«في الوقت الحالي، أفضل شيء يمكن فعله هو أن تتصلوا بها هاتفياً، أو أن تحادثوها عبر (الفيديو). استخدموا (سكايب)، وتجنّبوا كل أنواع الاتصال الجسدي غير الضروري». ليس ذلك إعلاناً تجارياً لشركة الاتصال الأميركية (سكايب)، بل نصيحة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لمواطنيه في عيد الأم. حثّ جونسون البريطانيين على «تجنّب» أمهاتهم، أمس، في قطيعة مع تقليد بريطاني يمارسه الملايين كل سنة، ويجمع ثلاثة أجيال في بيت واحد.
فرض وباء «كوفيد - 19» على البريطانيين «المُحبين للحرية»، كما وصفهم جونسون، واقعاً جديداً يعاني كثيرون للتعايش معه، ويتحدّاه البعض، رغم التحذيرات الرسمية اليومية. أمرت الحكومة الجمعة الماضية بإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والحانات والملاهي ومحلات الترفيه والنوادي الرياضية حتى إشعار آخر، وناشدت مواطنيها بالبقاء في منازلهم واحترام قواعد التباعد الاجتماعي لوقف انتشار الوباء.
ورغم أن بريطانيا لم تشهد حصيلة إصابات ووفيات مرعبة، كالتي تسجلها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا المجاورة بعد، فإن وتيرة انتشار فيروس «كورونا» والتوقعات الرسمية بأن يصاب بين 60 إلى 80 في المائة من السكان في غياب ضوابط صارمة، ينذر بكارثة صحية واقتصادية قد تستمر حتى العام المقبل.
قوبلت استراتيجية الحكومة البريطانية لمكافحة الوباء المستفحل في أوروبا بكثير من الانتقاد. ففي الوقت الذي كانت دول أوروبية تفرض قواعد عزل صارمة، بدت لندن بطيئة في استجابتها لانتشار «كورونا»، معتمدة على نظرية «مناعة القطيع»، الهادفة إلى تكوين «مناعة جماعية» بين السكان، في حال تفشّي الفيروس ببطء.
هذه الاستراتيجية، التي كان مستشار جونسون المثير للجدل دومينيك كامينغز من أبرز الداعمين لها، وفق صحيفة «صنداي تايمز»، ترتكز على حماية الأفراد الأكثر عرضة للوفاة بسبب العدوى، من المرضى والمسنّين، والسماح بإصابة 60 في المائة من السكان على الأقل بالمرض بهدف تكوين مناعة تحميهم في ذروة الانتشار، إلا أن الحكومة غيّرت استراتيجيتها بداية الأسبوع الماضي، مع تمدّد انتشار الوباء، ومعاناة هيئة الصحة العامة لمواكبته، واعتمدت مقاربة أقرب من النموذج الأوروبي والآسيوي الدارج، عبر إغلاق المدارس ومنع التجمعات.
واعتبر جونسون، في تصريحات، أمس، أن التدابير التي تتخذها حكومته «لم تُشهد من قبل، سواء في وقت السلم أو الحرب»، ولكنها ضرورية، مشيراً إلى أن «أعداد (الإصابات) قاسية، وتزداد بوتيرة سريعة». وأضاف: «نحن على بُعد أسبوعين أو ثلاثة من الوضع في إيطاليا. لدى الإيطاليين نظام صحي رائع، ومع ذلك فإن أطباءهم وممرضاتهم يعانون من العبء الشديد جداً». وأظهرت الأرقام الأخيرة لوزارة الصحة نحو 6000 إصابة، توفي منهم 280 شخصاً.
لا تخلو خطابات المسؤولين البريطانيين في إحاطاتهم الصحافية اليومية من نبرة خوف وتحذير، فهم لا يحاولون إخفاء خطورة الوضع، بل يعمدون لرسم صورة قاتمة لوضع المستشفيات الرازحة أصلاً تحت ضغوط هائلة، التي تعاني من نقص في معدات العناية المركزة، كما يتوقّعون أن تستمر الأزمة 3 أشهر كأفضل تقدير. ولعل «استهتار» البعض في لندن «بؤرة الوباء»، ورفضهم الامتثال للتوجيهات الصحية هو ما دفع المسؤولين إلى إغلاق كل المرافق الاجتماعية في البلاد، بعد أقل من أسبوع من رفع مستوى التأهب.
ورغم إغلاق معظم المرافق الاجتماعية وخلو مواقع لندن السياحية من زوارها، ما زال المئات يتوافدون على الحدائق والأسواق المفتوحة، لا مبالين بدعوات «التباعد الاجتماعي» وتفادي المخالطة. ولم يستبعد وزير الإسكان، روبيرت جنريك، فرض قواعد «عزل» أكثر صرامة، وقال لشبكة «سكاي نيوز»: «نريد أن نستمر في ممارسة أنشطتنا في مجتمع حرّ، مع احترام التوجيهات الطبية. لكن الوضع ليس (لعبة)... وإن لم يحترم الناس النصائح الطبية، سنبحث طرقاً أخرى». وكان جنريك يشير ضمنياً إلى النموذج الفرنسي، الذي يفرض على المواطنين ملء استمارة تبرر سبب خروجهم، يقدّمونها لأفراد الأمن المنتشرين في المدن. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة تأخرت في التحرّك، بالوقت الذي يبدو أن بريطانيا تسير على خطى إيطاليا من حيث عدد الإصابات، قال جنريك: «لا أعتقد».
وتحتفظ بريطانيا بنحو 20 ألف جندي لدعم جهود الشرطة في حال طبّقت قواعد حجر أكثر صرامة، أو أصبح القطاع الصحي بحاجة الجيش لدعم عملياته.
وبينما يرتقب البريطانيون «إغلاقاً» محتملاً، هذا الأسبوع، أمرت الحكومة مليون ونصف مليون شخص بالعزل الذاتي لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، في محاولة لتجنب إصابتهم بـ«كوفيد - 19». ويشمل التوجيه مرضى سرطان الدم (لوكيميا)، والمصابين بأمراض تنفسية حادة، ومن خضعوا لعمليات زراعة أعضاء، وغيرهم. وقال بيان من مديرية المجتمعات إنه «بالنسبة للأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعة واحدة أو أكثر معرضة للخطر، فستقوم عيادة طبيبهم العام أو المختص أو كليهما بالاتصال بهم أو نصحهم بشدة بالبقاء في منازلهم لفترة 12 أسبوعاً على الأقل».
كما سيتم تخصيص خطّ هاتفي لمساعدة من هم في أمسّ الحاجة إليه، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، وسيتم الإعلان عن ترتيبات لتوصيل أدوية وأغراض إلى منازل الأشخاص المعزولين.
البريطانيون يتجنبون أمهاتهم في عيدهن... ويستعدون لأيام صعبة
مليون ونصف المليون في الحجر الإجباري وسط ترقب لفرض إجراءات أكثر صرامة
البريطانيون يتجنبون أمهاتهم في عيدهن... ويستعدون لأيام صعبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة