وسط انقسامات غير مسبوقة بين جماعات الحراك والجهات المؤيدة لتظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خرجت في ساعة مبكرة من صباح أمس تظاهرة احتجاجية في بغداد، بعد ساعات قليلة من إعلان رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن عمليات القمع التي مورست ضد المتظاهرين في الأشهر السابقة، وتقدمه إلى القضاء بطلب للإفراج عن الموقوفين بقضايا التظاهر.
وتجمع المتظاهرون على جسر الجمهورية القريب من ساحة التحرير، المؤدي إلى المنطقة «الخضراء»، حيث المقار الحكومية، بعد أن عبروا الحاجز الأول القريب من الساحة، ورددوا هتافات مناهضة للسلطة وأحزابها. وقامت قوات مكافحة الشغب المرابطة في الجانب الآخر للجسر بإطلاق القنابل الدخانية والصوتية لمنع تقدم المتظاهرين. وتحدث ناشطون عن وقوع إصابات وحالات اختناق بين المتظاهرين.
وأثار التصعيد الاحتجاجي الأخير تساؤلات كثيرة حول أهداف وطبيعة الجهات التي تقف وراء الدفع باتجاه التصعيد ضد حكومة الكاظمي بعد مرور بضعة أيام على نيلها ثقة البرلمان، خاصة مع دعوات أطلقها ناشطون في محافظة واسط (180 كيلومتراً جنوب العاصمة) تطالب بـ«إسقاط النظام».
وأصدر متظاهرون في محافظة واسط بياناً، بعد تظاهرة انطلقت منذ الصباح هناك، أعلنوا فيه «سقوط» الحكومة المحلية في المحافظة، ومنع نواب المحافظة من الدخول إليها. وأظهر «مقطع فيديو» أحد المتظاهرين وهو يتلو بياناً، وسط حشد من المتظاهرين، يقول فيه: «نزف لكم البشرى: من هذا اليوم، سقطت الحكومة المحلية». وأضاف: «نحن ممثلو الإرادة الشعبية والثورية نعلن إقالة الحكومة المحلية، وقائممقامية الأقضية، ومديري النواحي، ونوكل مهمة إدارة المحافظة إلى القضاء».
وعمد متظاهرون غاضبون في الكوت، مركز محافظة واسط، ليل الأحد، إلى حرق مقرات بعض الجماعات والأحزاب، وضمنها مقرات منظمة «بدر» التي يقودها هادي العامري، وحزب «الدعوة»، إضافة إلى حرق منزل نائب عن كتلة «صادقون» التابعة لـ«عصائب أهل الحق».
وفي محافظة ذي قار، ومركزها مدينة الناصرية، خرجت أمس مظاهرة منددة بالسلطة وأحزابها، ووقعت صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن عند تقاطع البهو القريب من ساحة الحبوبي. وتحدث ناشطون عن وقوع إصابات بين صفوف المتظاهرين. وقال الناشط الأكاديمي حازم هاشم لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمور معقدة في الناصرية، وهناك انقسامات عميقة حول ما يجري، بين من يدعو إلى التصعيد وآخرين يشددون على التهدئة، وإعطاء فرصة لحكومة الكاظمي».
وأشار هاشم إلى أن مظاهرات أمس «حشد لها منذ نحو شهر، وأحد أسباب التحشيد أنباء سابقة ترددت عن نية السلطات إصدار عفو عام عن المتورطين بدماء الناشطين من رجال الأمن والشرطة، مما أثار حفيظة عوائل الضحايا». وأضاف: «هناك سبب آخر دفع الناس للغضب والتظاهر اليوم؛ تكرر محاولات الاغتيال ضد الناشطين في المدينة، خاصة بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها الناشط أزهر الشمري في حي سومر، ونجاته من الموت بأعجوبة».
وألقت مظاهرات أمس بمزيد من الشكوك حول توقيت وتجدد المظاهرات في هذا الوقت بالذات. وفيما يميل بعض المراقبين إلى أنها ربما استندت إلى عوامل «فقدان الثقة العميقة» بالسلطة وأحزابها، وأن موعدها كان محدداً قبل التصويت على حكومة الكاظمي بنحو أسبوعين، يحذر آخرون من «أجندات» لأحزاب وجهات متضررة من حكومة الكاظمي تسعى لخلط الأوراق، وإفشال عهدها بذريعة المظاهرات. وتجد وجهة النظر هذه أساساً لها في قيام بعض أتباع الفصائل المسلحة بدعم المظاهرات الجديدة، بعد أن كانوا من أشد المناهضين لها، بل إن بعض المشككين بنوايا المظاهرات الأخيرة اتهموا «عصائب أهل الحق» وأحزاباً أخرى بتعمد حرق مقرهم في مدينة الكوت، الأمر الذي دفع النائب عن «أهل الحق»، نعيم العبودي، إلى نفي ذلك عبر تغريدة في «تويتر»، قال فيها: «منذ البداية، حذرنا من الخلط بين الحراك السلمي والمطالب الحقوقية من جهة، والعنف والفوضى من جهة أخرى، بعضهم الذي عاب علينا ذلك التحذير نسمع منه اليوم اتهامًا للأحزاب بأنها تدمّر مقرّاتها».
واستبعد النائب المكلف السابق لرئاسة الوزراء عدنان الزرفي، أمس، أن يكون المتظاهرون وراء حرق بعض مقرات الأحزاب، محملاً من وصفهم بـ«الأحزاب ذات الأجندة المشبوهة» مسؤولية هذه الأفعال.
وكتب الزرفي في تغريدة عبر «تويتر»، قائلاً: «ثورة تشرين كانت سبباً في إعادة رسم سياسة الدولة، وحرّكت المياه الراكدة للتخلص من الدولة العميقة وفاسديها، هذه الروح الوطنية لن تحرق أي مؤسسة حكومية أو مدنية، كتظاهرات الأحزاب ذات الأجندة المشبوهة، إنما وضعتْ أساساً شعبياً يبدأ بنيانه من صناديق الاقتراع للانتخابات المبكرة».
مظاهرات في ظل انقسام جماعات الحراك العراقي
اتهامات لـ«أحزاب ذات أجندة مشبوهة» بالوقوف وراء حرق المقرات
مظاهرات في ظل انقسام جماعات الحراك العراقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة