«مناعة القطيع»... خطة تطبقها بريطانيا لمواجهة «كورونا» وتواجه انتقادات

رسالة مفتوحة من علماء في المملكة المتحدة يحبذون تدابير التباعد الاجتماعي

رجل يضع قناعاً واقياً في أكسفورد ستريت بالعاصمة البريطانية (رويترز)
رجل يضع قناعاً واقياً في أكسفورد ستريت بالعاصمة البريطانية (رويترز)
TT

«مناعة القطيع»... خطة تطبقها بريطانيا لمواجهة «كورونا» وتواجه انتقادات

رجل يضع قناعاً واقياً في أكسفورد ستريت بالعاصمة البريطانية (رويترز)
رجل يضع قناعاً واقياً في أكسفورد ستريت بالعاصمة البريطانية (رويترز)

حذر رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون في مؤتمر صحافي الخميس الماضي، من أن «كثيراً من العائلات ستفقد أحباءها بسبب تفشي فيروس كورونا»، معلناً أن حكومته تتخذ استراتيجية «مناعة القطيع» في التعامل مع الفيروس المستجد الذي أودى بحياة 35 حالة، وبلغت حالات الإصابة 1543، حتى اليوم (الاثنين) في بريطانيا.
وتعتمد سياسة «مناعة القطيع» في التعامل مع تفشي كورونا المستجد على تكوين «مناعة جماعية» بين السكان في حال تفشّي الفيروس ببطء. كما تعتمد على مواجهة «غير مشددة» للفيروس المستجد.
وترتكز فكرة «مناعة القطيع» على حماية الأفراد المعرضين للخطر من العدوى بشكل أساسي، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وقال المستشار العلمي للحكومة باتريك فالانس إن «مناعة القطيع» قد تنجح إذا أصيب 60 في المائة من السكان بالمرض، متابعاً: «ما تريد القيام به هو حماية الناس في فترة ذروة العدوى».
ويعني حديث المستشار العلمي للحكومة البريطانية أن 60 في المائة من سكان بريطانيا البالغ عددهم ما يقرب من 66.5 مليون نسمة يكتسبون مناعة ضد «كوفيد 19». أي يصاب نحو 40 مليوناً، مع إصابة 8 ملايين شخص بشكل حرج، وهؤلاء سوف يحتاجون الرعاية الصحية في المستشفيات وليس العزل المنزلي. والسيناريو الأسوأ هو مجموع وفيات قد يصل إلى مليون شخص، حسبما ذكر الموقع الرسمي لمنتدى الاقتصاد العالمي.
لكن مناعة القطيع عادة ما ينظر إليها على أنها استراتيجية وقائية في برامج التلقيح، لكن إذا لم يكن هناك لقاح للمرض كما في حالة كورونا، فإن تحقيق مناعة القطيع قد يدفع نسبة كبيرة من السكان للإصابة والتعافي، حسب المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.

وأعلن جونسون أن الانتقال إلى مرحلة جديدة في خطة المواجهة، بما يهدف إلى تأخير ذروة الأزمة وتخفيف الضغط عن المرافق الصحية، وقال أثناء مؤتمر صحافي في مقر الحكومة: «إنّها أسوأ أزمة صحية عامة لهذا الجيل». وأشار إلى أنّ السلطات لا تعتزم حالياً منع التجمعات الكبيرة أو إغلاق المدارس.
وصدم رئيس الوزراء البريطاني العالم حين نقل عن مسؤول كبير في الصحة أن يكون عدد المصابين بين 5 آلاف و10 آلاف في المملكة المتحدة، حسبما أشار تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وأوضح أنه يعتمد على العلم في اعتماد استراتيجية «مناعة القطيع».
ويقول أعضاء فريق جونسون إن منهجهم، رغم أنه يعدّ أكثر هدوءاً من الجهود التي تقوم بها الدول الأخرى، يعتمد على النمذجة المتطورة التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى خفض معدل وفيات الفيروس بين المجموعات المعرضة للخطر في المملكة المتحدة بنسبة تصل إلى الثلث.

