الصحافة في زمن «كورونا»... عمل عن بُعد و«واتساب» للتواصل

إعلاميون يواصلون الظهور وجرائد تُدار من المنازل وأخرى تُعلق نسخها الورقية

من ضرورات العمل المنزلي وجود أحدث أجهزة وبرامج الكومبيوتر والاتصالات التي يعتمد عليها
من ضرورات العمل المنزلي وجود أحدث أجهزة وبرامج الكومبيوتر والاتصالات التي يعتمد عليها
TT

الصحافة في زمن «كورونا»... عمل عن بُعد و«واتساب» للتواصل

من ضرورات العمل المنزلي وجود أحدث أجهزة وبرامج الكومبيوتر والاتصالات التي يعتمد عليها
من ضرورات العمل المنزلي وجود أحدث أجهزة وبرامج الكومبيوتر والاتصالات التي يعتمد عليها

دفعت أزمة انتشار فيروس «كورونا المستجد» الصحف والمجلات العربية إلى العمل من المنازل، في تجربة وصفها بعض الصحافيين بـ«الفريدة والثرية التي أظهرت إمكانات لدى الصحافيين»، مؤكدين أنه «لا يوجد مساوئ في العمل عن بُعد؛ إلا أنه اختبار قوي لاستعدادت الصحافي في التعامل رقمياً». وإذ كانت هناك صحف قررت العمل عن بُعد، فكرت صحف أخرى في توجية طاقاتها لمواقعها الإلكترونية.
وشكل العمل عن بعد تجربة متميزة لـ«الشرق الأوسط» التي باتت تعد موادها وتجهز صفحاتها وتغذي منصاتها الرقمية، عبر فرق دؤوبة، تعمل على مدار الساعة من المنازل. ومنذ بداية انتشار «كورونا» عالمياً الشهر الماضي، وضعت «الشرق الأوسط» خطة طوارئ لضمان سلامة طواقمها المنتشرة حول العالم واستمرار الصدور بسلاسة، شملت تغييرات كبيرة على دورة العمل بالتزامن مع مراقبة دائمة لخريطة انتشار الفيروس لتقييم أوضاع فرق العمل المتوزعة على أكثر من دولة.
بدأت «الشرق الأوسط» بتشجيع منسوبيها المصنفين ضمن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، على العمل من المنزل ضماناً لسلامتهم. كما حثت أفراد فريقها العائدين من دول شهدت إصابات كثيرة على العزل المنزلي. وفي موازاة ذلك، أجرت فرق العمل تدريبات متدرجة على العمل عن بعد، وصولاً إلى الصدور بالكامل من خارج المكاتب، قبل أكثر من أسبوع من إعلان الدول الإغلاق الكامل في لندن والرياض والقاهرة وبيروت التي تضم مقرات رئيسية. ورغم التحديات التي تنطوي عليها مواقف كهذه، إلا أن التغييرات التي فرضتها هذه الأزمة عززت «تسريع التحول الرقمي» الذي وضعته «الشرق الأوسط» عنواناً لعملها في 2020.
وبينما قررت بعض الدول وقف طباعة الصحف حتى إشعار آخر، من بينها، الأردن، وسلطنة عمان، والمغرب، واليمن، والكويت، وتونس، وسوريا، أوقفت صحيفة «عكاظ» السعودية نسختها الورقية مؤقتاً، وتوقفت عدة صحف جزائرية. وقرر المجلس الوطني للإعلام في الإمارات وقف تداول الصحف والمجلات والمنشورات التسويقية الورقية مؤقتاً، وسط مطالب بوقف الصحف الورقية في مصر والسودان.
وقال الكاتب الصحافي موفق النويصر، رئيس تحرير صحيفة «مكة» لـ«الشرق الأوسط»: «فعلنا نظام النشر الخاص بالصحيفة للعمل بالكامل عن بُعد بكل كفاءة، وجهزنا مجموعات (واتساب) متعددة بحسب كل قسم، لتبادل الأفكار المراد تنفيذها في العدد، وضمان إبداء الملاحظات حيالها، وتعديلها بحسب المطلوب»، مضيفاً: «لا شك أن التجربة غريبة وفريدة؛ إلا أنها ثرية ومفيدة، كونها أظهرت إمكانات لدى الزملاء، لم نكن نراها لولا هذه الأزمة، وننتظر زوال أزمة (كورونا) لنرى ما الذي يمكن استثماره من هذه التجربة لاحقاً».
وقال الكاتب الصحافي محمود حامد، مدير عام تحرير صحيفة «البوابة» الخاصة في مصر: «قررنا أن يعمل الجميع من المنزل، على أن يوجد فى المؤسسة زميل واحد من كل قسم صباحاً، وزميل مساء، مع تقليل (شيفت المبيت) إلى زميلين، والباقى يعمل من المنزل».
