توحيد «المركزي» يفجّر حرباً داخلية في «جبهة السراج»

محافظ المصرف حمّل «الرئاسي» مسؤولية تردي الوضع المعيشي للسكان

TT

توحيد «المركزي» يفجّر حرباً داخلية في «جبهة السراج»

دخلت الخلافات بين فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، والصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في طرابلس، حيز تبادل الاتهامات بالتسبب في «تردي الوضع المعيشي للمواطنين بعموم البلاد»؛ لكن السراج وجد للمرة الأولى مساندة من سياسيين وأكاديميين من طرابلس، وخارجها، في معركته مع الكبير، الذي سبق أن عزله مجلس النواب بشرق البلاد من منصبه.
وبدأت المعركة بين الجانبين عندما أبدى رئيس المجلس الرئاسي رغبته في توحيد المصرف المركزي، المنقسم منذ عام 2014، وأصدر بياناً تفصيلياً يدعو فيه رئيسي المصرفين المنقسمين، بين مدينتي طرابلس (غرب) والبيضاء (شرق)، إلى اجتماع عاجل لإنقاذ البلاد. لكن الكبير سارع، من جانبه، إلى إصدار بيان قال فيه إن المصرف الذي يتولى رئاسته هو «المبادر منذ عام 2015 بطلب توحيد المؤسسة، بعد إجراء عملية تدقيق شاملة لعمليات المصرف المركزي والمصرف الموازي، إيماناً منه بحق المواطن في معرفة الحقيقة، وإجلاءً للبس، والتزاماً منه بمبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة».
وظل محافظ المصرف المركزي في طرابلس محسوباً على السراج، منذ أن تولى الأخير إدارة شؤون البلاد نهاية عام 2017، بموجب «اتفاق الصخيرات»، إلى أن بدأت المشاحنات بينهما، التي يرى بعض المتابعين أن الكبير لا يريد التخلي عن منصبه، رغم أن مجلس النواب عزله عن منصبه عام 2014.
وأوضح أحد القيادات الموالية للسراج لـ«الشرق الأوسط»، أن جناح «الإخوان» بالمركزي «يريد فرض سيطرته بشكل كامل على إدارته»، متوقعاً تصاعد الأحداث في قادم الأيام بين الكبير والسراج، «إذا لم تتدخل أطراف دولية، ممثلة في الولايات المتحدة، مثلاً».
وفي بيان أصدره مساء أول من أمس، اتهم الكبير، المجلس الرئاسي، بـ«عدم اتخاذه التدابير اللازمة لإعادة إنتاج النفط وتصديره، مما انعكس سلباً على كافة مؤسسات الدولة، لكونه المصدر الوحيد للدخل، وهذا هو السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية والمالية، وهو ما فاقم الوضع المعيشي للمواطنين في البلاد».
وانتقلت شرارة الحرب بين الكبير والسراج إلى شرق ليبيا، بعد أن قال الكبير، للمرة الأولى، إن «إقفال المنظومة المصرفية عن فرع المصرف المركزي في شرق ليبيا، كان إجراءً احترازياً، سببه قيام نائب المحافظ بقرصنة بعض الحسابات المصرفية لجهات عامة، خارج إطار القانون».
ورأى المحلل السياسي عيسى عبد القيوم، أن «إغلاق المنظومة المصرفية عن شرق ليبيا ليس، كما قال الكبير، بسبب قرصنة حسابات لصالح جهات عامة، بل كان المقصود يومها مجلس النواب، الذي انتخب بشكل قانوني ودستوري وديمقراطي».
وأضاف عبد القيوم موضحاً: «الكبير يحاول التمويه، فقد كان خارج البلاد في تلك الفترة، والقانون الليبي يمنح كافة الصلاحيات للنائب، بمجرد مغادرة المحافظ الأراضي الليبية، وبالتالي فإن ما جرى كان وفق التشريعات الليبية النافذة».
ومع تصاعد الأزمة بين الطرفين، طالب أربعة أعضاء بمجلس إدارة المصرف المركزي بوقف الكبير عن العمل، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإسقاط اسمه من قائمة المحافظين بصندوق النقد الدولي، ومن أي هيئات دولية ذات علاقة، مع «تشكيل لجنة تنفيذية تقوم تحت إشراف مجلس الإدارة مباشرة بممارسة اختصاص المحافظ، المنصوص عليها بالمادة 18 من قانون المصرف».
ودعا الأعضاء الأربعة، وهم علي محمد سالم، ومراجع غيث سليمان، ومحمد أحمد المختار، وعبد الرحمن يوسف هابيل، في بيان مساء أول من أمس إلى اجتماع طارئ لمجلس إدارة المصرف في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي، مشددين على «اتخاذ الخطوات الفورية اللازمة لتنفيذ أذونات صرف المرتبات الشهرية، وفتح الاعتمادات لتوفير السلع الضرورية، والأدوية والمستلزمات العاجلة، وإعادة فتح منظومات المقاصة».
ودافع محمد عمر بعيو، المحلل السياسي الليبي عن السراج، بقوله إن «الكبير لم يبادر، كما ذكر، بطلب توحيد مصرف ليبيا المركزي عام 2015»، ورأى أن «الرجل عمل كل ما في وسعه لإبقاء الحال على ما هو عليه، حيث زاده الانقسام قوة ونفوذاً وسطوة، من حيث سيطرته على الاحتياطيات بالعملة الصعبة، وانفراده بسلطة التحويلات والاعتمادات، واستخدامه لهذه السلطة في المساومات والمناورات بغرض بقائه في كرسيه».
وأضاف بعيو، عبر حسابه على «فيسبوك»، أمس، أن «تأخير دفع المرتبات أدى إلى وقوع ضرر اقتصادي، بدخول نحو 6 مليارات دينار، هي إجمالي مرتبات الأشهر الثلاث إلى السوق دفعة واحدة، ما أدى إلى الضغط على السلع والخدمات وارتفاع أسعارها».
ولفت بعيو إلى ما سماه بـ«تعمد الكبير الخلط بين إقفال المنظومة على فرع المصرف المركزي بنغازي عام 2014، وبين إيقاف منظومة المقاصة الإلكترونية بين المصارف والفروع نهائياً منذ نحو 15 شهراً»، وهو الإجراء الذي وصفه بـ«المتعسف الخاطئ، الذي تسبب في إلحاق الأذى بأصحاب الحسابات المصرفية، وتعطيل التدفقات النقدية، وتحريك الودائع بين المصارف، وإفلاس بعضها واقعياً، وسينتج عنه إذا استمر انهيار النظام المصرف الليبي بالكامل، خلال مدة لا تتجاوز شهر يونيو (حزيران) المقبل».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.