لماذا يبدو الأطفال أقلّ تأثراً بـ«كورونا»؟

طفل يخضع لفحص درجة حرارة الجسم ضمن الحملات الرامية لوقف انتشار فيروس «كورونا» في كولومبيا (إ.ب.أ)
طفل يخضع لفحص درجة حرارة الجسم ضمن الحملات الرامية لوقف انتشار فيروس «كورونا» في كولومبيا (إ.ب.أ)
TT

لماذا يبدو الأطفال أقلّ تأثراً بـ«كورونا»؟

طفل يخضع لفحص درجة حرارة الجسم ضمن الحملات الرامية لوقف انتشار فيروس «كورونا» في كولومبيا (إ.ب.أ)
طفل يخضع لفحص درجة حرارة الجسم ضمن الحملات الرامية لوقف انتشار فيروس «كورونا» في كولومبيا (إ.ب.أ)

منذ بدء التفشي الواسع لفيروس «كورونا» المستجدّ، أكد العلماء وخبراء الصحة أن الأطفال هم أقل الفئات تأثراً بتبعات المرض. وقد أكدت «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» هذا الأمر قبل يومين؛ حيث أشارت، بالمقارنة مع البالغين، إلى أن الأطفال المصابين بالفيروس لا تظهر عليهم الأعراض في الأغلب وأنهم أكثر عرضة للإصابة بوعكة خفيفة.
وبحسب مجلة الـ«تايم» الأميركية، فإن هذا الأمر غير معتاد بالنسبة لأمراض الجهاز التنفسي، حيث إن الفيروسات مثل الإنفلونزا غالباً ما تصيب الأطفال والمسنين بقوة، نظراً لأنظمتهم المناعية الأكثر ضعفاً.
وكانت «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» قد أكدت، أول من أمس (الاثنين)، في أول تحليل معمّق تجريه الحكومة الأميركية لدراسة تأثير فيروس «كورونا» على المرضى الأصغر سناً، أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً أقل عرضة للإصابة بالأعراض النموذجية للعدوى، بما في ذلك الحمى والسعال والصعوبة في التنفس، كما تقلّ احتمالية حاجتهم للعلاج في المستشفى، وتقل نسب الوفاة بينهم بشكل كبير.
وكتب الباحثون في التقرير الأسبوعي للمرضى والوفيات الصادر عن «المراكز»، أنه رغم أن الأطفال الأقل من 18 عاماً يشكّلون ما يصل إلى 22 في المائة من تعداد الأميركيين، فإن هذه الفئة لا تمثل سوى 1.7 في المائة فقط من بين حالات مرضى «كورونا» الذين تتوفر بيانات عن أعمارهم.
إلا إن التحليل أشار أيضاً إلى أن ما يصل إلى 20 في المائة من الأطفال الأميركيين المصابين بالفيروس المستجدّ يحتاجون إلى رعاية طبية بالمستشفى، وأن هذه الفئة تشمل على الأرجح الرضّع الذين لم يبلغوا عامهم الأول.
وتؤكد كريستين موفيت، أستاذة طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد واختصاصية أمراض الأطفال المُعدية في «مستشفى بوسطن للأطفال»، أنه ما زال من المبكر للأطباء فهم الفيروس بشكل دقيق لاستخلاص أي استنتاجات حول كيفية تمكن الأطفال الصغار من تجنب العدوى.
وأضافت موفيت: «لكن، رغم ذلك، قد أطلق عدد من الباحثين نظريات مختلفة في هذا الشأن. إحدى هذه النظريات تقول إنه، لسبب ما، لا يطور الأطفال ما يعرف باسم (عاصفة السيتوكين) التي يطورها كبار السن بشكل مفرط في حال الإصابة بالعدوى».
والسيتوكين مادة تفزرها خلايا الجهاز المناعي طبيعياً لتنظيم النشاط المناعي والتفاعل مع الالتهابات، وهي رد دفاعي طبيعي عندما يتعرض الجسم لأي عدو، لكن في حالة «عاصفة السيتوكين»، يكون نشاط النظام المناعي مفرطاً للغاية؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى الوفاة.
وتابعت موفيت: «سبب عدم وجود ردود فعل مناعية مفرطة لدى الأطفال ليس واضحاً حتى الآن، ولكن قد يكون ذلك بسبب أن أجسامهم ليست مهيأة لإطلاق مثل هذه الاستجابة القوية».
من جهتها، تقول الدكتورة إيفون مالدونادو، أستاذة طب الأطفال في كلية الطب بجامعة ستانفورد، ورئيسة لجنة الأمراض المُعدية في «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال»: «نحن نعلم أن الاستجابات المناعية للأطفال تتطور بمرور الوقت. في السنة الأولى من العمر لا يتمتع الأطفال بالاستجابة المناعية القوية نفسها التي يتمتع بها الأطفال الأكبر سناً والبالغون. يمكن أن يفسر ذلك سبب تقرير (مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها) الذي وجد أن الرضّع الذين لم يبلغوا عامهم الأول هم أكثر عرضة للحجز في المستشفى».
وزعمت نظرية أخرى أطلقها الخبراء سابقاً أن ما يمكن تسميتها «المناعة الناشئة» أو «الغريزي» (immune response) من الأمور التي تفسر سبب عدم تأثر الأطفال بالأوبئة، وذلك لأن الجهاز المناعي الذي يتعرف على العدوى للمرة الأولى يتفاعل بشكل سريع جداً، وشامل، حيث تستجيب الخلايا المناعية، بشكل فوري، لأي عدوى من ميكروب خارجي، سواء كان فيروسياً أو بكتيرياً. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجهاز المناعي للبالغين، الذي تم تدريبه على ميكروبات معينة سابقة (من خلال الإصابات المتعددة)، يستجيب ببطء، ولكن بشكل أكثر خصوصية لكل ميكروب أو فيروس على حدة. ولذلك تكون الأعراض أقل حدة لدى الأطفال منها لدى البالغين، لسرعة التعامل مع الميكروب الجديد الوافد إلى الجسم والأجهزة المناعية غير مدربة على تركيبته الجينية.
وهناك نظرية أخرى توضح سبب عدم تفاقم المرض لدى الأطفال حتى في حال التعرض للفيروس، وهي أن الجهاز التنفسي لديهم أكثر صحة من البالغين، بفعل عدم التعرض لدخان السجائر أو التلوث البيئي لفترات طويلة، حتى في المدن الصناعية، بسبب العمر، وهو الأمر الذي يجعل الوسائل المقاومة للعدوى في الجهاز التنفسي تقوم بدورها بشكل كامل (الأغشية المخاطية المبطنة للقصبة الهوائية والشُعب)، فضلاً عن أن الأطفال في الأغلب لديهم صحة أفضل من البالغين، نظراً لندرة الأمراض المزمنة التي تضعف مناعة الجسم بشكل عام، مثل مرض السكرى من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وتأثيرها على العديد من أجهزة الجسم الحيوية، أو أمراض القلب.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