وتقول الإعلامية التونسية، مبروكة خضير، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العمل عن بُعد، تجربة جديدة، سيكون لها أثر عظيم على الصحافة العالمية، وهي فرصة جديدة لترتيب المنزل الداخلي، وزيادة المساحة للترابط الأسري؛ لكنها في الوقت ذاته فرضت على الصحافي ضغوطاً غير مسبوقة، في التحقق من الأخبار، واختبار قوي لاستعدادته في التعامل رقمياً مع كل شيء».
الصحافي السوري المقيم بالإمارات، آلجي حسين، قال إن «الإعلام في مواجهة (كورونا) بمثابة معركة جديدة، وتجربة مغايرة تأثرت بها، والتجربة الإعلامية في هذه المرحلة علّمتنا الكثير حول دور الإعلام في إدارة الأزمات والأوبئة، والالتفات أكثر للقصص الإنسانية (الفيتشرات)، وكذلك الاطلاع على تجربة العمل عن بُعد، فهذا الوباء غيّر كثيراً من العادات الإعلامية، إن جاز القول»، مضيفاً: «كُل وباء يضرب العالم يحدث ثورة في مفاهيم كثيرة، ومنها الإعلام والاتصال، كجزء رئيسي في المجتمع».
وأكد الكاتب الصحافي جلال بوعاتي، من صحيفة «الخبر» الجزائرية لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض الصحف الجزائرية قررت إعفاء الصحافيين من الحضور إلى قاعات التحرير، والعمل من المنازل، والتواصل مع رؤساء أقسام التحرير بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات (واتساب) و(فايبر) وغيرهما، فيما فضلت صحف أخرى توجيه طاقاتها لمواقعها الإلكترونية، واعتماد خدمة بث فيديوهات خاصة بيوميات المواطنين مع الفيروس وأخباره حول العالم».
القنوات الفضائية كان لها نصيب من خطة العمل الجديدة بسبب «كوفيد-١٩». لكن الإعلامية التونسية نوفر رمول، المذيعة بتلفزيون «دبي» قالت لـ«الشرق الأوسط»: «لستُ من بين الزملاء الذين يعملون من المنازل، فحضوري إلزامي كمقدمة ومعدة لبرنامج (قابل للنقاش) أعيش الحدث بقلق كبير تارة، وتارة بإشفاق على نفسي، وعلى المشاهدين الجالسين أمام الشاشات، وأتعامل مع كل حدث بما يستحق من الجدية والأهمية، من دون تضخيم»، مضيفة: «ألتزم بأقصى إجراءات الوقاية في البيت والعمل، وأتحمل ضغط الأحداث، فبقدر ما أربك الفيروس دول العالم، فقد كان لغرف الأخبار حظها من هذه الحالة».
وتتفق معها المذيعة منة الشرقاوي، بالتلفزيون المصري، التي تمنعها طبيعة عملها من العمل من المنزل، فهي لا بد أن تطل على المشاهدين بغاية الأناقة والاتزان النفسي ودون توتر. وتقول: «تفاصيل العمل تغيرت كلياً، وتقلصت فرق العمل التلفزيوني، وباتت علينا مغادرة المنزل مبكراً جداً للاستعداد قبل الظهور على الشاشة، حرصاً على تطهير كل شيء حتى أدوات التجميل والماكياج، كما تغير بروتوكول التعامل مع ضيوف البرامج، فأصبحت هناك مسافات كبيرة تفصلنا عنهم، وتوتر ناجم عن الخوف من العدوى»، موضحة أن «كل شيء في الاستوديو يجب أن يتم تعقيمه حتى جهاز (التابلت)، وبات علينا الحذر الشديد أثناء تبادله مع الزملاء، ويكون علينا الحذر الشديد عند العودة لمنازلنا خوفاً على أسرنا».
في غضون ذلك، وعقب شهرين من الحجر المنزلي في العاصمة الصينية، تحدث المذيع المصري محمد أسامة، مقدم برامج بالتلفزيون الصيني، عن تجربته مع الفيروس، ونشر صورته على موقع «فيسبوك» ليهنئه المتابعون على الانتصار على الفيروس. وقال أسامة المعروف باسم «مو شياو لونغ»: «تفشي الفيروس أثر كثيراً على روتين العمل الإعلامي، وتم منع النزول للشوارع، وتوقفنا عن العمل من الاستوديو دون معرفة تاريخ للعودة؛ لكن لم نشعر أن الحياة توقفت، وتزايدت وتيرة ضغوط نشرة الأخبار والروابط ومقاطع الفيديو من المنزل، وإجراء المقابلات عبر الإنترنت، وحرمنا من التواصل الشخصي مع الضيوف؛ لكن كان علينا التأقلم سريعاً على الوضع الطارئ»، لافتاً إلى أن «البرامج أصبحت تقدم كل شيء عبر الإنترنت؛ لكن من المنزل».

