«كورونا» في الهند... أطباء منبوذون وهجرات جماعية

البلاد تدخل الأسبوع الثاني من الإغلاق بعشرات الوفيات

TT

«كورونا» في الهند... أطباء منبوذون وهجرات جماعية

مع دخول الهند أسبوعها الثاني من الإغلاق التام، بلغ إجمالي حالات الإصابة المؤكدة بفيروس «كورونا» 1251. توفي منهم 32 شخصاً على الأقل.
بات سكان الهند البالغ عددهم 1.3 مليار محبوسين داخل منازلهم، باستثناء أولئك الذين يقدمون الخدمات الأساسية، كما تم إيواء أكثر من 600 ألف عامل مهاجر في مخيمات إغاثة. وتنفي الهند حتى الآن حدوث حالات عدوى مجتمعية، في إشارة إلى أنها ما زالت قادرة على تتبع مصادر العدوى، مما يجعل البلاد الأولى التي تفرض مثل هذا الإغلاق التام من دون تسجيل حالات إصابة مجهولة المصدر.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد قرّر، فجأة، فرض حظر على مستوى البلاد ابتداء من 25 مارس (آذار) الماضي، لتضاف إلى القيود السابقة التي تهدف إلى إبطاء انتقال فيروس «كورونا».
وفي وضع مثير للقلق في اليومين الماضيين، ارتبط ظهور العديد من الحالات الجديدة لفيروس «كورونا» التي تم الإبلاغ عنها في نيودلهي و«تاميل» و«نادو» و«أندرا براديش» بتجمع ديني نظّمه «مركز نيودلهي الإسلامي». وقد حضر 281 مواطناً من كل من المملكة المتحدة وفرنسا وماليزيا وإندونيسيا و12 دولة أخرى، من أصل 1830 شخصاً عثرت عليهم شرطة نيودلهي في اليومين الماضيين في مسجد «مركز نظام الدين» في قلب العاصمة. وقال مسؤولون إن التجمع الذي عقد في منتصف مارس (آذار) أصبح مصدراً رئيسياً لانتشار فيروس «كورونا» في البلاد.
وربطت السلطات بين 13 حالة وفاة في الهند في اليومين الماضيين بهذا التجمع، مما يثير مخاوف من نقل عشرات المصابين بعدوى «كوفيد - 19» لآلاف الأشخاص أثناء سفرهم إلى أجزاء مختلفة من الهند، باستخدام وسائل النقل العام.
وقال رئيس وزراء نيودلهي أرفيند كيجريوال إن 1107 شخصاً حضروا التجمع الديني الذي أقيم في منطقة «نظام الدين» قد تم عزلهم، وتحاول الحكومة الهندية القيام بمهمة ضخمة للعثور على الأشخاص الذين اختلطوا بهم.
ووسط كل هذا التشاؤم، انتشرت بعض القصص البطولية لأشخاص متفانين، من ضمنهم طبيبة جرّاحة تدعى شفاء محمد (23 عاماً). وكان من المقرر أن تتزوج شفاء في 29 مارس (آذار)، لكن المحاربة الشابة استبدلت بفساتين الزفاف معدات الحماية الشخصية، وقالت لعريسها ووالديها: «يمكن للزواج الانتظار، لكن مرضاي الذين يكافحون من أجل حياتهم في مقار العزل لا يمكنهم الانتظار». ووافق كلاهما على قرارها فوراً.
وفي مكالمة عبر الهاتف، قالت الدكتورة شفاء، التي بدت مترددة في الحديث عن قرارها، إنه «ليس خارجاً عن المألوف» وإنها «لم تفعل أي شيء عظيم». وأضافت أن ما فعلته «كان واجبها فقط»، وأن «هناك الكثيرين مثلي الذين أجّلوا ارتباطاتهم الشخصية... أنا واحدة منهم فقط».
لا شك أن الأطباء والممرضات وسائقي التوصيل وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية قد تم الترحيب بهم باعتبارهم «أبطال» فيروس «كورونا» في الهند، ولكن في بعض مناطق من البلاد تعرضوا للهجوم، حتّى أن بعضهم طُرد من منزله من قبل بعض السكان المذعورين.
وصف الدكتور راكيش كيف طُرد بمجرد عودته إلى منزله بنيودلهي، بعد يوم عمل طويل في مستشفى يعالج مرضى فيروس «كورونا»، وإن الجيران منعوه من دخول المبنى الذي يضم شقته وهددوه «بعواقب» وخيمة إذا استمر في العمل. وقال: «هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين تفاعلوا معي بسعادة في الماضي. هناك شعور بالخوف بين الناس. أنا أفهم ذلك، لكن يبدو أنني أصبحت فجأة (شخصاً منبوذاً)».
وقد ناشد الأطباء في «معهد الهند للعلوم الطبية» الحكومة للحصول على المساعدة، بعد أن أجبر الملاك المذعورين بعض العاملين في القطاع الصحي على مغادرة منازلهم. وحذّرت الحكومة من مثل هذه الأعمال، واصفة إياها بالجريمة. وقامت الحكومة في العاصمة والعديد من الولايات الأخرى بحجز فنادق خمس نجوم لإقامة الأطباء بعد أدائهم لواجباتهم. لم تر الدكتورة زهيرة ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات، باستثناء بعض المكالمات الفيديو، وذلك بغرض المحافظة على سلامة عائلتها. بدوره، ذهب الدكتور سيدارث لرؤية عائلته، لكنه جلس خارج بوابة منزله وشاهد والديه المسنين وأطفاله من مسافة بعيدة، وقدموا له الشاي والوجبات الخفيفة في الخارج، وجرى التخلص من الطبق والكوب الذي استخدمه خوفاً من نقل العدوى للآخرين.
وقال الطبيب: «كنت أبكي، وكذلك كان حال الجميع. فهم خائفون على حياتي وخاصة والدتي. ذهبت فقط حتى تتمكن من رؤيتي، لكني لم أتمكن من معانقتها. لست متأكداً مما سيحدث لي، لكنني فخور بإنقاذ العديد من الأرواح الأخرى».
لم يكن العاملون الصحيون وحدهم من يواجهون مخاوف السكان المذعورين، إذ جرى تهديد موظفي الخطوط الجوية والمطارات الذين لا يزالون يعملون على إجلاء الهنود العالقين في الخارج وإدارة عمليات تسليم البضائع الأساسية.
وشكت مضيفة طيران الهند لوكالة الصحافة الفرنسية من أن جيرانها هددوها بالطرد قبل توجهها إلى الولايات المتحدة، خوفاً من نقل العدوى للجميع عند عودتها. وقالت: «لم أستطع النوم في تلك الليلة».