والمخاطرة في ذلك هي أن جونسون هو من سيتحمل اللوم إذا ثبت أن تلك الإجراءات غير كافية للحد من انتشار الفيروس في الأسابيع والأشهر المقبلة، وفقاً لتقرير نشره موقع «بلومبرغ».
وتعتمد استراتيجية المملكة المتحدة على أنه إذا استمر انتشار الفيروس التاجي، فسيصبح من المستحيل منع معظم الناس من التقاطه.
ويقول العلماء في الفريق إن مهمتهم هي إبطاء عملية التقاط العدوى بكورونا، وتقليل عدد الأشخاص المصابين في أي وقت، ودفع لحظة ذروة العدوى إلى أشهر الصيف لضمان عدم تحميل الخدمة الصحية الوطنية أعباء متزايدة. ويستخدم العلماء نماذج رياضية لفهم طريقة انتشار المرض، وهو تحدٍ يعتمد بشكل كبير على توقّع السلوك.
وأعطت الحكومة التي تسعى حالياً إلى تأخير ذروة الوباء إلى الصيف بهدف استيعاب أثر الصدمة على القطاع الصحي، توجيهات إلى الأشخاص الذين يشعرون بأعراض الإصابة بالبقاء في منازلهم أسبوعاً.
وبررت الحكومة البريطانية هذه الاستراتيجية لمواجهة المرض بالتأكيد أن اتخاذ تدابير حاسمة في وقت مبكر قد يقلل من قدرة السكان على تقبلها عند بلوغ الأزمة ذروتها. وبحسب فريق العلماء، هناك خطر آخر يتمثل في فرض قيود في وقت مبكر جداً من تفشي المرض، يتمثل في إرهاق الناس وتجاهلهم للتعليمات عندما يصبح الأمر مهماً وأكثر جدية.

* انتقادات
وانتقد عدد من خبراء الصحة العامة طريقة تعامل الحكومة مع هذه الأزمة، معتبرين أنّها غير كافية. واعتبروا أن «الشفافية ضرورية للمحافظة على تعاون المجتمع العلمي والطبي وثقته، فضلاً عن تفهم الرأي العام»، معربين عن خشيتهم من كون المملكة المتحدة لا تأخذ بعين الاعتبار تجربة الدول الأخرى.
وردت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية السبت الماضي على استراتيجية حكومة جونسون بالقول: «يمكن الحديث بشكل نظري، لكن الآن يجب التصرف أمام هذا الوضع»، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأثارت تدابير الحكومة البريطانية الجدل بين العلماء، ووصف أكثر من 200 عالم في المملكة المتحدة استراتيجية الحكومة بأنها «تضحي بحياة الناس وتخاطر أكثر من اللازم»، حسبما ذكروا في رسالة مفتوحة نشرتها وسائل إعلام بريطانية.
وفي الرسالة، أثار 229 مختصاً في الرياضة وعلم الوراثة وخبراء في علم انتشار الأمراض التساؤلات حول رؤية «مناعة القطيع»، حسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، معتبرين أن الإجراءات الحالية «غير كافية ويجب أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر تقييداً على الفور»، على غرار دول أخرى طالها «كوفيد 19».
وقال العلماء إن «تدابير التباعد الاجتماعي» (مثل منع التجمعات والحجر الصحي وتعطيل المدارس والجامعات والعمل من المنزل) الأقوى ستبطئ بشكل كبير معدل انتشار المرض في المملكة المتحدة، وستنقذ آلاف الأرواح.
واعتبر تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء أن المملكة المتحدة تمتلك سياسة «متأخرة» نحو 4 أسابيع عن دول أوروبية أخرى في التعامل مع كورونا.
وسعى وزير الصحة مات هانكوم بدوره إلى إخماد الجدل القائم حول «المناعة الجماعية» التي تحدث عنها مستشار الحكومة للشؤون العلمية باتريك فالانس، والتي تستوجب إصابة 60 في المائة من السكان. وقال إنّ «المناعة الجماعية لا تمثّل هدفنا أو سياستنا، إنّه مصطلح علمي»، مضيفاً أنّ «سياستنا هدفها حماية الأرواح وهزم الفيروس».
وقال هانكوك، خلال مداخلة عبر «سكاي نيوز»: «نرغب في أن تكون لدينا أفضل استجابة في العالم في ظل انتشار الوباء. إنّ التدابير التي نتخذها وتلك التي سنتخذها مهمة جداً وستثير بلبلة على صعيد الحياة اليومية للجميع في البلاد».
وفي إطار دفاع الحكومة البريطانية عن سياستها لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد في ظل الانتقادات التي وجّهت إليها، ذكرت الحكومة أنّها تعتزم اتخاذ تدابير لعزل المسنين الذين يزيد عمرهم على 70 عاماً لفترات تصل إلى 4 أشهر.
ووسط سيل الانتقادات التي يوجّهها باحثون إلى الحكومة لاعتبارهم أنّها تتأخر في اتخاذ إجراءات جذرية، تكشف حكومة جونسون في شكل محدود عبر وسائل الإعلام الخطوات التي ستدخل حيز التنفيذ «في الأسابيع المقبلة»، وهو إجراء سبق أن أقرته الدول المجاورة.
وألغي أو أرجئ كذلك عدد من المناسبات مثل مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، وماراثون لندن والانتخابات المحلية في مايو (أيار). وأرجأت الملكة إليزابيث كذلك كإجراء «احترازي» لقاءاتها المقررة الأسبوع المقبل في قصر باكنغهام. وأرجأ ابنها تشارلز أيضاً جولة كانت مقررة الأسبوع المقبل في البوسنة وقبرص والأردن.
ووفق الصحافة البريطانية، فإنّ الحكومة تتطلع إلى وضع عيادات طبية وحتى فنادق في خدمة علاج مرضى، علاوة على إغلاق الحانات والمطاعم والمدارس، وهو ما سبق أن قامت به دول أوروبية عدة.