تجارب أجنبية... ونصائح للصحافيين
في الماضي، كان العمل من المنزل امتيازاً متاحاً لبعض الوظائف، مثل خدمات الاتصالات، لكن في عصر فيروس كورونا أصبح حتمياً تطبقه الشركات حول العالم بالقانون لمنع سرعة انتشار الفيروس والإبقاء على الإنتاجية في الوقت نفسه. وتتعامل شركات العالم مع هذا الواقع على أنه حقيقة سوف تستمر لبعض الوقت، وذلك منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا وصل إلى مرحلة الوباء العالمي.
هناك قواعد للعمل المنزلي الذي يحتاج إلى بذل الجهد بلا رقابة بحيث يخصص العامل المساحة الخاصة للعمل وعزل المؤثرات التي تشتت التركيز، مثل الأطفال والحيوانات المنزلية. ولعل أهم القواعد على الإطلاق فتح قنوات التفاعل والاتصال برئيس العمل وفريق المكتب ومعرفة ما هو المتوقع من العمل المنزلي.
ورغم أن بريطانيا لم تطبق مبدأ الحظر على التجمعات في المكاتب إلا الأسبوع الماضي، فإن هناك بعض وسائل إعلام سبقت الأحداث وأخبرت موظفيها أن عليهم العمل من المنازل؛ حتى يمكن تجنب انتشار فيروس كورونا. من أهم وسائل الإعلام التي اتخذت هذا القرار كانت صحيفة «فاينانشيال تايمز» والمطبوعات التي تنشرها شركة «كوندي ناست». وتبدو مكاتب «فاينانشيال تايمز» في لندن شاغرة حتى إشعار آخر. وجاء القرار بعد ظهور أعراض «كورونا» على أحد الصحافيين؛ ما استدعى إخلاء طابق بأكمله وتنظيفه. وفي رسالة إلى الموظفين، قالت إدارة صحيفة «فاينانشيال تايمز» التي بادرت بالتجربة، إنها تريد خفض عدد الذين يعملون من المبنى لمدة أسابيع عدة، من أجل خفض الحاجة إلى إغلاق المكاتب أو تعريض هؤلاء الذين يتعين وجودهم في المبنى إلى العدوى.
وفي مطبوعات شركة «كوندي ناست» التي تشمل «فوغ» و«جي كيو» و«تاتلر» و«وايرد»، تم إبلاغ العاملين بأن العمل سوف يكون من المنازل حتى نهاية شهر مارس (آذار) بصفة مرحلية، مع إعادة النظر في استمرار الوضع. وسوف يبقى المبنى بالقرب من «أكسفورد سيركوس» في وسط لندن مفتوحاً لعدد قليل من الموظفين.
وفي الأيام الأخيرة أمرت شركات كبرى موظفيها بالعمل من المنزل، وكان من بينها «غوغل»، و«أوراكل»، و«مايكروسوفت»، و«تويتر»، و«آبل»، و«أمازون»، و«شيفرون» و«سبوتيفاي». وتحول العمل من المنزل إلى الوضع الطبيعي الجديد للعديد من الموظفين.
البداية كانت من شركات التكنولوجيا التي وفرت أدوات التواصل بين الأفراد والشركات عبر الإنترنت، ثم اقترحت على البعض العمل من المنزل. وانتهى الأمر بطلب عدم الذهاب إلى المكاتب، أحياناً من شبكات حول العالم مثل «أمازون»، و«لينكد إن»، و«مايكروسوفت»، و«غوغل». واعتمدت هذه الشركات على البنية التحتية والتقنيات التي تتيح لها العمل من خارج المكاتب إذا لزم الأمر.
وتسهم بعض الشركات في تسهيل التحول إلى العمل المنزلي، حيث أتاحت «مايكروسوف» برنامجها «كلاود» مجاناً للشركات الصغرى خلال الأشهر الستة المقبلة. وأسهمت شركات أخرى مثل «زووم» في حذف الحد الأقصى لمؤتمرات الفيديو المجانية إلى أطول من 40 دقيقة. وفتحت شركة «إيه تي أند تي» الأميركية الحدود القصوى لاستخدام الإنترنت لمشتركيها. وأكدت شركات الإنترنت البريطانية، أنه لا مخاوف من انهيار الشبكة أثناء الفترة الصباحية بسبب ضغوط استخدام الأعمال المكثف، حيث إن الاستخدام المسائي في مشاهدة أفلام «نتفليكس» وألعاب الفيديو ما زال يفوق الاستخدام الصباحي بنسبة 10 إلى واحد.
ومن جانبها، ترى خبيرة العمل المنزلي وأستاذة الإدارة في جامعة نورثرن في بوسطن، باربارة لارسن، أن توضيح التواصل مع مدير العمل مفيد للطرفين. وعلى العامل أن يطلب من مديره وضع خريطة لعمل اليوم من خلال مكالمة هاتفية مدتها 10 دقائق صباحاً، ومثلها في نهاية يوم العمل. وهي أفكار لا تخطر على بال معظم المديرين، على حد اعتقادها.
ومع العمل المنزلي، تنتهي سهولة التواصل مع مدير العمل الذي كانت استشارته سهلة وفورية خلال أيام العمل المكتبي. لكن مع العمل المنزلي قد لا يكون المدير معتاداً على إدارة الأشخاص عن بعد. كما قد لا تكون الشركات مستعدة بأدوات التواصل الحديثة التي تشمل مؤتمرات الفيديو، مثل «زووم» أو برامج المحادثة مثل «سلاك».
لكن، حتى مع وجود أدوات التواصل، فإن أحد التحديات للعمل المنزلي هو الشعور بالوحدة. وثبت ذلك من بحث ميداني قامت به شركة «بافر» (Buffer) الأميركية على 2500 عامل يعملون من المنازل، اتضح فيه أن التحدي الأكبر لنسبة 19 في المائة من العمال كانت الوحدة والانعزال. وتصف باربارة لارسن تأثير الوحدة بأنها تجعل الموظف أقل تحمساً للعمل وأقل إنتاجية. وتفضل لارسن أن تكون المكالمات مع مدير العمل فعالة ووجهاً لوجه عن طريق تطبيقات مثل «سكايب» أو «زووم».



