«الاتحاد الدولي للناشرين» يدعم القطاع الإبداعي في أفريقيا لمواجهة {كورونا}

الشيخة بدور القاسمي
الشيخة بدور القاسمي
TT

«الاتحاد الدولي للناشرين» يدعم القطاع الإبداعي في أفريقيا لمواجهة {كورونا}

الشيخة بدور القاسمي
الشيخة بدور القاسمي

بهدف مواجهة التحديات التعليمية التي تسبب فيها وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، أعلن الاتحاد الدولي للناشرين عن توفير منحة مادية لدعم رواد أعمال قطاع النشر في القارة الأفريقية، ومساندة مؤسسات التعليم الإلكتروني الأفريقية، ليستكمل بذلك توزيع منحة دعم مستقبل صناعة النشر التي جاءت نتيجة مبادرة جمعت الاتحاد مع «دبي العطاء»، المؤسسة الإنسانية العالمية وبلغ قدرها 2.938.800 درهم إماراتي (800 ألف دولار أميركي) مقسمة لمشاريع ومؤسسات على مدار أربعة أعوام.
وتترأس الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، نائبة رئيس الاتحاد الدولي للناشرين، «لجنة منحة الصندوق الأفريقي للابتكار في النشر» التابعة للاتحاد والمسؤولة عن اختيار الفائزين بالمنحة. وتضم اللّجنة مجموعة من قادة قطاع النشر في دول أفريقية عدة، منها غانا وكينيا ونيجيريا وتونس وجنوب أفريقيا.
وحول أهمية دعم الطلبة في القارة الأفريقية، قالت الشيخة بدور القاسمي: «ألقى وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) بظلاله على الطلاب وأولياء أمورهم، حيث أصبحوا بأمس الحاجة لإيجاد حلول عملية للتعلم عن بُعد، بالإضافة إلى حاجتهم للمساندة والتوجيه والإرشاد، الأمر الذي يستدعي حشد الجهود لدعمهم والأخذ بيدهم، خاصة في دول القارة الأفريقية التي تواجه تحديات كبيرة في مجال البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة».
بدوره، قال الدكتور طارق محمد القرق، الرئيس التنفيذي لـ«دبي العطاء»: «تؤدي صناعة النشر دوراً رئيسياً في تطوير عملية التعليم في جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص خلال الظروف الحالية التي أثر فيها وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) على العملية التعليمية. لذا يستوجب علينا تعزيز هذا الدور عن طريق توفير حلول عملية مبتكرة لتسهيل الوصول إلى مصادر المعرفة والتعلم».
ومن المقرر أن تُصدر اللجنة بياناً رسمياً للإعلان عن بدء استقبال طلبات الراغبين بالاستفادة من الدعم في الأول من يونيو (حزيران) المقبل، حيث يخضع المشاركون لعملية تقييم متكاملة تشمل دراسة الطلبات المكتوبة، ومقابلات شخصية، وعروضاً تقديمية، وجلسات لتقديم الملاحظات حول الطلبات. وتُخوّل اللجنة تقدير عدد الفائزين بالمنح ومقدار كلٍّ منها.
وتُعد هذه المنحة المالية الثانية من نوعها بموجب مذكرة تفاهم وقعتها مؤسسة دبي العطاء، إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، مع «الاتحاد الدولي للناشرين»، أكبر اتحاد دولي للناشرين على مستوى العالم، في مايو (أيار) 2019.
وكانت خمسة مشاريع أفريقية قد فازت بمنحة الصندوق الأفريقي للابتكار في النشر، حصل كلٌّ منها على 73.470 درهما إماراتيا (20.000 دولار أميركي)، فيما حصلت مبادرة ترميم وتجديد مكتبة تاريخية على 183.675 درهما إماراتيا (50.000 دولار أميركي). وحصلت نصف هذه المشاريع على مستحقاتها من المنح، وتعتزم اللجنة دفع ما تبقى من مستحقات المنح بعد انحسار الوباء والسيطرة عليه بشكل كامل.
وتضم «لجنة منحة الصندوق الأفريقي للابتكار في النشر» التابعة للاتحاد الدولي للناشرين من غانا، آكوس أوفوري مينساه، المدير التنفيذي لمؤسسة «ساب ساحاران ببليشرز»، وعضو مجلس إدارة مجموعة الكتب الأفريقية في أكسفورد، المملكة المتحدة؛ ومن جنوب أفريقيا برايان وافاواروا، مدير المحتوى والإنتاج في مؤسسة «جوتا آند كومباني ليمتيد»، ورئيس اللجنة الشاملة للنشر ومحو الأمية في الاتحاد الدولي للناشرين؛ ومن نيجيريا، غباديغا أديدابو، رئيس جمعية الناشرين النيجيريين، ورئيس أمانة معرض الكتاب النيجيري، والمدير التنفيذي لمؤسسة «راسميد ببليكيشنز ليميتد».
كما تضم اللجنة من كينيا لورنس نجاغي، رئيس جمعية الناشرين الكينيين، والمدير المؤسس لـ«مؤسسة ماونتين توب ببليشرز»، وأمين صندوق وعضو مجلس إدارة شبكة الناشرين الأفريقيين؛ ومن تونس محمد صلاح معالج، المنسق العام لمعرض تونس الدولي للكتاب، ورئيس لجنة المعارض العربية والدولية في اتحاد الناشرين العرب، والمدير التنفيذي لدار كنوز للنشر.



الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
TT

الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل الحياة، أصل الوعي.

الوعي بين هذه الموضوعات الثلاثة ظلّ اللغز الأكثر إثارة ورهبة واستجلاباً للأسطرة والمقاربات غير العلمية، وربما تكون عبارة «الشبح في الآلة The Ghost in the Machine» التي شاعت منذ أيام الفلسفة الديكارتية تمثيلاً للوعي تتفق مع ثنائية العقل-الجسد The Mind-Body Duality. بمقتضى هذه الثنائية الديكارتية يكون الوعي كينونة غير مادية (الشبح) وقد استوطن في كينونة مادية (الآلة أو الجسد البشري).

فضلاً عن الأهمية الفلسفية لدراسة الوعي فقد صارت المقاربات العلمية في هذه الدراسة تتعاظم يوماً بعد آخر بسبب ارتباطها العضوي مع موضوعات عظيمة الأهمية في مقدّمتها مباحث الذكاء الاصطناعي بكلّ تفريعاته (الذكاء الاصطناعي العام، تعلّم الآلة، الشبكات العصبية...)، بعبارة أخرى: صار الوعي موضوعاً يقع في صميم الجهد البحثي الذي تتأسّس عليه القيمة الجيوستراتيجية للدولة المعاصرة. أمرٌ آخر تتوجّب الإشارة إليه: الوعي بطبيعته جهد بحثي عابر للتخصصات؛ لذا فهو يتناغم مع طبيعة المباحث العلمية المميزة لعصرنا.

لكن، بعيداً عن الأسباب البحثية والاستراتيجية، لماذا يتوجّبُ على كلٍّ منّا أن يهتمّ بأمر الوعي على مستوى شخصي بمقدار قد يزيد أو ينقص بين الأفراد؟ أوّلاً يتوجّبُ علينا الانخراط في هذا المسعى لأنّ الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم، أو هو بوّابته إلى العالم، وأعني بهذه البوّابة: التجارب الحسية Sensory Experiences، ومن الطبيعي أنّ كلاً منّا يتوق لأن يفهم -بكيفية علمية منسّقة ومنضبطة وليس بتفكّرات شخصية متناثرة- لماذا يعدّ الوعي البوّابة الأساسية لتجاربنا في العالم. يحبّ كلّ منّا هذا المسعى ولا يرغب في جعله اختصاصاً حصرياً للفلاسفة وعلماء الأعصاب ومطوّري الذكاء الاصطناعي بكلّ متفرّعاته. ثانياً: دراسة الوعي في غاية الأهمية أيضاً في جوانب الغاية Purpose والمعنى Meaning في حياتنا البشرية. ليس في قوانين الفيزياء ما يشيرُ إلى المعنى، وليس مِنْ معادلة لحساب المعنى في تلك المعادلات. لا أظنّ -وسيتشارك معي كثيرون كما أحسب- أنّ الاكتفاء بالتطلّع في كوننا يمنحنا معنى لحياتنا هو ما يحقّقُ فعلاً هذا الأمر؛ لأننا نحن من يخلعُ المعنى على كوننا. يحصل هذا الأمر لأننا نمتلك الوعي الذي يتيحُ لنا اختبار الأشياء والتعامل معها. لدينا هنالك بعيداً في تخوم الكون البعيدة مجرّات كثيرة العدد وجميلة بما يفوق التصوّر. لماذا هي جميلة؟ لأنّنا واعون بها. هي صارت جميلة لأننا نمتلك وعياً يخبرنا أنها جميلة. أعيد القول ثانية: الوعي هو ما يخلعُ معنى وغاية على الحياة.

