان طرابلس، الواقعين تحت قبضة الميليشيات»، ما بين الانحياز «لصف الوطن أو الاصطفاف في صف من اختار أن يبيع أرضه وعرضه للمحتل»، واعتبرت أن «التاريخ يسجل».
ميدانيا، تجددت المعارك في عدة محاور مساء أول من أمس، وفجر أمس، بين الجيش وقوات «الوفاق» في عدة محاور داخل العاصمة طرابلس، خاصة في محور طريق المطار جنوب المدينة.
وقالت قوات «الوفاق»، المشاركة في عملية «بركان الغضب»، إن امرأة قتلت وأصيب 9، من بينهم أربع سيدات بعد استهداف منازل المدنيين بمنطقة الهضبة بصواريخ «جراد»، واتهمت «الجيش الوطني» بإطلاقه. مشيرة إلى أن مدفعيتها الثقيلة وجهت ما وصفته بضربات دقيقة استهدفت تمركزات لـ«الجيش الوطني» في قاعدة الوطية الجوية غرب طرابلس.
وقال المتحدث باسم قوات «الوفاق»، العقيد محمد قنونو، إن سلاحها الجوي استهدف في ساعة مبكرة من صباح أمس شاحنتين محملتين بحاويتين، كان على متنهما عناصر «الجيش الوطني» في محيط وادي مرسيط جنوب مزدة، التي تبعد 200 كيلومتر جنوب العاصمة. كما أعلن تنفيذ ثلاث ضربات جوية خلال الـ24 ساعة الماضية داخل القاعدة، استهدفت آليات مسلحة وعناصر من الجيش.
بدورها، اتهمت «الكتيبة 134 مشاة» بـ«الجيش الوطني»، المكلفة تأمين وحماية قاعدة الوطية، من وصفتها ب«الميليشيات والمرتزقة التشادية والأتراك» بقصف عدة مناطق في الوطية بالمدفعية الثقيلة مساء أول من أمس. وتضع قوات «الوفاق» قاعدة الوطية أولوية بالنسبة لها بهدف تعطيلها، باعتبارها أهم القواعد التي يستخدمها «الجيش الوطني» في هجومه على العاصمة، حيث تحولت إلى غرفة عمليات رئيسية له، بعد خسارته السيطرة على مدينة غريان مؤخرا.
ونقلت وسائل إعلام محلية موالية لحكومة الوفاق عن مصادر، لم تحددها، أن قواتها دمرت في غارة جوية منظومة دفاع جوي روسية في منطقة الشويرف كانت في طريقها إلى مدينة ترهونة.
وكان المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة» بالجيش الوطني قد أعلن في بيان مقتضب، مساء أول من أمس، أن دفاعه الجوي أسقط طائرة مسيرة في منطقة الشويرف.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.