مقالات ذات صلة

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ (رويترز)

زوكربيرغ: البيت الأبيض ضغط على «فيسبوك» لفرض رقابة على محتوى «كورونا»

أقر الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ بقيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط على موقع «فيسبوك» لفرض رقابة على المحتوى المتعلق بجائحة كورونا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا هانس كلوغه (أرشيفية - رويترز)

«الصحة العالمية»: جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد»

قال المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا، هانس كلوغه، اليوم (الثلاثاء)، إن جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم ممرضة تحضر جرعات من لقاح «كورونا» في دار للمسنين بإسبانيا (إ.ب.أ)

بريطانيا: الآلاف يطالبون بتعويضات بعد إصابتهم بمشكلات خطيرة بسبب لقاحات «كورونا»

تقدم ما يقرب من 14 ألف شخص في بريطانيا بطلبات للحصول على تعويضات من الحكومة عن الأضرار المزعومة الناجمة عن تلقيهم لقاحات «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب اعتباراً من ديسمبر بعد فرض ضوابط صارمة منذ عام 2020 بسبب جائحة «كورونا» (أ.ف.ب)

كوريا الشمالية تستأنف استقبال الزوار الأجانب في ديسمبر

قالت شركات سياحة، اليوم (الأربعاء)، إن كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب في مدينة سامجيون بشمال شرقي البلاد في ديسمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (سول)

قبل البرازيل... 8 دول تحجب منصة «إكس»

شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
TT

قبل البرازيل... 8 دول تحجب منصة «إكس»

شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)
شخص برازيلي يتصفح تطبيق «إكس» قبل حظره في بلاده (أ.ف.ب)

تحظر دول عدة، لا سيما ذات الأنظمة الاستبدادية، منصة «إكس» التي بدأ (السبت) حجبها في البرازيل؛ بسبب دورها في «نشر معلومات كاذبة»، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأثبتت هذه الشبكة الاجتماعية، المحظورة أيضاً بشكل مؤقت في عديد من الدول، قدرتها على نشر المعلومات حول الاحتجاجات السياسية التي وقعت، على سبيل المثال، في مصر خلال عام 2011 وتركيا في عامَي 2014 و2023 أو حتى في أوزبكستان قبل الانتخابات الرئاسية عام 2021 وبعدها.