نصيب من الرعب

كان من نتائج حالات الإغلاق التام أن حالة من الرعب عمت البلاد، بعدما بدأ الآلاف من العمال المهاجرين من مناطق مختلفة يتجهون نحو قراهم بعد فقدانهم لوظائفهم في المدن. وكان هناك من نفذ ماله، ولم يعد قادراً على شراء الطعام وكان عليه العودة إلى قريته سيراً على الأقدام. وقد أدى ذلك إلى حالة من الفوضى والمجاعة والوفيات، وصفها أحد المعلقين بأنها «أكبر هجرة بشرية سيراً على الأقدام بعد تقسيم الهند».
وقد توفي ما لا يقل عن 17 من العمال المهاجرين وأفراد أسرهم - بما في ذلك خمسة أطفال خلال محاولات يائسة للعودة إلى ديارهم منذ بداية الإغلاق التام. من ضمن المتوفين رانفير سينغ، وهو أب لثلاثة أطفال (39 عاماً) يعمل في مطعم في نيودلهي كعامل توصيل للمنازل، الذي توفي في مدينة «أغرا» بينما كان في طريقه إلى منطقة «مورينا» بولاية «ماديا براديش» بعد أن أنهكته المسافة الطويلة سيراً على الأقدام عائداً إلى بيته والتي تخطت 200 كيلومتر سيراً على الأقدام.
وفي حادثة أخرى من حوادث الطرق التي يتعرض لها العمال المهاجرون خلال رحلة العودة إلى منازلهم بسبب عدم توفر أي وسيلة مواصلات بسبب الإغلاق، تعرض أربعة أشخاص للدهس بواسطة شاحنة على الطريق السريع بين مومباي وغوجارات.
ولاحتواء الوضع المتأزم، أعلنت الهند عن حزمة إغاثة بقيمة 22.5 مليار دولار لمساعدة الفئات الأفقر في البلاد على إعالة أنفسهم وإطعام ذويهم. وتخطط الحكومة لاستخدام برامج الرفاهية الحالية لتنفيذ تدابير الإغاثة، والتي تشمل توزيع الغذاء مجاناً والتحويلات البنكية لملايين الأسر ذات الدخل المتدني في جميع أنحاء البلاد.

جنازات صامتة

بات وداع الراحلين أكثر هدوءاً من ذي قبل بعد أن تجرّد من الطقوس المعقدة. فعلى عكس الحال في غالبية مراسم العزاء الذي عادة ما يشهد أفواجاً من المعزين لمواساة العائلة المكلومة، تضاءلت أعداد المعزّين لتصبح أرقاماً فردية. ولم يعد أولئك الذين يحضرون الطقوس هذه الأيام يحملون الورود ولا يصافحون بأيديهم، بل يكتفون بخفض رؤوسهم، ويراعون الحفاظ على مسافة بين بعضهم بعضاً لمنع نشر الفيروس.
انهار والد محمد عبد الغني، البالغ من العمر 33 عاماً، بعد تناول العشاء وتوفي في وقت لاحق في المستشفى. وفي اليوم التالي، جلس مع عشرة من أصدقائه بعد أن انتشروا على أربعة مقاعد فولاذية كبيرة، وكانت وجوههم ملثمة بالمناديل، يراقبون دفن والده. قال عبد الغني: «لم نتمكن من الحصول على الزهور حيث كانت المتاجر مغلقة، وأحضرنا فقط غطاءً واحداً لتغطيته».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».