توقعات بتجميد عقوبات أميركية بحق شخصيات لبنانية غير شيعية

بعد قرار إطلاق عامر الفاخوري ورغم تمييز الحكم

TT

توقعات بتجميد عقوبات أميركية بحق شخصيات لبنانية غير شيعية

سلكت الإجراءات القضائية في ملف آمر معتقل «الخيام» السابق المتعامل مع إسرائيل عامر الفاخوري، مسارها القانوني، وسط تأكيدات بأن الفاخوري لم يغادر الأراضي اللبنانية بعد إصدار الحكم بوقف التعقب بحقه يوم الاثنين الماضي، ثم تمييز الحكم الأول، أول من أمس الثلاثاء، وإصدار قرار آخر يقضي بمنعه من السفر.
وتسلمت محكمة التمييز العسكرية - الغرفة الجنائية برئاسة القاضي طاني لطوف أمس، طلب التمييز المقدم من مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري طعناً بالقرار الصادر عن المحكمة العسكرية بكفّ التعقبات عن الفاخوري، على أن يتم اتخاذ القرار من محكمة التمييز بإعادة المحاكمة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن الفاخوري لم يغادر الأراضي اللبنانية، خلافاً لما أشيع، لافتة إلى أن محامية عنه تم توكيلها متابعة ملفه، تراجع القضاء المختص بملفه.
ورغم هذه الإجراءات القضائية، فإن النقاش السياسي المتعلق بقرار الإفراج عنه لا يزال محور أخذ ورد، وهو مما دفع بمصادر مواكبة إلى التأكيد لـ«الشرق الأوسط» أن الملف «قضائي بامتياز»، بينما «يجري تسييسه خلافاً لطبيعة الملف الأصلية».
وقالت المصادر إن القاضي الذي أصدر الحكم بوقف التعقب، كان أمامه ملف بالوقائع دفعه لإصدار الحكم استناداً إلى «قاعدة مرور الزمن العشري»؛ أي مرور 20 عاماً على الجرائم المنسوبة إليه، مشيرة إلى أنه في قضية مقتل معتقل تحت التعذيب وإخفاء جثته في عام 1985، كان الفاخوري آمراً للسجن، وثبتت وفاة المعتقل علي عبد الله حمزة تحت التعذيب.
أما في واقعة فضّ الانتفاضة في السجن في عام 1989، فتبين أن شخصين كانا ضالعين بالعملية التي أسفرت عن مقتل اثنين من المعتقلين، قد مثُلا أمام القضاء بناء على تحقيقات أمنية وقضائية وتمت محاكتهما، وتبيّن أن الفاخوري أيضاً كان مداناً في القضية لأنه كان آمراً للسجن، لكنها شددت على أن قرار وقف التعقب يستند إلى مرور الزمن في القضية.
وإذ أشارت المصادر إلى أن المادة المرتبطة بـ«مرور الزمن» موجودة منذ عام 1973، لفتت إلى أنه «بعد تحرير جنوب لبنان في عام 2000 وحصول الانتخابات النيابية في صيف العام نفسه، حاز (حزب الله) و(حركة أمل) وحلفاؤهما الأغلبية في مجلس النواب»، وسألت المصادر: «لماذا لم يلغوا آنذاك مادة (مرور الزمن العشري) من قانون العقوبات، خصوصاً أنه بعد التحرير تم إخلاء سبيل كثيرين من المدانين بالتعامل مع العدو، ومنعت المحاكمة عنهم بذريعة أنهم كانوا مخبرين يتعاونون مع المقاومة والأجهزة الأمنية»، كما لفتت إلى أن هؤلاء «شاركوا في الانتخابات البلدية والاختيارية في عام 2004 بعد التحرير».
ولفتت المصادر إلى أنه قبل عام 2016 كان اسم الفاخوري موجوداً على القائمة التي أعدّتها هيئة أركان الجيش بناءً على توصية من مديرية المخابرات وتم تعميمها على الأمن العام لتنفيذها لتوقيف المدرجين عليها على المعابر البرية والبحرية والجوية، لكن اسمه شُطب من القائمة في عام 2016، وتأكد محاميه من ذلك لدى مراجعة الأجهزة الأمنية المعنية ذلك أن الملاحقة سقطت بمرور الزمن، لذلك توقف تعقبه، ما أتاح له الدخول إلى لبنان في سبتمبر (أيلول) 2019، قبل أن يصار إلى توقيفه إثر ضجة بسبب عودته إلى لبنان.
وقالت المصادر إن وضعه الصحي الآن «دقيق للغاية»، وكان يتلقى العلاج في أحد المستشفيات اللبنانية. والقرار الذي أصدره العميد حسين عبد الله بوقف التعقب عنه يوم الاثنين، ليس الأول في لبنان في حالات مماثلة، بالنظر إلى أنه كانت هناك حالات سابقة في عام 2000 وعام 2003... وغيرها، حيث انطبق على كثيرين «مرور الزمن» واستفاد كثيرون من هذه المادة، لذلك تقول المصادر إنه «لا يمكن الحكم بالشيء ونقيضه، وهو ملف قضائي بحت».
لكن الإفادة السياسية من الموضوع، ورغم أن العميد عبد الله ليس طرفاً فيها، لا تنكرها المصادر، مذكرة بـ«الإصرار الأميركي على إطلاق سراح الفاخوري».
وفيما أشارت إلى أن «حزب الله» و«حركة أمل» تحفظا على القرار، أكدت أن «جهات نافذة في الدولة تعدّ أن الإفراج عنه يقطع الطريق على لائحة عقوبات تكاد تصدر عن وزارة الخزانة الأميركية ستطال شخصيات لا يستهان بها من خارج الطائفة الشيعية، وتعدّ تلك الجهات النافذة أن الملف يمكن أن يُجمّد لائحة العقوبات المتوقعة والتي لمح إليها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته إلى بيروت في العام الماضي، وترددت على لسان السفير ديفيد هيل والسفيرة الأميركية السابقة لدى لبنان إليزابيث ريتشارد ومساعد وزير الخارجية الأميركي لمكافحة الإرهاب ديفيد شينكر».
في غضون ذلك، أعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم أنها أكدت خلال جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أنه لا تجوز المقارنة بين إطلاق المحكومين الذين أمضوا مدة عقوبتهم ويجب إطلاق سراحهم بإعفائهم من دفع الغرامات، وبين إطلاق الفاخوري الذي كان قيد التوقيف والمحاكمة، حيث إن المحكومين قد نفذوا محكوميتهم، بينما لا يزال ملف الفاخوري قيد المتابعة لدى المراجع القضائية المختصة.



