قضاة الجزائر يشكون «الضغوط» والتدخلات في أحكامهم

نقابتهم رفضت تعديل القانون الجنائي باعتباره «يكمم الحريات»

TT

قضاة الجزائر يشكون «الضغوط» والتدخلات في أحكامهم

قالت نقابة القضاة في الجزائر، إن آلاف المنتسبين لها «يتعرضون لضغوط وتعسفات وتدخلات (في أعمالهم) تضر بأداء مهامهم وتمس نزاهة أحكامهم». كما عبرت النقابة عن استياء شديد من عدم إشراكها في صياغة التعديلات التي أدخلتها الحكومة مؤخراً على القانون الجنائي، والتي نصت على تشديد العقوبات ضد «مروجي الأخبار الكاذبة». وتضمن بيان حاد للنقابة دعوة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى «تحييد قوى الشر والاستبداد التي سمحت بتوظيف القضاء بشكل بشع ضد مصلحة الوطن والمواطن»، وأشار البيان إلى «ما حدث مؤخراً من ظلم وتعسف ضد خيرة أبناء هذا الوطن»، من دون توضيح من المقصود، ولكن يفهم من ذلك أن المقصود هي جهات نافذة في الدولة تدخلت في عمل القضاة، بخصوص ملفات كبيرة معروضة عليهم للفصل فيها، وأن بعض القضاة تعرضوا للعقاب، بسبب رفضهم الخضوع لضغوط سياسية.
وانتقدت النقابة، التي يرأسها القاضي يسعد مبروك، استمرار حبس قاضيين منذ أكثر من شهر، وعدت ذلك «انتقاماً من طرف وزير العدل»، بلقاسم زغماتي، بسبب الإضراب الذي نفذته النقابة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي اعتبره الوزير احتجاجاً على حركة نقل وتحويلات لم تعجب الكثير من القضاة. كما اتهم الوزير أحد القاضيين المسجونين بـ«تسريب معلومات خطيرة» تخص مرفق القضاء إلى معارض مقيم في أوروبا، يدعى أمير بوخرص، ويسبب انزعاجاً كبيراً للسلطات، بسبب خوضه في شؤون الجيش والمخابرات وكبار المسؤولين في البلاد. وحسب النقابة، فإن القاضي المعني بريء من تهمة التسريب، وحملت الوزير شخصياً مسؤولية إطالة حبسه الاحتياطي.
من جهة أخرى، يواجه القضاة اتهامات بـ«الخضوع لإملاءات السلطة» فيما يخص سجن عشرات النشطاء والسياسيين والصحافيين؛ أشهرهم كريم طابو وخالد درارني وسمير بلعربي وسليمان حميطوش. وكان القضاة في طليعة الحراك الشعبي عند اندلاعه في 22 فبراير (شباط) 2019، لكنهم اختفوا من المظاهرات بعد أن أعلن قائد الجيش السابق، أحمد قايد صالح، الذي توفي نهاية العام الماضي، رفضه «مطلب التغيير الشامل» الذي دعا إليه المحتجون. وكانت نقابة القضاة قد طالبت بعدم إعادة وزير العدل إلى الحكومة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي، غير أن الرئيس عبد المجيد تبون احتفظ به خلافاً لتوقعات المراقبين. كما طالبت النقابة بإبعاد رئيس الجمهورية من رئاسة «المجلس الأعلى للقضاء» (الجهة المسؤولة عن المسار المهني للقضاة)، وإبعاد وزير العدل عن هذه الهيئة كنائب للرئيس، وذلك بحجة تحقيق استقلال القضاء. ووفقاً لتعهدات تبون، فإن ذلك من المفترض أن يتم في الدستور الذي سيعدل قبل نهاية العام الحالي.
وأثار بيان النقابة قضية أصبحت جدلية منذ أيام، تتعلق بمراجعة القانون الجنائي بإضافة مواد تنص على السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات ضد من تثبت بحقه تهمة «نشر أخبار كاذبة». وجاء تعديل القانون في سياق تساؤلات حول «مدى صحة الأرقام التي تقدمها الحكومة بشأن الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا».
وتم وضع ثلاثة صحافيين في الرقابة القضائية بسبب هذا الموضوع. وأكدت النقابة أنها «تتعجب» لإبعادها، من طرف الوزير، عن إعداد مشروع تعديل القانون، قائلة إن «صياغته ركيكة» وأن «بعض مواده مطاطة»، في إشارة إلى عدم تحديد بدقة ما هي الأخبار الكاذبة التي تستدعي السجن. وعدت القانون «تعدياً فاضحاً على مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقتضي ضرورة تحديد الأفعال المجرمة بصفة دقيقة، صوناً للحريات والحقوق الأساسية للأفراد». كانت أحزاب ومحامون ونشطاء الحراك، قد احتجوا أيضاً على القانون نفسه الذي اعتبره «تكميماً للحريات»، بعد اعتماده في البرلمان، وانتقدوا «تسرع الحكومة، واستغلالها جائحة كورونا لتمرير مشاريع تمس بالحريات».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.