شكسبير كتب أروع أعماله أثناء تفشي الطاعون

ثمة اعتقاد بأن الكاتب الانجليزي تحول إلى الشعر عندما تسبب الوباء بإغلاق المسارح عام 1593

ليوناردو ديكابريو وكلير داينز في مشهد من فيلم «روميو وجولييت» (غيتي)
ليوناردو ديكابريو وكلير داينز في مشهد من فيلم «روميو وجولييت» (غيتي)
TT

شكسبير كتب أروع أعماله أثناء تفشي الطاعون

ليوناردو ديكابريو وكلير داينز في مشهد من فيلم «روميو وجولييت» (غيتي)
ليوناردو ديكابريو وكلير داينز في مشهد من فيلم «روميو وجولييت» (غيتي)

مثلما كل شيء آخر يتركه فيروس كورونا وراءه، يبدو وقف جميع المسارح الكبرى نشاطها وغلقها أبوابها بمختلف أرجاء العالم أشبه بمشهد سريالي، وإن كان بالتأكيد حتمياً وضرورياً. وفيما يخص برودواي، فإنه من المقرر أن تبقى أنواره مطفأة على مدار الشهر المقبل على الأقل. قبل إعلان غلق مسارح برودواي بيومين فقط، كان المنتج سكوت رودين قد عرض خصماً بقيمة 50 دولاراً على عروضه في برودواي، بما في ذلك «ويست سايد ستوري» و«ذي بوك أوف مورمون».
وقال رودين في بيان صحافي «لا يمكنني الادعاء بأن هذا الحل المثالي الذي كنا ننتظره، لكن يمكننا جميعاً الاستمتاع ببضعة ساعات في المساء بعيداً عن نشرات الأخبار»، ملمحاً إلى أن العروض التي يقدمها ربما تسهم في تخفيف بعض العبء النفسي خلال فترة تفشي الوباء.
ومع ذلك، ثمة جدال قائم حول ما إذا كان باستطاعة المسارح أن توفر سبيلاً بالفعل للترفيه وتحويل الانتباه بعيداً عن «أخبار المساء»، أم أنها قد تكون سبباً إضافياً لمزيد من المعاناة، منذ عصر شكسبير على الأقل. جدير بالذكر، أن المسارح في العصر الإليزابيثي كانت تغلق أبوابها باستمرار داخل لندن أثناء فترات تفشي الطاعون الدملي الذي حصد أرواح ثلث سكان المدينة تقريباً. وكانت القاعدة الرسمية السائدة آنذاك، أنه بمجرد أن يتجاوز معدل الوفيات 30 حالة أسبوعياً، يجب إلغاء العروض المسرحية. (عندما كان طفلاً، نجا شكسبير بالكاد من موجة تفشي للطاعون قضت على أشقائه الأكبر عنه. ومثلما الحال مع حاكم نيويورك، أندرو كومو، الذي حظر أي تجمعات تتجاوز 500 شخص، شعر مسؤولون بلندن في القرن الـ16 بالقلق من أن الأشخاص المتدفقين على المدينة «لمشاهدة عروض مسرحية بعينها» سوف «يتكدسون بجوار بعضهم بعضاً داخل غرف صغيرة»؛ الأمر الذي يخلق وسيلة «يمكن للعدوى بالطاعون، أو أي مرض معدٍ آخر من خلالها، الظهور والتفشي؛ الأمر الذي سيضر بشدة برفاهية هذه المدينة».
خلال العقد الأول من حكم الملك جيمس الأول، تفشى وباء الطاعون؛ ما تسبب في غلق مسارح لندن خلال فترات أطول عن فترات عملها. واضطرت فرقة شكسبير المسرحية، التي حملت اسم «ذي كينغز مين»، إلى الاعتماد على عطايا ملكية وتنظيم جولات ريفية لتعويض أضرارها جراء غلق المسارح في لندن.
في كتابه «عام لير»، ذكر الكاتب جيمس شابيرو، أن المختصين في علم الأوبئة لم يكونوا الوحيدين الذين ألقوا باللوم عن تفشي الوباء على السياح الذين يتنفسون معاً الهواء الملوث ذاته داخل صالات مغلقة تعرض مواد للترفيه، وإنما انضم إليهم المتشددون الدينيون الذين صبّوا جام غضبهم على الانحلال الأخلاقي المزعوم داخل دور المسارح والخطايا والآثام التي تقترف بها. من ناحيته، ادعى أحد الوعاظ في العصر الإليزابيثي، أن «سبب الأوبئة يكمن في الخطيئة»، و«سبب الخطيئة هو المسرحيات»، وبالتالي فإن «سبب الأوبئة هو المسرحيات».
في المقابل، فإن الأوبئة ربما تكون سبباً وراء ظهور بعض المسرحيات، ذلك أنه ثمة اعتقاد قائم منذ أمد بعيد بأن شكسبير تحول إلى كتابة الشعر عندما تسبب الطاعون في إغلاق المسارح عام 1593.
إلا أن شابيرو يعتقد أن موجة إغلاق أخرى للمسارح، عام 1616، عاونت شكسبير، الممثل والمشارك في ملكية فرقة «ذي كينغز مين»، على الانتهاء من كتابة الكثير من الأعمال الدرامية وتلبية الطلب على مسرحيات جديدة خلال موسم عطلات مزدحم داخل البلاط الملكي. وأشار شابيرو إلى أن شكسبير خلال ذلك العام أنجز كتابة «الملك لير» و«ماكبث» و«أنتوني وكليوباترا».
وبالنظر إلى أن الوباء الدملي ضرب بشدة الشباب على وجه التحديد، فإنه ربما يكون قد قضى على الكثير من منافسي شكسبير المسرحيين - فرق من الممثلين الصبية الذين هيمنوا على عالم المسرح مطلع القرن الـ17، وكان يجري التسامح إزاء تقديمهم عروض تحمل طابعاً سياسياً وساخراً أقوى عن منافسيهم الأقدم. جدير بالذكر، أن فرقة شكسبير استحوذت على مسرح «بلاكفريارز ثياتر» عام 1608 بعد انهيار الفرقة الأصلية التي كانت مستحوذة عليه. وبدأت فرقة شكسبير في تقديم أعمال أكثر قتامة وتميزاً، مستغلة في ذلك حصتها الجديدة في السوق.
وبجانب الفرص التجارية، أتاح الوباء مخزوناً قوياً من الاستعارات الدرامية. ومثلما أوضح شابيرو، فإن الإشارات إلى الوباء والتقرحات التي كان يسببها، تظهر في النصوص الشكسبيرية المنتمية إلى هذه الفترة.
جدير بالذكر، أنه في مسرحية «روميو وجولييت»، التي كتبت بعد انتهاء تفشي الطاعون عام 1593 مباشرة، فإن الراهب الذي كان من المفترض أن يخبر روميو بأن جولييت ليست متوفاة حقاً وإنما تتظاهر بذلك، منع من نقل رسالته لأنه كان قيد الحجر الصحي مع قس زميل كان يقدم المساعدة للمرضى. وفي النهاية، لا يتلقى روميو الرسالة قط ويقتل نفسه قبل أن تستفيق جولييت.
ولدى تعديله مسرحية شكسبير لتصبح عملاً مسرحياً موسيقياً بعنوان «ويست سايد ستوري»، رأى الكاتب المسرحي آرثر لورنتس أن الطاعون سبب غير منطقي لتعطيل توصيل الرسالة. وبالتالي، في النسخة التي طرحها أعاد صياغة النهاية بحيث تتعرض حاملة رسالة ماريا - ابنة عمها أنيتا - لاعتداء ورفض من جانب أصدقاء توني العنصريين. إلا أنه مع ظهور فيروس كورونا، فإن الحبكة المرتبطة بالحجر الصحي ربما تستعيد واقعيتها ومنطقيتها. وربما تصبح الشاشة السبيل الوحيد لمشاهد العمل المأسواي الذي أبدعه شكسبير منذ قرون.
- خدمات «ميديا تريبيون»


