ألمانيا تشهد أول محاكمة في انتهاكات منسوبة إلى النظام السوري

المشتبه به إياد الغريب يغطي وجهه بقناع خلال الجلسة (رويترز)
المشتبه به إياد الغريب يغطي وجهه بقناع خلال الجلسة (رويترز)
TT
20

ألمانيا تشهد أول محاكمة في انتهاكات منسوبة إلى النظام السوري

المشتبه به إياد الغريب يغطي وجهه بقناع خلال الجلسة (رويترز)
المشتبه به إياد الغريب يغطي وجهه بقناع خلال الجلسة (رويترز)

بدأت، اليوم (الخميس)، في ألمانيا أول محاكمة في العالم لانتهاكات منسوبة إلى النظام السوري مع مثول رجلين يعتقد أنهما عنصران سابقان في المخابرات السورية؛ أمام محكمة في كوبلنس.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية؛ حضر المشتبه به الرئيسي أنور رسلان (57 عاماً) بصفته عقيداً سابقاً في جهاز أمن الدولة، وهو ملاحق بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية. وينسب إليه القضاء الألماني المسؤولية عن مقتل 58 شخصاً وتعذيب ما لا يقل عن 4 آلاف آخرين، من أبريل (نيسان) 2011 إلى سبتمبر (أيلول) 2012، في فرع «الخطيب» الأمني الذي كان يديره في دمشق.
كما مَثُل أمام محكمة كوبلنس إياد الغريب (43 عاماً) الذي غطى وجهه بقناع، وهو متهم بالتواطؤ في جريمة ضد الإنسانية لمشاركته في توقيف متظاهرين اقتيدوا إلى هذا السجن بين 1 سبتمبر و31 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
وأكد المدعي جاسبر كلينغ أن العسكري السابق الذي وصل إلى ألمانيا على أنه طالب لجوء في 26 سبتمبر 2014 «كان يعلم حجم أعمال التعذيب» التي كانت ترتكب في مركز الاعتقال الذي كان يشرف عليه، مشدداً على «الدور المحوري» لأجهزة الاستخبارات في القمع الدموي للثورة الشعبية التي انطلقت في مارس (آذار) 2011.
وبحسب الاتهام، «ارتكبت جرائم قتل بحق معتقلين في هذا السجن الواقع شمال شارع (بغداد) في دمشق تحت إشرافه ومسؤوليته لانتزاع اعترافات ومعلومات عن المعارضة» في سوريا.
ووصف المدعي شروط الاعتقال في السجن بأنها «غير إنسانية»، وقال إن الزنزانات التي «مساحتها 50 متراً مكعباً كان يتكدس فيها 140 معتقلاً وسط درجات حرارة مرتفعة جداً»، ولم يكن في إمكانهم الجلوس أو الاستلقاء. وأمام 6 من الضحايا أشار المدعي إلى الصعق الكهربائي الذي تعرض له المعتقلون، خصوصاً من بينهم امرأة أوقفت في دمشق في 2011، وخلال استجوابها تعرضت أيضاً للاغتصاب.
وفرّ الرجلان من سوريا ووصلا إلى ألمانيا حيث طلبا اللجوء مثل مئات آلاف السوريين منذ 9 سنوات، وهما موقوفان قيد الحبس الاحترازي منذ اعتقالهما في 12 فبراير (شباط) 2019.
ويقول أنور رسلان إنه انشق أواخر 2012، وتفيد وسائل إعلام عدة بأنه انضم إلى صفوف المعارضة في المنفى قبل أن يصل إلى ألمانيا في 26 يوليو (تموز) 2014. وهو يواجه عقوبة السجن المؤبد.
وقال فولفغانغ كاليك، الأمين العام لـ«المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان»؛ المنظمة غير الحكومية الألمانية، لوكالة الصحافة الفرنسية إن المحاكمة المحاطة بتدابير أمنية مشددة وستستمر حتى منتصف أغسطس (آب) المقبل على أقرب تقدير أمام محكمة كوبلنس، تشكل «خطوة مهمة وبداية النظر في جرائم (النظام السوري) أمام محكمة عليا ألمانية».
وقدم كاليك الدعم لـ16 من الضحايا السابقين، وبعضهم أطراف مدنيون في الدعوى. وبين المدعين المحامي السوري والناشط البارز في مجال حقوق الإنسان في وطنه أنور البني المقيم في ألمانيا لاجئاً منذ 5 سنوات ونصف السنة.
واعتبر البني أن المحاكمة تشكّل «رسالة مهمة» إلى المسؤولين السوريين ومن نفذوا الانتهاكات، مفادها «أنك لن تفلت من العقاب، لذا فكِّر بالأمر».
وتجري المحاكمة في ألمانيا عملاً بمبدأ «الولاية القضائية العالمية» الذي يسمح لدولة ما بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان وقوع جريمتهم. وتقول منظمات غير حكومية إنها الوسيلة الوحيدة لمقاضاة مسؤولين؛ لأن رفع أي قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية مستحيل بسبب استخدام روسيا والصين حق النقض (فيتو).
وأعلنت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن المحاكمة ستكون «بمثابة إنذار شديد اللهجة للذين يرتكبون حالياً تجاوزات في سوريا: لا أحد فوق القانون»، وهي ترى أنها «محطة أساسية في مكافحة الإفلات من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان بالغة الخطورة المرتكَبة في سوريا».
ومن المتوقع أن تُعرض خلال المحاكمة صور من بين آلاف التقطها مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو «قيصر»، تمكن من الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملاً معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثاً تحمل آثار تعذيب، كما سيتعاقب شهود وضحايا سوريون على الإدلاء بإفاداتهم.
ولفت كاليك إلى أن المتهم الرئيسي «ليس حارس سجن بسيطاً؛ بل هو شخص تولى، بحسب النيابة العامة، مهماتٍ إدارية» في مؤسسات الدولة السورية.
غير أن الرئيس السوري بشار الأسد نفى رداً على سؤال حول محاكمة أنور رسلان، حدوث أي أعمال تعذيب، وذلك في مقابلة أجرتها معه شبكة «آر تي» الروسية القريبة من الكرملين في 2019. لكن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» يؤكد وفاة ما لا يقل عن 60 ألف شخص تحت التعذيب أو نتيجة ظروف الاعتقال المروّعة في سجون النظام السوري.
وقال السوري حسين غرير، المعتقل السابق في سجن «الخطيب»: «إنها المرة الأولى التي أرى فيها محاكمة عادلة. نودّ كشف الحقيقة عن أعمال التعذيب في سوريا المستمرة إلى هذا اليوم». وأضاف وسيم مقداد، وهو معتقل سابق آخر: «هذه المحاكمة مهمة أيضاً للأشخاص الذين لا يزالون معتقلين ومن تُوُفُّوا لاستعادة كرامتهم».



فلسطين تطالب بخطة عربية لتنفيذ فتوى «العدل الدولية» بإنهاء الاحتلال

القادة العرب المشاركون في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي (الرئاسة المصرية)
القادة العرب المشاركون في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي (الرئاسة المصرية)
TT
20

فلسطين تطالب بخطة عربية لتنفيذ فتوى «العدل الدولية» بإنهاء الاحتلال

القادة العرب المشاركون في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي (الرئاسة المصرية)
القادة العرب المشاركون في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي (الرئاسة المصرية)

قبل شهر من انعقاد القمة العربية في بغداد، تواصل جامعة الدول العربية تحضيراتها، بالتعاون مع العراق، لوضع جدول أعمال القمة. في حين طالب مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية، السفير مهند العكلوك، بتركيز القمة على تطورات القضية الفلسطينية، داعياً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «تبني خطة عربية معنية بتنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية»، والخاصة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وتستضيف العاصمة العراقية بغداد اجتماع الدورة العادية رقم 34 لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، في 17 مايو (أيار) المقبل. ووفق وزارة الخارجية العراقية، فإن أجندة القمة ستتناول أبرز القضايا العربية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وضمن تحضيرات قمة بغداد، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال ملتقى السليمانية الدولي، الأربعاء، إن «القمة المقبلة حدث مهم... سيكون لنا دور مهم في معالجة قضايا الأمن والاقتصاد». كما أعلن العراق انتهاء الاستعدادات الأمنية للقمة، وتهيئة جميع الظروف الملائمة لضمان نجاحها.