الإعلام الترفيهي صناعة شاقة تزدهر في أيام السلم

برامج المسابقات والألعاب تتصدر المشهد المرئي الترفيهي (الشرق الأوسط)
برامج المسابقات والألعاب تتصدر المشهد المرئي الترفيهي (الشرق الأوسط)
TT

الإعلام الترفيهي صناعة شاقة تزدهر في أيام السلم

برامج المسابقات والألعاب تتصدر المشهد المرئي الترفيهي (الشرق الأوسط)
برامج المسابقات والألعاب تتصدر المشهد المرئي الترفيهي (الشرق الأوسط)

يجذب الإعلام الترفيهي مختلف الشرائح الاجتماعية عبر برامجه الفنية وبرامج المسابقات والألعاب، فيساهم في تبديد هموم المواطن، ويمنحه جرعة أكسجين يتنفّس من خلالها بعيداً عن قتامة نشرات الأخبار التلفزيونية.

استطاع لبنان أن يترك بصمة لا تُنسى في هذا المجال، وكان السباق إلى ابتكار وصناعة برامج ناجحة لا تزال حاضرة في ذاكرة اللبنانيين. فمنذ عقود، أسّست أسماء إعلامية لهذا النوع من البرامج، وما زال تأثيرها واضحاً، من بينها برامج مثل «استوديو الفن» و«نادي النوادي » و«الأول على الـLBC» وغيرها. وكما كان للمخرج الراحل سيمون أسمر دور محوري، كذلك شكّل الراحل رياض شرارة ركناً أساسياً في بناء الإعلام الترفيهي. وإذا ما سألت أيّ لبناني عمّا يختزنه من ذكريات حول هذه البرامج، يستحضر هذين الاسمين، بعدما تحوّلا إلى أيقونتين في مجالهما. ولا يزال صنّاع الترفيه يستلهمون من تجربتهما حتى اليوم.

وفي مرحلة لاحقة، برزت أسماء أخرى أسهمت في تطوير هذا النوع من المحتوى، كالمخرج أنطوان قهوجي، والمنتجتين رولا سعد وجنان ملّاط، فقدموا سلسلة برامج تثقيفية وفنية طبعت زمن التسعينات، بينها «ستار أكاديمي» و«الشاطر يحكي» و«يا ليل يا عين» و«الرقص مع النجوم».

أمّا اليوم، فيشهد الإعلام الترفيهي تحوّلات لافتة، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً أساسياً في صناعتها. فباتت المقاربة تركّز أكثر على التفاعل المباشر مع المشاهد. ولم تعد فكرة البرنامج محصورة في مذيع وميكروفون واستوديو، بل تحوّل الإعلام الترفيهي إلى منصّات متنقّلة تنشط في المناسبات والأعياد. ورغم التراجع الذي شهده الترفيه الإعلامي في السنوات الأخيرة، فإنّه يعود اليوم بزخم ملحوظ، متصدّراً شاشات التلفزة عبر منافسات حادّة تهدف إلى جذب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.

مدير كلية الإعلام الفرع الأول رامي نجم (الشرق الأوسط)

الإعلام الترفيهي... القوة الناعمة

يخيَّل للبعض أن الإعلام الترفيهي لا يشكّل مادة مرئية ذات قيمة. غير أنّه في الواقع مساحة أساسية يلتقي فيها الجمهور مع محتوى خفيف وسهل، يخفّف من وطأة الضغوط اليومية ويؤمّن فسحة تواصل إنساني واجتماعي لا تقلّ أهمية عن باقي الأشكال الإعلامية.

ونشهد اليوم دخولها إلى نشرات الأخبار نفسها، إذ خصّصت لها فقرات صغيرة تأتي في نهاية النشرة لتكون بمثابة مسك الختام.

ويعدّ هذا النوع من البرامج القوة الناعمة والخفية لجذب الإعلانات التجارية. وتدر الربح للمحطة التلفزيونية.

رامي نجم: طلابنا يهوون الترفيهي

الإعلامي عماد موسى (الشرق الأوسط)

ويمتهنون الإخباري

يشير مدير كلية الإعلام والتوثيق الفرع الأول في بيروت، الدكتور رامي نجم، إلى أنّ الإعلام الترفيهي يملك خصائص متعدّدة؛ فهو يشبع عين المشاهد ويؤمّن له حاجته الطبيعية إلى التسلية والترفيه. أما بالنسبة لطلّابه، فيصنّف علاقتهم بهذا النوع من الإعلام على الشكل الآتي: «هم يتابعون برامج التسالي، ويتحمّسون لها. لكن عندما يحين وقت اختيارهم المهني، يتّجه معظمهم نحو الإعلام الإخباري. فهم يرون أنّ مستقبلهم كإعلاميين يجب أن يبدأ من بوابة نشرات الأخبار والحوارات واللقاءات السياسية، إضافةً إلى كتابة المقالات المرتبطة بهذا المجال. بالنسبة لهم، الإعلام الترفيهي ليس هدفاً مهنياً أساسياً، لأنّ الاستوديو ومكتب تحرير الأخبار يشكّلان البيئة الأنسب لمهنة الغد». ويضيف الدكتور نجم أنّ البرامج الترفيهية «تصنع نجومها بسرعة، وتُعرف في وقت قصير نظراً لمتابعتها المكثّفة من الجمهور». ويشرح: «لا نفاجأ أحياناً حين نسأل مراهقاً عن الإعلامي مارسيل غانم، فيجهل مسيرته المهنية، فيما يكون على دراية أكبر بأسماء مثل هشام حداد، كارلا حداد، طوني بارود، نظراً إلى حضورهم الواسع في البرامج الترفيهية».