الدراسات الخاصة بالوعي

يُنظرُ في الأوساط الأكاديمية العالمية إلى سوزان بلاكمور Susan Blackmore على أنّها مؤلفة الكتاب المرجعي في دراسة الوعي، وأقصدُ بهذا كتابها الشائع بين دارسي علم النفس والعلوم العصبية والإدراكية وفلسفة العقل والذكاء الاصطناعي، وأشيرُ بهذا إلى كتابها الموسوم «الوعي: مقدّمة Consciousness: An Introduction» الذي صدرت طبعته الرابعة عن دار نشر «راوتليدج Routledge» قبل بضعة شهور. سوزان بلاكمور عالمة نفس وكاتبة حرة ومحاضرة جامعية بريطانية، ألّفت الكثير من المقالات العلمية وأسهمت في تأليف عددٍ من الكتب. تكتب في مجلات وصحف كثيرة، وكثيراً ما تشارك في برامج إذاعية وتلفازية في المملكة المتحدة أو خارجها. قدّمت الكثير من البرامج التلفازية التي نالت شهرة واسعة بما في ذلك برنامجٌ وثائقيٌ حول ذكاء القردة. من بين كتبها الأخرى سيرة ذاتية بعنوان: «بحثاً عن النور» 1996، و«حوارات عن الوعي» 2005.

ما يميّزُ كتاب بلاكمور هو جمعها بين الخبرة الأكاديمية وتقنيات التعامل مع النطاق العام، فهي معروفة باهتمامها بموضوعات التأمّل والامتلاء الروحي والذهني والباراسايكولوجيا، وقد أفردت كتاباً كاملاً للحديث عن تجربة شخصية خاصة بها شهدت فيها ما تُدعى تجربة مغادرة الجسد Out of Body Experience، وقد حكت عن هذه التجربة في سيرتها الذاتية.

الخصيصة الثانية في كتابها هو مشاركة ابنتها لها في تأليف الكتاب، وتلك علاقة نادرة للغاية بين المؤلفين. لن نتغافل بالتأكيد عن النكهة الفلسفية الأنيقة التي طبعت لغة الكتاب (مثل تناول الإرادة الحرّة وعلاقتها بالوعي)، وهذا أمرٌ متوقّعٌ فيمن يكتب عن موضوع الوعي.

ثمّة موضوعان علينا الانتباه إليهما عند دراسة الوعي: هل سنبلغُ يوماً مرحلة الفهم العلمي الكامل للوعي؟ تؤكّد بلاكمور: لا أظنّ ذلك. الفرق بين حيوان حيّ وآخر ميّت ليس محض فرق نوعي يكمنُ في أنّ الحيوان الحيّ (الإنسان على سبيل المثال) يمتلك نوعاً من مصدر للحياة السرية فيه (بكلمة أخرى: الوعي). الحيوانات الحيّة ميكانيزمات فعّالة دينامية دائمة التغيّر؛ في حين أنّ انكساراً أصاب ميكانيزمات الحركة والتغيّر في الحيوانات الميتة.

تكمن صعوبة وتعقيد دراسة الوعي في حتمية اقتران دراسة الشيء مع موضوع الدراسة؛ بمعنى آخر: استخدام الوعي في دراسة الوعي ذاته! يحضرني هنا مثالاً عبارةٌ قالها جون ناش في الفيلم السينمائي الرائع الذي يحكي سيرته الذاتية «عقل جميل». أخبر ناش طبيبه أنّه سيستخدم عقله في علاج اضطرابه الذهاني، فأجابه طبيبه: ولكن كيف تعالجُ نفسك بما هو المتسبّبُ في مرضك؟ لن تستطيع هذا. في السياق ذاته تصف بلاكمور صعوبة دراسة الوعي وتعريفه فتقول:

«يبدو أنه يَلزمنا إما أن نستخدم الوعي لدراسته هو نفسه، وهي فكرة غريبة نوعاً ما، وإما أن نحرِّرَ أنفسَنا من الوعي الذي نودُّ دراستَه. ولا عجب أن الفلاسفة والعلماء قد بذلوا جهوداً مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي، ولا عجب أيضاً أن العلماء رفضوا الفكرةَ برمَّتها لفترات طويلة؛ بل رفضوا أيضاً دراستَها. الانعطافة الإيجابية أنّ «الدراسات الخاصة بالوعي» أخذَتْ في الازدهار بدءاً من القرن الحادي والعشرين. وصل علم النفس وعلم الأحياء وعلم الأعصاب إلى نقطةٍ يمكن عندها مواجَهةُ بعضِ الأسئلة المحيِّرة على غرار: ما الذي يفعله الوعيُ؟ وهل كان لنا أن نتطوَّر من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعي وَهْماً؟ وما الوعي على أي حال؟».

تؤكّدُ بلاكمور منذ البدء أنّ ازدهار الجهد البحثي للوعي في القرن الحادي والعشرين لا يعني أنّ الغموض الذي يكتنفه قد اختفى تماماً؛ فالواقع أنه لا يزال متغلغِلاً في هذا الأمر كما كان دائماً. الفرق الآن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا للاستعداد لمواجَهةِ المشكلة البحثية التالية على نحوٍ مباشِرٍ: كيف يمكن لإطلاق النبضات الكهربائية من ملايين الخلايا العصبية الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟ إذا أردنا إحرازَ أيِّ تقدُّم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعي فعلينا التعامُل مع هذا الأمر بجدية تامة. هناك كثير من الأشخاص الذين يدَّعُون أنهم قد وجدوا حلًّاً للغز الوعي؛ فهم يقترحون نظرياتٍ موحِّدةً عظمى، ونظرياتٍ ميكانيكيةً كموميَّة، ونظرياتٍ روحانيةً حول «قوة الوعي»، وغيرها الكثير؛ لكنّ أغلبهم يتجاهلون الفجوةَ العميقة بين العالمين المادي والعقلي.

بعد مقدّمة وتمهيد ابتدائي لموضوع الكتاب (الوعي) اختارت المؤلفّة جعل كتابها موزّعاً في خمسة أقسام، كلّ قسم منها يضمُّ ثلاثة فصول: تناول القسم الأوّل معضلة الوعي تعريفاً ومناظرةً مع مفاهيم أخرى، ثمّ تناولت الوهم الكبير The Grand Illusion في التعامل مع ظاهرة الوعي. في القسم الثاني تناولت موضوع الدماغ بوصفه الحاضنة الطبيعية (مسرح العمليات بلغة المؤلفة) للوعي، وقد أفاضت في شرح العلاقة الوثقى بين دراسة العلوم العصبية وظاهرة الوعي. خصّصت المؤلفة القسم الثالث لتناول موضوع العقل والفعل، وتناولت في القسم الرابع موضوع التطوّر ومنعكساته المهمّة على ظاهرة الوعي، ثمّ تناولت في القسم الخامس الحدود التخمية Borderlands بين الوعي وظواهر أخرى على شاكلة: أشكال الوعي المعدّلة، الواقع والخيال، والأحلام وما بعدها. أما القسم السادس والأخير فتناولت فيه المؤلّفة موضوع «الذات والآخر»؛ فكانت النكهة الفلسفية بيّنة فيه. ألحقت المؤلفة كتابها بسلسلة مصادر مرجعية ضخمة ومتعدّدة امتدّت على عشرات الصفحات من الكتاب.

كتاب بلاكمور هذا قراءة شيّقة رغم رصانته الأكاديمية ومشقّة موضوعه؛ لكنّ من يرغب في قراءة أقلّ تطلباً للجهد والوقت والتفاصيل الصغيرة فيمكنه الرجوع إلى كتاب المؤلفة ذاتها والصادر عن جامعة أوكسفورد بعنوان «الوعي: مقدّمة قصيرة جداً»، وتوجد له ترجمة عربية متاحة بالمجّان على شبكة التواصل العالمية (الإنترنت).

Consciousness: An Introduction

الوعي: مقدمة

المؤلّفتان: Susan Blackmore & Emily Troscianko

سوزان بلاكمور وأميلي تروسيانكو

سنة النشر: 2024

دار النشر: Routledge ) Taylor & Francis Group )

عدد الصفحات: 766 الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم... أو هو بوّابته إلى العالم