الصين

حظرت الصين منصة «تويتر» (الاسم السابق لـ«إكس») حتى قبل أن يذيع صيتها في العالم. واعتاد الصينيون عدم استخدامها منذ يونيو (حزيران) 2009، أي قبل يومين من إحياء الذكرى العشرين لحملة القمع الدامية التي شنّتها الصين في ساحة تيانانمين، واستبدلوا بها منصتَي «ويبو» و«ويتشات» على نطاق واسع.

إيران

حظرت السلطات «تويتر» في أعقاب الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، التي جرت في يونيو 2009، وهو قرار لا يزال سارياً حتى الآن بعد مرور 15 عاماً على إصداره.

لكن التطبيق أسهم في نقل أخبار تتعلق بالحركات الاحتجاجية للخارج، على غرار تلك المناهضة للقمع الذي تتعرّض له النساء، في نهاية عام 2022.

تركمانستان

بدأت الدولة المعزولة للغاية في آسيا الوسطى حجب «تويتر» في مطلع 2010، بالإضافة إلى عديد من الخدمات والمواقع الأجنبية الأخرى.

ويخضع تصفح الإنترنت الذي توفره حصراً شركة «تركمان تيليكوم» المملوكة للدولة، لمراقبة السلطات.

كوريا الشمالية

بعد تقاربها مع «الأجانب المهتمين بالبلاد» وفتح حسابها الخاص على «تويتر» في عام 2010، حجبت كوريا الشمالية التطبيق في أبريل (نيسان) 2016، إلى جانب «فيسبوك» و«يوتيوب» ومواقع المراهنة والمواد الإباحية.

ويخضع الوصول إلى الإنترنت، باستثناء عدد قليل من المواقع الحكومية، لمراقبة شديدة من النظام المنغلق على نفسه، الذي يحصر استخدام الشبكة بعدد قليل من المسؤولين.

ميانمار

يتعذّر الوصول إلى المنصة منذ فبراير (شباط) 2021، بعد حظرها على خلفية الاحتجاجات المناهضة للانقلاب العسكري الذي أطاح حكومة أونغ سان سو تشي المدنية.

ومنذ ذلك الحين، ظل المجلس العسكري الحاكم مصمماً على تقييد الإنترنت.

روسيا

قيدت موسكو استخدام «تويتر» عبر إبطاء الوصول إليه منذ عام 2021، مستنكرة نشر «محتوى غير قانوني».

ثم منعت الوصول إلى الموقع رسمياً في مارس (آذار) 2022، فور بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا. لكن عديداً من الروس يستخدمون «إكس» عبر برنامج «الشبكة الافتراضية الخاصة» أو «في بي إن (VPN)» الذي يخفي عنوان المتصل بالبرنامج، وبالتالي يتيح الالتفاف على الحظر.

باكستان

حظرت الحكومة، المدعومة من الجيش، منصة «إكس» منذ الانتخابات التشريعية في فبراير (شباط) 2024. وعزت القرار إلى «أسباب أمنية».

وكان حساب معارض، هو حساب حزب رئيس الوزراء السابق عمران خان المسجون، قد نشر عبر المنصة اتهامات بحصول عمليات تزوير على نطاق واسع.

فنزويلا

أمر الرئيس نيكولاس مادورو، الذي أُعيد انتخابه في يوليو (تموز) على الرغم من التشكيك بحدوث عمليات تزوير، بحظر المنصة لمدة 10 أيام في التاسع من أغسطس (آب)، بالتزامن مع مظاهرات تم قمعها بعنف في جميع أنحاء البلاد.

والحظر لا يزال سارياً رغم انقضاء المهلة.

البرازيل

تم الحجب بموجب أمر قضائي تضمّن فرض غرامات قدرها 50 ألف ريال (نحو 9 آلاف دولار) على الأشخاص الذين يلجأون إلى «الحيل التكنولوجية» للالتفاف على الحجب، مثل استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (في بي إن).