رالف معتوق من أبرز الأسماء اليوم في عالم الإنتاج الترفيهي في لبنان (الشرق الأوسط)

برامج الألعاب والتسلية... صدارة ومنافسة

لا شك أن البرامج الترفيهية شهدت تراجعاً ملحوظاً إثر أزمات متلاحقة شهدها لبنان، فانشغل الإعلام المرئي كما المسموع والمكتوب بتغطية انعكاسات هذه الأزمات على المواطن. وبلغت ذروة هذا التراجع خلال «ثورة 17 أكتوبر» (تشرين الأول). ومن بعدها أصيبت بشلل تام بعيد الأزمة الاقتصادية وانفجار بيروت.

مؤخراً، لوحظ عودتها إلى الشاشة الصغيرة بقوة من خلال برامج الألعاب والتسلية، والفن. وصار اللبناني ينتظر الأعياد والمناسبات لمتابعة هذا النوع من البرامج التي تعود عليه بربح الجوائز ولا سيما المالية منها.

فبرزت برامج تقدم جوائز قيّمة كـ«سيارة الأحلام» وأثاث المنزل والأدوات الإلكترونية ومبالغ مالية. ومن أحدثها «أكرم من مين» على شاشة «إل بي سي آي». و«مع وديع» على قناة «الجديد». و«أنت وحظّك» على محطة «إم تي في» المحلية. وهناك أخرى ترتكز على حوارات فنية مثل «ذا ستايدج» الذي قدّمته الإعلامية كارلا حداد عبر شاشة «إل بي سي آي» ولقي نجاحاً كبيراً.

رالف معتوق: التحديات والمفاجآت أساسية

في زمن ندر فيه بروز شخص مبدع في إنتاج البرامج المسلّية، لمع اسم رالف معتوق الذي يعدّ اليوم من أبرز وأهم صنّاع المحتوى الترفيهي على الشاشة الصغيرة في لبنان. فقد رسّخ مكانته بوصفه واحداً من أكثر المنتجين تأثيراً، فملأ فراغاً امتدّ لعقود.

واتّخذ معتوق من محطة LBCI منصّة ثابتة لإطلاق أفكاره الإبداعية، فبثّ فيها دماً شبابياً وقدّم أعمالاً تحمل طابعاً مختلفاً يقوم على الإبهار والبريق الحديث، ما جعل بصمته حاضرة في كل إنتاج يوقّعه. واتّبع في صناعة المحتوى الترفيهي قاعدة ذهبية ترتكز على ثلاثة عناصر: التحدّي، والمنافسة، والمفاجأة. وقد ارتدت برامجه هذا الأسلوب، فحقّقت أعلى نسب مشاهدة على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال». وبات اسمه يُستشهد به عند إجراء مقارنات بين البرامج.

واستطاع معتوق إدخال فكره الإبداعي في برامج أخرى، سواء عبر البث المباشر أو من خلال التغطيات الخاصة للزيارات الرسمية إلى لبنان، وكان من أحدث هذه التغطيات زيارة البابا ليو الرابع عشر. ونجح من خلال هذه البرمجة في مزج العناصر الترفيهية مع الأحداث الرسمية، ما أضفى طابعاً جديداً على أسلوب التغطية الإعلامية اللبنانية.

يقول معتوق لـ«الشرق الأوسط»: «في الإعلام الترفيهي يجب اغتنام اللحظة التلفزيونية (TV moment). وتكمن قوة الابتكار في إجراء معادلة حسابية سريعة ترتكز على سرعة البديهة. والأهم هو التمتع بالحسّ الترفيهي الجذاب، فتحضّ المشاهد على التسمّر أمام الشاشة بصورة لا شعورية».

ويرى معتوق أن الإعلام الترفيهي يشهد اليوم ولادة جديدة. «لقد شهد تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. أنا شخصياً أربطه بحالة الاستقرار التي تعيشها البلاد. فكلما كانت طاغية على المشهد السياسي والأمني، أسهمت في نضج هذا النوع من البرامج».

يعترف معتوق بأن البرامج الترفيهية تتطلب في معظمها ميزانية ضخمة، لكنه يقول إنها في مرات كثيرة تهدر في المكان الخطأ. ويتابع: «الترفيه الحديث يعتمد على قربه من الناس، حيث يشعرون بأنهم يخوضون تجربة من قلب الحدث. فتلامس مشاعر النوستالجيا والحنين والتجدد في آن. كما أن ثقافات الشعوب تلعب دوراً أساسياً. نحن مثلاً شعب يملّ بسرعة، ولذلك إرضاؤه مهمة صعبة تتطلب الجهد. كما أننا نعاني من غياب نجوم للبرامج الترفيهية، بعضهم لم يجدد هويته، وآخرون توجهوا إلى إعلام من نوع آخر. وأحياناً تلجأ هذه البرامج إلى ممثل أو ممثلة كي تملأ الفراغ. فصنع نجم لبرنامج ترفيهي أمر صعب وشاق».

عماد موسى: عنصر الدهشة أساسي في الإعلام الترفيهي

يمتلك الإعلامي عماد موسى خبرة واسعة في إعداد محتوى البرامج الترفيهية. وفي حديثه مع «الشرق الأوسط»، يقارن بين الماضي والحاضر قائلاً: «المشاهد اليوم يحب عنصر الإبهار بشكل قاطع. فإذا قدّمنا نسخة من برنامج قديم وناجح مثل (نادي النوادي) بالصيغة القديمة نفسها، فلن يحقق النجاح ذاته. لكن المشاهد يتقبّل برنامجاً حديثاً يشبه السابق ويعتمد على عنصر الإبهار، كما في (يلّا ندبك) على شاشة MTV». ويضيف موسى: «حتى برامج الألعاب والمسابقات، إذا غاب عنها عنصر الدهشة، يصبح محتواها ضعيفاً وهزيلاً».


«ميتا» تتجه إلى تقييد نشر الروابط... كيف سينعكس ذلك على عدد الزيارات؟

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

«ميتا» تتجه إلى تقييد نشر الروابط... كيف سينعكس ذلك على عدد الزيارات؟

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أعلنت شركة «ميتا» أنها «تختبر فرض قيود على عدد من منشورات الروابط التي يمكن للصفحات والحسابات نشرها شهرياً على (فيسبوك)»، على أن يُتاح نشر عدد أكبر عبر الاشتراك في خدمة «Meta Verified» المدفوعة. وأثارت هذه الخطوة تساؤلات بشأن تأثيرها على «عدد الزيارات والناشرين»، فيما عدّها خبراء «ضغطاً جديداً على الناشرين الذين يواجهون بالفعل تراجعاً في زيارات مواقعهم».

وبحسب إشعارات أُرسلت إلى بعض الحسابات، فمن المفترض أن يكون تطبيق «القيود» بدأ من 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على نطاق محدود، مع إتاحة تجاوزها عبر الاشتراك المدفوع الذي تروّج له «ميتا» بوصفه وسيلة لحماية العلامة التجارية. وأكدت الشركة أن «ما يجري اختبار محدود النطاق حتى الآن»، فيما يرى متخصصون في مجال الإعلام أن الهدف الأبرز هو «رفع الإقبال على (Meta Verified) وتعزيز عائدات الاشتراكات».

قال أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في فرع جامعة روتشستر للتكنولوجيا بدبي، الدكتور حسن مصطفى، لـ«الشرق الأوسط»، إن اتجاه «ميتا» جاء ليؤكد أنها منصة استثمارية ربحية بالأساس. وأضاف: «من المتوقع أن تشهد المواقع الإخبارية تراجعاً في الزيارات القادمة من منصات التواصل الاجتماعي، وسيكون وقع هذا القرار أشد على الناشرين الذين اعتمدوا على هذه المنصات بوصفها قناة توزيع رئيسية».

وأوضح أن «هذا التحول لا يعكس تراجع الاهتمام بالمحتوى الإخباري، بقدر ما يعكس تغييراً في دور المنصات نفسها، التي باتت تميل إلى الاحتفاظ بالمستخدم داخل بيئتها الرقمية».

وبحسب مصطفى، فإن «الأمر ليس محدوداً بمنصة (فيسبوك)، فقد سبقت (إكس) إلى اعتماد القيود عينها». ولفت إلى أن «التأثير سيكون متفاوتاً، إذ ستتضرر المؤسسات التي لم تطور قنوات الوصول المباشرة مع الجمهور أكثر من غيرها».

وعن تكيف الناشرين مع القيود الجديدة، قال أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي، الدكتور مصطفى، إنه «لا بد من تغيير الفلسفة التحريرية، بمعنى أن تتحول الروابط الخارجية، فبدل أن تكون فقط أداة تحويل أو إحالة، تكون أداة استراتيجية، وذلك بتقديم صيغة المحتوى». وأوضح أن «ذلك يعني أن يكون المنشور الذي يتم نشره على المنصة لا يحيل المستخدم لوسيط آخر، ومن ثمّ الرابط هنا يصبح أداة انتقائية يستخدم فقط مع المواد ذات القيمة العالية، ما يتطلب تفعيل (النشر المدروس)». غير أنه طرح حلاً، وعدّه الأهم، قائلاً إن «الخيار الأكثر استدامة هو بناء علاقة مباشرة بين المؤسسة الإخبارية وجمهورها، بحيث لا تعتمد فقط على جمهور الزوار؛ لكن يجب أن يتحول هذا الجمهور من مجرد زائر إلى جمهور له ولاء لهذه المؤسسة من خلال الاشتراك في النشرات البريدية».

وأشار تقرير «Widely Viewed Content Report» الصادر عن «ميتا» في ديسمبر، إلى أن «منشورات (فيسبوك) التي تتضمن روابط تُحقق معدلات وصول محدودة داخل التطبيق». وأضاف أنه «لا توجد أرقام معلنة حول حجم الإقبال على خدمة (التوثيق) المدفوعة، لكن عند النظر إلى أرقام الربع الثالث من العام الحالي لدى (ميتا)، نجد أن إيرادات بند (أخرى) التي تتضمن (التوثيق) استمرت في الارتفاع، ووصلت الآن إلى 690 مليون دولار، وهو رقم يزيد على ضعف ما كان عليه عندما أطلقت (ميتا) خدمة (Meta Verified) في الربع الثاني من عام 2023».

