«قُمْرة»... شخصيات مقهورة في واقع مشوّه

ترجمة مصرية لرواية تركية

«قُمْرة»... شخصيات مقهورة في واقع مشوّه
TT

«قُمْرة»... شخصيات مقهورة في واقع مشوّه

«قُمْرة»... شخصيات مقهورة في واقع مشوّه

تحت وطأة الأحلام والكوابيس والغرائب في واقع مشوه، يتحرك بطل رواية «قمرة» للروائي التركي خاقان بيجاقجي التي صدرت حديثاً في القاهرة، عن دار الكتب خان، وقدمت نسختها العربية المترجمة بسمة ناجي.
وتكشف الأحداث التي تتواتر عبر مقاطع قصيرة، ذات عناوين دالة تقود حركة السرد، عن شخصيات مأزومة، غير متحققة، ضاعت طموحاتها، أو سُرقت منها في خضم سعيها لتحقيقها، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تضيع تلك الشخصيات نفسها، وتدخل في أزمات نفسية واجتماعية لا تخرج منها إلا بعد اعتصامها بذواتها وتمسكها بها والثقة في إمكاناتها.
تدور أحداث الرواية حول مصور شاب، يطمح في أن يصبح فناناً مشهوراً، تقام لصوره المعارض، وتنشر أخباره ولقطاته الصحف العالمية، لكن طموحاته تقوده إلى العمل في قاعة أفراح موزعاً للصور على السكارى والضيوف، صور لم يلتقطها هو ولا يعرف عنها شيئاً، سوى أن قريباً له يدعى «تايفن»، يقوم بالتقاطها، ويشكل مع شخصين آخرين أحدهما يقوم بالطباعة، دائرة يكملها بطل الرواية، ليكون «رأس الحربة» حسب ما وصفه «عثمان» الشريك الثالث في الاستديو الذي يحتل غرفة بائسة في أحد أدوار فندق يتضمن قاعتي أفراح. ومع «تايفن» يبدأ البطل رحلته مع الآلام وحلمه الذي يكاد يتسرب من بين يديه مع مرور الأيام والسنين في حفلات الزفاف، وبصحبة أشخاص يقفون عند أقدام الناس ليلتقطوا لهم صوراً بأوضاع مختلفة.
يستمر بطل الرواية في هذا العمل لعام ونصف العام تقريباً، اشترى خلالها صاحب العمل كاميرا إضافية وجعله يقوم بالمساعدة في عمليات التصوير. وفي هذه الأثناء يلتقي شبيهه في خيبة الأمل زميله «ياسين» الذي كان حلم حياته أن يصير مخرجاً سينمائياً، لكن حظه ينتهي به ليعمل ضمن مجموعة من السقاة، ويكتشف البطل من قصته أن ما حدث معه شيء هين إذا ما قورن بقصة ياسين الذي ساقه حلمه السينمائي لحمل كيس تبصق فيه بطلة إحدى الإعلانات ما تقضمه من قطع الشيكولاتة.
في الرواية التي تتكون من اثنين وأربعين مقطعاُ تحمل عناوين جانبية، يظهر السرد في صورة متوالية قصصية، معتمداً فيها الكاتب تقنية الراوي العليم.
وتتجاور الوقائع متقاطعة ومتوازية خلال تطور السرد بين اشتراك البطل في معرض للصور الجماعية، وزواج حبيبته، واكتشافه من خلال جاره في السكن أن الإصابات التي تظهر بين آن وآخر في ظهره ورقبته ويده وساقيه ما هي إلا نتيجة لحالة غضب ذاتية.
وخلال تحولات السرد يضع المؤلف أمام القارئ عدداً من الوقائع والمواقف المتماثلة والشخصيات المتشابهة التي يصور تفاعلاتها، تقبلها لما يحيط بها أو انغماسها من دون إرادة منها فيه. ويربط الكاتب بطريقة غير مباشرة بين كل نمط من الشخصيات التي تتحرك في فضاء الرواية وبين ردود أفعالها تجاه ما يجري حولها، كما يشير بلقطات سريعة دالة إلى الكثير من الغرائب التي يرى أنها ترتبط بالمجتمع الذي يعيش فيه، وقدرة أفراده على تقبله.
ونتيجة لضغط الواقع، وكوابيسه وأحلامه عليه، وفي محاولة وهمية للتعايل عليه، يخضع لوحاته لتقنية الفوتوشوب لتغيير تفاصيلها أو إزالة بعض منها:
«تراجعت كل الصور التي حمضتها في عقلي واحدة تلو الأخرى، اللحظة التي نزلت فيها من الحافلة، الشارع المظلم الذي اصطفت على جانبيه الحوانيت المغلقة، الصور الفوتوغرافية في نافذة العرض، الزوجان، الطفل، المرأة المفقودة في الملصق، المطعم، الحروف الفسفورية المضيئة على واجهته الزجاجية، والنادل، والطاولة الرخامية، وحساء العدس، والفراش على الأرض، والإفطار، والمصور، والأظافر الحمراء».
ولد خاقان بيـﭽـاقـﭽـي في إسطنبول عام 1978، وأتم دراسته الابتدائية والثانوية فيها. التحق بجامعة بيلكنت في أنقرة لدراسة الاقتصاد، وحصل على درجته الجامعية في عام 2001، ثم عاد إلى إسطنبول، مقرراً العمل بالكتابة الإبداعية. صدرت روايته الأولى «خوفٌ رومانسي» في عام 2002، لتنطلق مسيرته الأدبية. وينشر بانتظام قصصاً ومراجعات نقدية في الأدب والسينما والثقافة الشعبية في كثير من المجلات والكتب الجماعية. صدرت روايته «قمرة» عام 2010، وقوبلت باحتفاء نقدي وجماهيري واسع، كما تُرجمت إلى الإيطالية. ومن أعماله: «مفكرة الأحلام» رواية 2002، «وقت إضافي» رواية 2003، «كوة الحائط» رواية 2008، «تاريخ طبيعي لامرأة» رواية 2014، «فندق بارانويا» قصص 2017.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».