​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
TT

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) باليوم العالمي للمعلم، فيما لا يزال المعلمون في اليمن يعانون من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون، إذ اعتقلت الجماعة ألف معلم على الأقل، وأجبرت عشرات الآلاف على العمل من دون رواتب منذ ثمانية أعوام، في حين اضطر الآلاف إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش.

وإلى جانب تدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتأخر صرفها والنزوح القسري، طال من يعمل في قطاع التعليم الانتهاكات طوال العشر السنوات الأخيرة، سواء من خلال التسريح القسري والاختطافات، أو نتيجة تحويل الحوثيين المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات لتجنيد الطلاب، أو نشر الأفكار الطائفية بهدف تغيير التركيبة المذهبية في البلاد.

انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

في هذا السياق ذكرت الشبكة اليمنية لروابط الضحايا أن المعلم اليمني يستقبل هذه المناسبة وهو يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية، مما يحوّل هذه الذكرى إلى يوم حزين بدلاً من يوم احتفاء.

وقالت الشبكة إنه منذ ما يقارب عشر سنوات من الحرب التي تسبب بها انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها، يعاني المعلم من أزمة إنسانية متفاقمة، تتمثل في حرمانه من حقوقه المالية والمدنية والسياسية، وتعرضه لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختطاف والتهجير القسري.

ووفق ما ذهبت إليه الشبكة، فقد أدت هذه الأوضاع «المأساوية» إلى تدهور حاد في مستوى التعليم، وتفشي الجهل والأمية بين صفوف الشباب. ومع تأكيدها أنها تدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المعلمون في اليمن، أدانت بشدة جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان حصول المعلمين على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وطالبت الشبكة التي تضم روابط ضحايا الانتهاكات في اليمن بصرف مرتبات المعلمين ومستحقاتهم بشكل منتظم، لضمان استقرارهم المعيشي، وتمكينهم من أداء مهامهم التعليمية على أكمل وجه، وتوفير بيئة عمل آمنة للمعلمين، حفاظاً على حياتهم وكرامتهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في عملهم، والإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين والمختطفين في سجون الحوثيين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

معدلات الأمية ارتفعت إلى 70 % في الأرياف اليمنية (إعلام محلي)

كما طالبت الشبكة بتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية التي تأثرت بسبب الحرب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني.

ودعت جميع الأطراف وعلى وجهة الخصوص جماعة الحوثي المسلحة التي يتعرض المعلمون في مناطق سيطرتها إلى أشكال متعددة من الانتهاكات الممنهجة، إلى تحمل مسؤولياتها، والعمل الجاد على إنهاء معاناة المعلمين، وصرف رواتبهم، وتوفير الظروف المناسبة لهم لأداء دورهم الحيوي في بناء مجتمع يمني مزدهر.