من جهته، تحدث خبير إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في السعودية ومصر، خالد عبد الراضي، عن الدافع وراء اتجاه «ميتا» لتقييد الروابط، قائلاً: «يبدو أنه جزء من توجه (ميتا) لتعزيز الاشتراكات المدفوعة على منصتها، لا سيما أن خدمة (Meta Verified) حققت بالفعل عوائد ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، وتعتقد الشركة أن تبني إجراءات مشابهة لما فعلته منصة (إكس)، مثل تقييد نشر الروابط أو خفض مدى الوصول للحسابات غير المشتركة، قد يدفع مزيداً من المستخدمين إلى الاشتراك، بما ينعكس في النهاية على زيادة الإيرادات لصالح المنصة».

وأكد عبد الراضي لـ«الشرق الأوسط» أن «الإشكالية الكبرى أمام الناشرين، هي الاعتماد السابق على الإفراط في نشر الروابط، لذلك حان الوقت للانتقاء». وتابع: «بات توفير بدائل للنشر ضرورة مُلحة، مثل الاهتمام بمنصات منافسة، على شاكلة (إكس) و(تلغرام) وقنوات (واتساب)، وحتى (ماسنجر) الذي يعد جزءاً من (فيسبوك)، لكنه قد يسمح بالوصول المباشر للمستخدمين». وأضاف: «صحيح أن هذه البدائل قد لا تحقق مستوى الوصول والتفاعل نفسه الذي تمنحه الصفحات عبر منشورات الروابط على (فيسبوك)، لكنها قد توفر تعويضاً جزئياً في حال تم تقييد عدد الروابط المسموح بنشرها».

وطرح عبد الراضي مساراً عدّه طويل الأجل، وهو «تعزيز الـ (س. إي. أو) (SEO) للمواقع الإلكترونية... فتحسين الظهور على محركات البحث سينعكس مباشرة على زيادة الزيارات ورفع فرص الوجود». وأضاف: «في السابق أخطأ الناشرون بالاعتماد الكلي على منصات التواصل وإهمال القنوات المباشرة، التي لم تعد الآن خيارات ثانوية، بل يجب العمل عليها بوصفها ركائز أساسية لاستدامة الوصول وبناء الجمهور».


هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
TT

هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)

بينما تتسارع التطورات الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، وتلقي بظلالها على عملية إنتاج المحتوى الإعلامي، يبرز السؤال حول مدى تأثير ذلك على القواعد المهنية، وما إذا كان التحول الرقمي سيعيد تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

وبينما اتفق خبراء على أن التحولات الرقمية ألقت بظلالها بالفعل على القواعد المهنية، شددوا على ضرورة إعادة هيكلة تلك الإرشادات لإعطائها قدراً من المرونة يمكّنها من التعاطي مع التطورات التكنولوجية المتسارعة.

دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا بنيويورك، قالت في تقرير نشرته أخيراً، إن «الوقت يتغير وكذلك القواعد الأخلاقية»، مشيرة إلى أن «الصحافة تحتاج إلى أدلة استرشادية أخلاقية جديدة للتعاطي مع التحديات التكنولوجية المتسارعة»، حيث تثير التطورات الرقمية «معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل».

الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، أكد أن «التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل أخلاقيات الإعلام بطرق عميقة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «أخلاقيات الإعلام التقليدية مثل الدقة والإنصاف والمساءلة، صُمِّمت لبيئة إخبارية بطيئة تعتمد على العامل البشري، في حين أدخل التحول الرقمي ديناميكيات جديدة في ظل زيادة حدة التنافس الإعلامي في السعي وراء السبق والخبر العاجل، ما يجعل النشر السريع يفوق الدقة والتحقق».

وأشار إلى أن «ظهور (القبائل الرقمية) أو (غرف الصدى) بات نتيجة مباشرة لطبيعة استهداف المستخدم بناء على بياناته وتخصيص محتوى لفئات معينة دون غيرها، ما يضع تحديات أمام مبدأ خدمة المصلحة العامة». ويقول إن «التقنيات الرقمية باتت تحجب الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال ما يتطلب معايير أخلاقية مهنية جديدة»، موضحاً أنه «في ظل تحكم الخوارزميات في نشر المحتوى فإن المسؤولية الأخلاقية تمتد لتشمل شركات التكنولوجيا إلى جانب الصحافيين».

حقاً، كان الاعتقاد السائد أن «تغيّر الزمن لا يستدعي تغيّر الأخلاقيات، فقواعد الإعلام مثل الصدق والشفافية والاستقلال ثابتة مهما تغيّرت صناعة الإعلام». بحسب «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، لكنها تشير إلى «تغير هذا الاعتقاد السائد، فالقواعد الأخلاقية القديمة تتطلب إعادة تقييم لمواجهة المعضلات الرقمية الجديدة».

وفي رأي الصحافي اللبناني المدرّب في مجال التحقق من المعلومات، محمود غزيل، فإن «التطورات التي حدثت في الإعلام وتقنيات النشر تركت أثراً واسعاً على الرسالة الإعلامية وطرق استهلاكها، والأهداف التي ترنو إليها الجهات الإعلامية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما شهده العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ توسع مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الإطلاق الرسمي لمنصة (تشات جي بي تي) وانضمام العديد من حول العالم، ومن بينهم الصحافيون، إليها، واختبار مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي بمختلف أطيافه، جعلت العالم يقف للحظة لمراجعة قرارته وخطواته بما يتعلق بكيفية وشروط النشر».

