انتخابات محليَّة في فرنسا تتحدى الخوف من «كورونا»

توقعات بتراجع المشاركة بعد حث ماكرون كبار السن على البقاء في منازلهم

قصر فرساي القريب من باريس ويكاد يخلو من زائريه (أ.ف.ب)
قصر فرساي القريب من باريس ويكاد يخلو من زائريه (أ.ف.ب)
TT

انتخابات محليَّة في فرنسا تتحدى الخوف من «كورونا»

قصر فرساي القريب من باريس ويكاد يخلو من زائريه (أ.ف.ب)
قصر فرساي القريب من باريس ويكاد يخلو من زائريه (أ.ف.ب)

تجرى اليوم الدورة الأولى للانتخابات البلدية الفرنسية، وسط أجواء ملبدة، عنوانها تفشي وباء كورونا، والتخوف من انتشاره على نطاق واسع، رغم الإجراءات والتدابير التي أقرتها الحكومة الفرنسية. وثمة تساؤلان رئيسيان تصعب، وفق المراقبين السياسيين، الإجابة عنهما مسبقاً: الأول، يتناول نسبة المشاركة التي يتوقع أن تكون ضعيفة بسبب المخاوف من ارتياد مكاتب الاقتراع، خصوصاً بالنسبة لكبار السن الذين حث الرئيس إيمانويل ماكرون من تجاوز منهم السبعين على البقاء في منازلهم. والثاني، مدى تأثير كيفية تعاطي السلطات مع الوباء على وجهة انتخاب الفرنسيين. وبكلام آخر، هل جعل الرئيس والحكومة مواجهة تفشي الوباء أولوية قصوى لعملهما سيلاقيه الناخبون بالاقتراع لصالح اللوائح التي يتبناها الحكم والحزب الرئاسي «فرنسا إلى الأمام»، أم أن الطابع المحلي للانتخابات سيجعلها بعيدة عن التأثر بتبعات الفيروس وانعكاساته السياسية؟
تجدر الإشارة إلى أن ماكرون حسم الجدل بين ساعٍ لتأجيلها ومصرٍ على إجرائها، بإعطاء الضوء الأخضر للسير بها. لكنه أرفق ذلك بالدعوة لاتخاذ الحيطة، والتزام تدابير الوقاية، مثل غسل اليدين قبل وبعد الاقتراع، والتقيد بمسافة آمنة في الصفوف، وتجنب ساعات الازدحام، واستخدام القلم الشخصي للتوقيع على السجل الانتخابي، واللجوء إلى التوكيل، في حال تعذر الانتقال شخصياً.
وذهب أدوار فيليب، رئيس الحكومة، في الاتجاه عينه، مشيراً إلى أن «المخاطر» المحيطة بعملية الاقتراع «لا تزيد» على تلك التي يواجهها أي متسوق في محل تجاري. ورغم ذلك كله، فإن مراقبين تساءلوا عن نسبة احتمال إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الأحد المقبل، إذا استمر الوباء بالتفشي، علماً بأن ماكرون شخصياً نبه من وصول «الموجة الثانية» منه في الأيام أو الأسابيع المقبلة. كذلك، فإن وزير الصحة أوليفيه فيران حذر من أن الوباء ما زال في «بداياته».
وهكذا، في انتخابات استثنائية، لم تعرف الجمهورية الخامسة أجواء مشابهة لها في تاريخها، فإن 47.7 مليون ناخب وناخبة موزعين على 35 ألف مدينة وقرية مدعوون اليوم للتقدم من مكاتب الاقتراع، في منافسة ستوفر رؤية واضحة لتوزع موازين القوى السياسية، بعد أقل من 3 أعوام على وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه. وليس سراً أن الرئيس الحالي، البالغ من العمر 43 عاماً، ينوي الترشح لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستحصل ربيع عام 2022. وبالتالي، فإن الانتخابات المحلية التي تحصل بعد عامين حفلا بالإضرابات ومظاهرات «السترات الصفراء، والاحتجاجات ضد تغيير أنظمة التقاعد، وضد تعديل شهادة