وتحدث مصدر دبلوماسي بالجامعة العربية عن تواصل التحضيرات الخاصة للقمة العربية في بغداد، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «انعقاد اجتماع وزاري عربي، الأسبوع المقبل، بمقر الجامعة بالقاهرة، لإعداد أجندة القمة».

وستكون تطورات القضية الفلسطينية على أولوية أجندة «قمة بغداد»، وفق المصدر الذي أوضح أن «التركيز سيكون على مستجدات الوضع في قطاع غزة، بهدف وقف دائم لإطلاق النار وتقديم المساعدات للفلسطينيين، والعمل على تنفيذ الخطة العربية الخاصة بإعادة إعمار القطاع».

في حين كشف مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية عن اتصالات بين السلطة الفلسطينية والحكومة العراقية، بهدف تركيز قمة بغداد على تطورات القضية الفلسطينية، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «السلطة دعت الجانب العراقي إلى أن تكون القمة المقبلة (قمة فلسطينية) من حيث المضمون والمناقشات».

وتعوّل السلطة الفلسطينية على اتخاذ قمة بغداد قرارات وإجراءات تعمل على وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفق العكلوك، الذي أشار إلى «ضرورة أن تشمل قرارات القمة إجراءات قابلة للتنفيذ على الصعيد السياسي والقانوني، لوقف جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين».

وقال العكلوك إن «الاجتماع الوزاري التحضيري سيناقش الجهود العربية مع الشركاء الدوليين، لوقف إطلاق النار على قطاع غزة، وكسر الحصار الإسرائيلي على القطاع، إلى جانب سبل تنفيذ الخطة العربية لإعادة الإعمار في القطاع، والجهود الدولية لمشروع (حل الدولتين)».

واعتمدت القمة العربية الطارئة التي استضافتها القاهرة في الرابع من مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة، تستهدف العمل على التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة دون تهجير للفلسطينيين، وفق مراحل محددة، في فترة زمنية 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار».

وأوضح مندوب فلسطين أن من بين ملفات جدول أعمال القمة المقبلة، «سبل تنفيذ الرأي الاستشاري (الفتوى) الصادر العام الماضي عن محكمة العدل الدولية، بخصوص إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية»، وقال: «السلطة الفلسطينية تدعو إلى اعتماد خطة عربية لتنفيذ الرأي القانوني لمحكمة العدل، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف إعلان دولة فلسطينية مستقلة، خصوصاً مع وجود نحو 149 دولة أجنبية تعترف بدولة فلسطين».

وكانت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، أصدرت في يوليو (تموز) الماضي فتوى تؤكد أن «الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية غير قانوني، ويجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن».

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، أن «هناك ملفات وقضايا عربية لا تقل أهمية عن الوضع في فلسطين، في مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية واللبنانية الأخيرة»، مشيراً إلى أن «من المهم أن تناقش قمة بغداد الوضع في باقي الملفات العربية، كالمستجدات في ليبيا والسودان، خصوصاً بعد عقد (قمة فلسطين) الطارئة بالقاهرة الشهر الماضي».

ويعتقد الرقب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «التحدي الأساسي يكمن في تعنت الجانب الإسرائيلي، ورفضه تنفيذ المطالب العربية والإسلامية المدعومة دولياً»، مشيراً إلى «أهمية خروج القمة المقبلة بإجراءات وأدوات للضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف مخططاته بالمنطقة»، إلى جانب «تكثيف الحشد الدولي لإنفاذ المساعدات الإنسانية، وإنقاذ الوضع الإنساني في غزة».