مأساة التعليم

أكد «مركز ألف لحماية التعليم» أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات بالغة التعقيد خلال العقد الأخير، متجاوزين كل الصعوبات التي فرضتها ظروف النزاع وانعدام الأمن، حيث أثرت الحرب والهجمات المسلحة على قطاع التعليم بشكل كبير مما أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء.

وبحسب ما أورده المركز بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، فإن هناك ما يقارب من ألف معلم مختطف ومحتجز قسراً معظمهم لدى جماعة الحوثي، وذكر أن هذا الأمر انعكس سلباً على روح وواقع العملية التعليمية، ودفع كثيراً من المعلمين للبحث عن وظائف بديلة.

وناشد المركز المعني بحماية التعليم الحوثيين سرعة صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتهم، التي توقفت منذ عام 2016، والإيفاء بالتزاماتهم تجاه عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وضمان حمايتهم من الاعتقال والاختطافات والإخفاء القسري والحجز التعسفي.

كما ناشد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحسين رواتب المعلمات والمعلمين في مناطق سيطرتها، والتي لا تفي بأبسط متطلبات الحياة المعيشية الضرورية في ظل تدهور أسعار الصرف وتفشي البطالة.

الحوثيون أجبروا عشرات الآلاف من المعلمين على العمل دون رواتب منذ 8 أعوام (إعلام محلي)

ودعا المركز الجهات المهتمة بالتعليم إلى تبني مشاريع تضمن استمرارية التعليم وتحسين جودته، وتعمل على دعم المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم خاصة في ظل وجود شريحة واسعة من المتطوعات والمتطوعين الذين يعملون في الميدان لتغطية نسب العجز الكبيرة في الطاقم المدرسي، ودون أدنى معايير التأهيل والتدريب.

وتحدّث المركز عما وصفها بـ«مأساة التعليم في اليمن» وقال إن نسبة الأمية تقدر بنحو 70 في المائة في الأرياف، و38 في المائة في المدن، وذكر أن 45 في المائة من المعلمين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وأن 13.8 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية، كما أن الخصخصة والافتقار إلى التنظيم أثرا سلباً على جودة التعليم في الوقت الذي يدخل فيه التعليم خارج اليمن مرحلة التحول الرقمي.

وكانت إحصائية حكومية حديثة ذكرت أن 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم في اليمن، وهو رقم يزيد بمقدار الضعف على الرقم المسجل مع بداية النزاع، حيث لم يتجاوز العدد مليوني طفل.

مدارس طائفية

أفادت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قطاع التعليم يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية نتيجة وقف التوظيف منذ عام 2011، ومن بعد ذلك الحرب التي أشعلها الحوثيون في نهاية عام 2014.

وقالت المصادر إن كثيراً من المدارس استعانت بمتطوعين للعمل وتغطية العجز، إذ يحصلون على مكافآت شهرية متدنية لا تتجاوز عشرين دولاراً في الشهر يتم توفيرها من التبرعات التي يقدمها التجار أو من عائدات السلطات المحلية.

وأثّر تراجع سعر العملة المحلية، وفق المصادر، بشكل كبير على رواتب الموظفين العموميين وفي طليعتهم المعلمون، حيث أصبح راتب المعلم الواحد خمسين دولاراً بعد أن كان يعادل مائتي دولار.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الوضع دفع بمجاميع كبيرة إلى ترك العمل في سلك التعليم والالتحاق بالتشكيلات العسكرية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أعلى.

المياه تغمر ساحة إحدى مدارس صنعاء والطلاب ملزمون بالدوام (إعلام محلي)

وفي مناطق سيطرة الحوثيين تحدثت المصادر العاملة في قطاع التعليم عن تدهور مخيف في مستويات الالتحاق بالمدارس مع زيادة الفقر، وعجز الأسر عن توفير متطلبات التحاق أبنائها، والعروض التي يقدمها الحوثيون للمراهقين في سبيل الالتحاق بجبهات القتال والحصول على راتب شهري يساوي 100 دولار، إلى جانب التغذية ووضع أسرهم في صدارة قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الإغاثية.

ووفق هذه الرواية، فإن اهتمام الحوثيين بتحويل المدارس إلى مواقع لاستقطاب المراهقين، ونشر الأفكار الطائفية وقطع مرتبات المعلمين وفرار الآلاف منهم خشية الاعتقال دفع بالجماعة إلى إحلال عناصرها بدلا عنهم، واختصار الجدول المدرسي إلى أربع حصص في اليوم بدلاً من سبع.

كما وجهت الجماعة عائدات صندوق دعم المعلم لصالح المدارس الطائفية الموازية التي استحدثوها خلال السنوات الأخيرة، ويتم فيها منح المعلمين رواتب تصل إلى 700 دولار، كما توفر هذه المدارس السكن الداخلي، والتغذية، والكتب المدرسية بشكل مجاني للملتحقين بها.