السودانيون يحتفلون بذكرى اقتلاع البشير... و«كورونا» تمنعهم التظاهر

في ذكرى خلع نظام «الإخوان» الأولى

TT

السودانيون يحتفلون بذكرى اقتلاع البشير... و«كورونا» تمنعهم التظاهر

شروق شمس اليوم، 11 أبريل (نيسان)، أكمل السودانيون عاماً بالتمام والكمال على نغمات «الموسيقى العسكرية»، التي دقت في الصباح الباكر معلنة نهاية حكم «الإخوان» للسودان، وبداية مرحلة جديدة من تاريخ البلاد، وتحقيق شعارات الثورة السودانية، التي هتف بها الثوار طوال أربعة أشهر «حرية سلام وعدالة»، وقدموا مئات الشهداء والجرحى من أجلها.
غير أن جائحة «كورونا» حالت بين السودانيين والاحتفال بثورتهم كما ينبغي. فقد كان من المتوقع أن يخرج الملايين مجددا في ذكرى النصر الشعبي، لكن السلطات الصحية حرمتهم من هذا الاحتفال، بالقرارات التي اتخذتها للحد من انتشار الجائحة.
في ديسمبر (كانون الأول) 2018 انطلقت شرارة الثورة، حيث خرج السودانيون في مواكب عفوية، شملت البلاد بأكملها للمطالبة بتنحي الرئيس البشير وحكومته، قبل أن يتبنى تنظيمها وقياداته «تجمع المهنيين السودانيين» وقوى «إعلان الحرية والتغيير»، وينقلانها من العفوية للتخطيط.
وأطلق المحتجون السودانيون مواكب هادرة وجسورة، تحدت قوات الأمن، بإعلان زمان ومكان انطلاقها وتوجهها، وأصبحت «الساعة الواحدة ظهرا» توقيتا للثورة والميادين المعلنة مكاناً لها، وضجت شعارات وهتافات «تسقط تسقط بس، وأي كوز ندوسو دوس»، و«حرية سلام وعدالة... الثورة خيار الشعب» مضاجع النظام وإسلامييه طول أربعة أشهر، ولم تهدأ طوال فترة الاحتجاجات.
وواجهت أجهزة الأمن والقمع، التابعة للنظام، المحتجين بعنف مفرط، واستخدمت ضدهم الرصاص والرصاص المطاطي، والعصي والغاز المسيل للدموع والاعتقالات، ما أدى إلى مقتل العشرات برصاص الأمن والميليشيات، وجرح العديد واعتقال المئات. لكن العنف أحال أوار الثورة ناراً، وتواصلت المواكب، التي توجها المحتجون بالاعتصام الشهير والباسل أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في السادس من أبريل، وشارك فيها الملايين، ما اضطر القيادة الأمنية للنظام بقيادة نائبه، عوض بن عوف، إلى إعلان تنحية البشير وتكوين مجلس عسكري انتقالي، وإعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة، بعد خمسة أيام من الاعتصام، ليدون يوم 11 أبريل في ذاكرة الشعب بأنه «يوم انتصار».
ولم ترهب المحتجين حالة حظر التجول، التي أعلنها بن عوف، وظلوا يهتفون «تسقط... تسقط تاني، وبن عوف جابو الكيزان» وغيرها من الشعارات، ولم تصمد حكومة بن عوف ليوم واحد، ودونت في تاريخ البلاد أسرع حكومة تتم تنحيتها، ليحل الفريق عبد الفتاح البرهان في رئاسة المجلس العسكري الانتقالي.
وخاض الثوار معارك شرسة ضد بقايا النظام المعزول، وقاموا بمحاولات مستميتة لإعادة السيطرة على مقاليد الحكم، وواصلوا اعتصامهم بعد تكوين المجلس العسكري الانتقالي، واستمروا في المطالبة بحكومة مدنية. لكن المجلس العسكري الانتقالي فجع السودانيين في 3 يونيو (حزيران) 2019. ونفذ مأساة فض الاعتصام، التي شهدت فظائع لا توصف، حيث قتل فيه أكثر من مائة معتصم سلمي، وجرح واختفى العشرات، وحينها أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقف التفاوض مع «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير».
ولم ترهب فظائع فض الاعتصام الشعب، الذي خرج عن بكرة أبيه في الثلاثين من يونيو في مدن البلاد، لرفض الحكم العسكري، والمطالبة بحكم مدني والثأر لدماء الشهداء، فاضطر العسكريون للعودة إلى مائدة التفاوض مجدداً، ولعبت الوساطة الإثيوبية والأفريقية، التي قادها رئيس الوزراء آبي أحمد دوراً محورياً في الوصول إلى اتفاق، قضى بمشاركة العسكريين والمدنيين في حكومة انتقالية تحكم لثلاث سنوات، ووقعوا وثيقة دستورية تحكم البلاد خلال فترة الانتقال.
وفي أغسطس (آب) 2019 تم تكوين الحكومة المدنية، برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتم تكوين مجلس سيادة مشترك بين العسكريين والمدنيين، يتولى مهام السيادة. لكن الحكومة الانتقالية واجهت صعوبات عديدة، إذ ورثت اقتصادا منهارا، وبني تحتية متلاشية، ودولة عميقة تعيق عملها بكل ما تملك، فتفاقمت الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. لكن الشعب والثوار ما زالوا يتمسكون بشعارات الثورة، وبالحكومة الانتقالية التي أتت بها الثورة.
وقال عضو المجلس السيادي محمد الفكي سليمان، إن الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية حددت العديد من الأهداف للفترة الانتقالية، وهي أهداف الثورة، وعلى رأسها ملف «تحقيق السلام»، الذي يعد أهم الأهداف، وحددت له ستة أشهر، وملف الاقتصاد، وملف تصفية وتفكيك نظام الإنقاذ، وهي ملفات مترابطة ببعضها.
ويعترف الفكي في تصريحات بعدم تحقيق «تقدم كبير» في ملف الاقتصاد، وبأن الناس ما يزالون يعيشون أوضاعا اقتصادية قاسية، بقوله: «المطلوب من حكومة الثورة تحسين الوضع الاقتصادي، لكونه واحدا من الأهداف التي قامت بسببها الثورة».
ويربط الفكي بين ملف الاقتصاد وملف إزالة التمكين وملف السلام، بقوله: «كل موارد البلاد تحت مجموعة سياسية محددة ومحدودة، وبالتالي فإن إزالة التمكين الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية يعد واحداً من مطالب الثورة، ويتمثل في تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن، واسترداد مقدرات الأمة».
ووجهت لجنة التفكيك، التي يترأسها الفكي بالإنابة أول من أمس، ضربة موجعة لمراكز النظام باسترداد قرابة 150 قطعة أرض مملوكة لرموز النظام المعزول وقادته، منها 99 مملوكة للقائد الأمني والتنظيمي للإسلاميين وزير الخارجية الأسبق علي كرتي، إضافة إلى ضرب المعقل الإخواني الأشهر «منظمة الدعوة الإسلامية» بإلغاء تسجيلها، واسترداد ممتلكاتها التي تعد مصدر تمويل كبير لـ«الإخوان». وقال بخصوص مواجهة الحملة التي يشنونها ضد القرار: «لقد بدأ صوتهم يتعالى لأنهم لا يريدون إعادة الأموال التي حاذوها من أموال الشعب دون حق».
وتوقع الفكي أن تؤدي عمليات استرداد أموال الشعب من «الإسلاميين»، وتفكيك الشركات «السرطانية» المتورمة التابعة لهم إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بيد أنه عاد ليقول: إن «الآمال أكبر مما تم إنجازه، ونعمل على الإيفاء بوعودنا للشعب، وإلاّ فسنوضع أمام محكمة التاريخ».
من جهته، قال القيادي البارز بقوى «إعلان الحرية والتغيير»، ساطع أحمد الحاج، إن قوى الشعب السوداني، بكل مكوناتها السياسية والشعبية، حققت في 11 أبريل 2019 انتصاراً جريئاً في مواجهة نظام استبدادي، بإرادة وتصميم الشعب.
ويؤكد الحاج أن انتصار الشعب في حراكه ضد النظام المعزول، «كان خالصاً ونتيجة حتمية لرغبة الجماهير، وإصرارها الباسل لإسقاط حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وبطانته الإسلامية، ولم تلعب أي قوة دورا فيه»، مبرزا أن اللجنة الأمنية بقيادة وزير الدفاع عوض بن عوف، التي أعلنت إطاحة البشير، لم تلعب أي شيء في نجاح الثورة الشعبية، بل حاولت القفز على الإرادة الجماهيرية، وتسلقها للعب دور جديد.
ووفقا للحاج، فإن حراك الشعب، الذي امتد أشهراً، أكد أن الشعب لم يعد يقبل استمرار النظام الديكتاتوري في الحكم، واستطاع تحقيق إرادته وقام بعزله، وتابع موضحا: «بعد عام من سقوط نظام الجبهة الإسلامية، ما زالت بعض الصعوبات تكتنف مسيرة التغيير والثورة»، بيد أنه أكد تجاوز عقبات وصعوبات الطريق لتحقيق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة.
الفكي والحاج وخلفهم ملايين السودانيين، ينتظرون تحقيق شعارات الثورة في «الحرية والسلام والعدالة» رغم العثرات، لكن الجميع يضعون أياديهم على قلوبهم خوفا، وحرصاً على ثورتهم وحريتهم من «قوى الردة»، رغم ثقتهم بأن عودة «الإسلاميين» للحكم تعد في حكم «الغول والعنقاء والخل الوفي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».