اشتعل وجهه خلال جراحة... عائلة مريض تطالب مستشفى أميركياً بتعويض قدره 900 ألف دولار

كلية الجراحين الأميركية لاحظت أن غرف العمليات تحتوي على «ظروف مثالية للحريق» (رويترز)
كلية الجراحين الأميركية لاحظت أن غرف العمليات تحتوي على «ظروف مثالية للحريق» (رويترز)
TT

اشتعل وجهه خلال جراحة... عائلة مريض تطالب مستشفى أميركياً بتعويض قدره 900 ألف دولار

كلية الجراحين الأميركية لاحظت أن غرف العمليات تحتوي على «ظروف مثالية للحريق» (رويترز)
كلية الجراحين الأميركية لاحظت أن غرف العمليات تحتوي على «ظروف مثالية للحريق» (رويترز)

تطالب عائلة رجل في ولاية أوريغون الأميركية بتعويض قدره 900 ألف دولار من أحد المستشفيات، بعدما اشتعلت النيران في وجه المريض في أثناء خضوعه لعملية جراحية بينما كان مستيقظاً، بحسب صحيفة «الغارديان».

تَرِد هذه المزاعم في دعوى قضائية مرفوعة من قبل زوجة جون مايكل مردوخ ضد جامعة أوريغون للصحة والعلوم. وتؤكد الدعوى أن الحادث وقع في أثناء خضوعه لعملية جراحية في عام 2022، وسط علاجه من سرطان الخلايا الحرشفية، وهو سرطان في اللسان. وفقاً للدعوى، فشل الطاقم الطبي في ترك الكحول الذي تم مسحه على وجهه يجف بشكل صحيح، مما تسبب باشتعال جلده.

تروي الدعوى كيف كانت جراحة مردوخ عبارة عن فتحة في القصبة الهوائية، أو إجراء لإدخال أنبوب تنفس في حلقه. لتعقيمه للعملية، تم مسحه بالكحول الأيزوبروبيلي. لكن الكحول لم يجف بشكل صحيح، وأشعل شرارة من أداة جراحية مما تسبب بحريق في وجهه، وفقاً للدعوى.

وذكرت تقارير صحافية أن مردوخ كان «مستيقظاً وواعياً» عندما بدأ الحريق، وكان يتغذى بالأكسجين، بالإضافة إلى الكحول الذي لم يتبخر.

عاش مردوخ لمدة ستة أشهر بعد الجراحة، لكنه توفي في يونيو (حزيران) 2023. وذكر نعيه أنه كان يبلغ من العمر 52 عاماً.

وقال المحامي رون تشنغ، الذي يمثل أرملة مردوخ، توني، ورفع الدعوى القضائية في ديسمبر (كانون الأول): «هذا أمر لا يحدث أبداً... لم يكن يجب أن يحدث أبداً».

وعلى الرغم من أن الحادث الجراحي لمردوخ لم يقتله، فإنه عانى من ندوب مشوهة وتورم وجروح لم تلتئم، كما قال تشنغ.

وأشار إلى أنه على الرغم من عدم قدرة مردوخ على التحدث بوضوح في ذلك الوقت، فإنه كان لا يزال قادراً على نقل الصدمة التي تعرض لها من الحروق إلى زوجته.

في العام الماضي، لاحظت كلية الجراحين الأميركية أن غرف العمليات تحتوي على «ظروف مثالية للحريق» بسبب مصادر الاشتعال والأكسجين والوقود. تتسبب الأجهزة الجراحية الكهربائية في نحو 70 في المائة من الحرائق الجراحية في الولايات المتحدة، وفقاً للكلية. وفي 75 في المائة من الحالات، كانت البيئات الغنية بالأكسجين متورطة بالحوادث. وكانت مستحضرات الجلد القائمة على الكحول أيضاً «مصادر وقود شائعة في أثناء الحرائق الجراحية عندما لا يُسمح لها بالتبخر تماماً».