وأضاف أنه «إلى جانب مشكلة توليد النصوص والمواد المكتوبة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وما قد يعتريها من (هلوسة) معلومات ومصادر، هناك أيضاً تحديات أخلاقية مختلفة، من بينها استخدام الفيديوهات والصور المولدة بالذكاء الاصطناعي»، موضحاً أنه «إن كان بعض أهل الصحافة والإعلام يقعون في فخ عدم التمييز بين الحقيقي والمزور، فمن الطبيعي على القارئ والمتابع أن يرتكب الخطأ نفسه، ما يجعل هناك أزمة معرفة».

وأكد أنه «يتوجب على وسائل الإعلام التي تلجأ إلى التقنيات الحديثة من أجل توليد المشاهد البصرية بسياق رمزي أو أرشيفي، توضيح ذلك للقارئ». وقال إن «الشفافية يجب أن تكون موجودة، مع العودة لمبادئ الصحافة المطبوعة في وصف الصورة ومصدرها».

وأشار غزيل إلى أن المسؤولية النهائية تظل على كاهل الصحافيين المحترفين، فلا يُعدّ أي محتوى إخبارياً ما لم يخضع لتدقيق وتحرير بشري، أي أن الفكرة تبدأ بالصحافي وتنتهي معه».

نقطة أخرى تطرق لها الصحافي اللبناني في حديثه تتعلق بمبدأ «الخصوصية»، حيث أثّرت التطورات التكنولوجية على خصوصية البيانات و«أصبح الصحافي قادراً على جمع المعلومات عبر منصات التواصل دون الحصول على إذن صاحبها ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ضرر معنوي ونفسي قد لا تكون القوانين المحلية حالياً قادرة على معالجته»، وشدد على «ضرورة التزام الصحافيين بمواثيق الشرف والقواعد الأخلاقية مهما بلغت التطورات التكنولوجية».

وتثير مسألة خصوصية البيانات كثيراً من الجدل في ظل محاولات دول عدة وضع قواعد وقوانين لحماية بيانات المستخدمين، في وقت ترى فيه منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا في ذلك «تقييداً لعملها».

وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس جامعة «شرق لندن» بالعاصمة البريطانية، الدكتور حسن عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التطورات التكنولوجية الرقمية أعادت بالفعل تشكيل أخلاقيات الإعلام»، مشيراً إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وتقنيات التزييف العميق وغيرها أدت إلى تسريع وتيرة إنتاج وتوزيع المعلومات، تزامناً مع طمس الحدود التقليدية بين الصحافيين والمنصات والجمهور».

وقال إن «التحولات الرقمية فاقمت التحديات الأخلاقية المرتبطة بالدقة، والخصوصية، والمساءلة، والتحيز، لا سيما ما يتعلق بانتشار (المعلومات المضللة) و(غرف الصدى)، والتلاعب بالرأي العام»، مشدداً على أن «هذه التطورات المتسارعة تتطلب إعادة صياغة لأخلاقيات الإعلام، حيث لم تعد الأطر التقليدية كافية في منظومة تهيمن عليها الخوارزميات وصنّاع المحتوى»، مشيراً إلى امتداد المسؤولية الأخلاقية إلى «شركات التكنولوجيا وعلماء البيانات ومصممي المنصات».

ويضرب نائب رئيس جامعة «شرق لندن» عدداً من الأمثلة على «عدم قدرة الأخلاقيات المهنية على التعاطي السريع مع التطورات التكنولوجية، من بينها انتشار المعلومات المضللة خلال حرب غزة التي لم تتمكن المنصات من احتوائها ومعالجتها بالسرعة الكافية، وقضية الإعلانات السياسية الموجهة وقدرتها على التلاعب وتوجيه الرأي العام معتمدة على بيانات المستخدمين».

وفي رأي عبد الله، فإنه «لمواكبة التطورات الرقمية، يجب أن تتطور أخلاقيات الإعلام في ثلاثة اتجاهات رئيسية»، الاتجاه الأول يتعلق بـ«دمج الأطر الأخلاقية في مبادئ حوكمة التكنولوجيا، ما يعني إلزام المنصات بالشفافية بشأن الخوارزميات واستخدام البيانات».

أما الاتجاه الثاني، بحسب عبد الله، فيتعلق بـ«تعزيز التعاون المتعدد التخصصات بين الصحافيين، وخبراء الأخلاق، والتقنيين، وصناع السياسات». وثالثاً، يقترح عبد الله «المراجعة الأخلاقية المستمرة داخل المؤسسات الإعلامية، ودمجها بقدر من التنظيم القانوني، والمعايير المهنية، ومبادرات محو الأمية الإعلامية للجمهور، بحيث تصبح القواعد الأخلاقية الجامدة مرنة بدرجة تسمح لها بالاستجابة للتطورات المتسارعة».

ختاماً، فإنه وفق «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، فإن «القواعد المهنية الأساسية للإعلام لم تتغير، فالصحافة لا تزال تؤمن بضرورة خدمة المصلحة العامة بعدالة واستقلالية وشفافية ودقة، لكن طبيعة العمل في عالم سريع التطور يفرض معضلات أخلاقية، قد يساعد وضع قواعد مهنية جديدة في التعامل معها، وهي قواعد ستتغير مع الوقت».