انتقادات لمجموعات «الإسلام السياسي» في تونس

توسّعت لتشمل أطرافاً داخل الحكومة والبرلمان

TT

انتقادات لمجموعات «الإسلام السياسي» في تونس

صعّدت شخصيات سياسية ونقابية انتقاداتها لزعماء حزب النهضة الإسلامية، ومن تعتبرهم «زعماء الإسلام السياسي» في تونس، وتتهمهم بدعم أطراف «متشددة ومتورطة في الإرهاب في ليبيا، وفي المنطقة، ومع حكومة تركيا» برئاسة رجب طيب إردوغان.
وبعد أن كان مصدر هذه الانتقادات في السابق شخصيات وأحزاب من خارج الائتلاف الحاكم، بينها الوزير السابق المحامي مبروك كورشيد، والأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق، بدأت تنضم إليها شخصيات وأحزاب تشارك في الائتلاف الحاكم نفسه، بينها «حزب الشعب» بقيادة زهير المغزاوي، وحزب التيار بزعامة الوزير محمد عبو.
كما التحق بهؤلاء المنتقدين وزير حقوق الإنسان الزعيم اليساري السابق العياشي الهمامي، الذي كان يعتبر حليفا للنهضة، قبل تغيير يناير (كانون الثاني) 2011. وفي المحطات الانتخابية السابقة.
في سياق ذلك، صعّد حزب عبير موسي، زعيمة «الحزب الدستوري الحر»، الموالي للرئيسين السابقين بن علي وبورقيبة، من جديد لهجته ضد قيادة «النهضة»، بسبب علاقات الغنوشي، رئيس الحركة، مع رئيس تركيا وعقده جلسة عمل على انفراد مع رجب الطيب إردوغان، بحثت ملف التدخل التركي في ليبيا لفائدة حكومة الوفاق، بزعامة فايز السراج.
وفي المقابل، وجهت صحف ومواقع قريبة من «النهضة» حملة انتقادات إلى بعض وزراء إلياس الفخفاخ اليساريين، وخاصة إلى محمد عبو، الذي أسندت إليه مؤخرا صلاحيات واسعة، تضاهي صلاحيات نائب رئيس حكومة. وشارك في هذه الانتقادات كتاب وبرلمانيون، كانوا حتى وقت قريب مقربين من الفخفاخ، بينهم أستاذ الفلسفة العجمي الوريمي رئيس الدائرة الثقافية في «النهضة».
ويرى مراقبون للوضع السياسي في تونس أن هذه التباينات بين «النهضة» وخصومها تعكس غموضا في مستقبل الحزب، وعلاقته ببقية الأطراف المشاركة في الحكم وفي المعارضة، في مرحلة توشك فيها الأوضاع الاقتصادية أن تتدهور أكثر، وتتسبب في انفجارات اجتماعية، خاصة في ظل استمرار الخلافات العلنية بين الأحزاب، التي تسببت في تراكم مشاريع القوانين والاتفاقيات المعطلة في أروقة البرلمان، وفي شبه تعطيل لعمل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، رغم مرور أكثر من ستة أشهر عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
في هذا السياق، اعتبرت الجامعية سلوى الشرفي، عميدة جامعة الصحافة سابقا، أن «الطبقة السياسية التونسية أصبحت منذ زيارة الغنوشي إلى تركيا قبل شهرين أمام حرب باردة، وصراعات فجرت تناقضات بين المعارضة والأغلبية البرلمانية من جهة، و«النهضة» والائتلاف الحاكم من جهة ثانية».
وبخصوص الاتهامات الموجهة لقيادة «النهضة» بالتحالف مع «جماعة الإخوان في مصر» ومع النظام التركي، أكد الغنوشي أن حركته «تونسية مائة في المائة»، ولديها خصوصياتها منذ عشرات السنين، ولا تعتبر نفسها من الجماعات المحسوبة على «الإخوان» أو «الإسلام السياسي»، بل هي حزب تونسي مدني كان نوابه يمثلون الكتلة البرلمانية الأكبر، التي ساهمت في صياغة الدستور المدني الديمقراطي للبلاد، الذي وقعت المصادقة عليه بما يشبه الإجماع في يناير 2014.
لكن تصريحات الغنوشي والمقربين منه، التي تدعو إلى «مصالحة وطنية واسعة»، تشمل غالبية المسؤولين في الدولة في مرحلة ما قبل تغيير 2011، اصطدمت مؤخرا بمواقف مثيرة للجدل، صدرت عن قياديين عن كتلة «ائتلاف الكرامة» في البرلمان، التي تعتبر أهم حليف لحركة النهضة، رغم عدم مشاركتها في الحكومة.، حيث وجه زعيمها سيف الدين مخلوف انتقادات لاذعة للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ومشروعه السياسي والثقافي، مما تسبب في إعادة خلط الأوراق، وبروز مؤشرات مشهد تحالفات سياسية جديدة قد يستفيد منها حزب عبير موسى وحلفاؤه.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.