مقالات ذات صلة

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

يوميات الشرق سرطان الكبد من بين السرطانات الأكثر شيوعاً في العالم (جامعة ييل)

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

حذّرت دراسة أميركية من أن الإفراط في تناول الدهون والسكريات يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، وذلك من خلال تدمير الحمض النووي في خلايا الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شاي الكركديه يحتوي على نسبة عالية من مادة «البوليفينول» (غيتي)

مواد طبيعية قد تمنحك خصراً نحيفاً وقلباً صحياً وضغط دم منخفضاً

ثمة كلمة جديدة رائجة في مجال الصحة هي «البوليفينولات»، فبينما ظل العلماء يدرسون المركبات النباتية لسنوات، فقد جذب المصطلح الآن خيال الجمهور لسبب وجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ليست جميع المشروبات قادرة بالفعل على علاجك من نزلات البرد والإنفلونزا (رويترز)

مشروب منزلي يساعد في التخلص من نزلات البرد

تحدثت اختصاصية التغذية كيلي كونيك لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية عن المشروب المنزلي الأمثل لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الفواكه والخضراوات مليئة بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن (رويترز)

تناول الفواكه والخضراوات يقلل خطر إصابتك بالاكتئاب

أكدت دراسة جديدة أن زيادة كمية الفواكه والخضراوات في نظامك الغذائي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بمرور الوقت.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.