البكالوريا، وبشكل عام ضد الإصلاحات الحكومية» ستكون بمثابة اختبار لشعبية ماكرون وصورته. ومعضلة حزب ماكرون ثلاثية الأوجه: فهو، أولاً، لا يتمتع، بعكس بقية الأحزاب القديمة، بانغراس محلي «تاريخي»، نظراً لحداثة عهده. ومن هنا، فإنه يتقدم لهذا النوع من الانتخابات للمرة الأولى بلوائح خاصة به، وجل من يستطيع الاعتماد عليهم جاءوه إما من اليمن أو من اليسار. وثانياً، عودة حزب اليمين الكلاسيكي (الجمهوريون) إلى الساحة السياسية بعد النكسات المتلاحقة التي ألمت به منذ الانتخابات الرئاسية عام 2017، وهو بذلك يسترجع نسبة من محازبيه وأنصاره الذين التحقوا بحزب «فرنسا إلى الأمام». وثالثاً، يرى الخائفون من سياسة ماكرون أن الانتخابات المحلية فرصة للتعبير عن حنقهم من السياسات التي سار عليها منذ وصوله القصر الإليزيه، والتي يرون أنها تميل إلى الطبقات العليا.
ويبدو واضحاً، من خلال قراءة دقيقة للخريطة الانتخابية المحلية، ومن خلال استطلاعات الرأي، أن حزب ماكرون لن يكرر هذه المرة «الإنجاز» الذي حققه في الانتخابات الأوروبية العام الماضي، عندما نجح في احتلال المرتبة الثانية، متخلفاً بنسبة ضئيلة عن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبن. ويعترف قادة الحزب أن آمالهم بنتائج مماثلة قد تراجعت. وبعد أن تراجع رهانهم على الفوز بمدينتين رئيسيتين، هما باريس وليون، فإنهم اليوم يأملون بمضاعفة أعداد المنتخبين على لوائحهم. ومع ذلك، فإن أنظارهم مركزة على «معركة باريس» التي ترتدي أهمية استثنائية. كذلك، فإن الأنظار ستتوجه إلى مدينة «لوهافر»، شمال غربي فرنسا، حيث يترشح رئيس الحكومة إدوار فيليب الذي سبق له أن شغل منصب عمدة المدينة لولايتين، قبل أن يستدعيه ماكرون ويكلفه برئاسة الحكومة.
وكان حزب «فرنسا إلى الأمام» يعد باريس لقمة سائغة يسهل الفوز بها، وانتزاعها من براثن رئيسة بلديتها الحالية آن هيدالغو، اشتراكية الهوى التي «ورثتها» عن اشتراكي آخر هو برتراند دولانويه. والدليل على ذلك أن 4 مرشحين من داخل الحزب، بينهم وزيران، شمروا عن سواعدهم وتهيأوا لهذه المهمة. لكن خيار ماكرون وقع، عبر لجنة ترشيح صورية، على الوزير بنجامين غريفو، الناطق باسم الحكومة رفيق دربه السياسي منذ أن كان وزيراً للاقتصاد. وأثار هذا الخيار نقمة النائب سيدريك فيلاني، وهو شخصية محترمة وعالم رياضي رفض الإمحاء والخضوع للخيار الرئاسي. وجاءت فضيحة غريفو الجنسية لتدفعه إلى الانسحاب. عندها، ضاقت الخيارات، وعمد ماكرون إلى تسمية وزيرة الصحة أنياس بوزين للحلول مكانه، ما جعل المنافسة في العاصمة تدور بين 3 نسوة، هن: هيدالغو، وبوزين، ومرشحة اليمين الكلاسيكي رشيدة داتي، وزيرة العدل الأسبق رئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس. وداتي المنحدرة من أصول مغربية أخذ ينظر إليها على أنها «فلتة الشوط» لنجاح حملتها. وتفيد استطلاعات الرأي بأنها تتقارب مع هيدالغو في نسب الأصوات التي يمكن أن تحصلا عليها «24 إلى 26 في المائة»، بينما مرشحة ماكرون تأتي في المرتبة الثالثة «نحو 19 إلى 20 في المائة». وباتت تسمع في الأيام الأخيرة نغمة تحالف داتي - بوزين في الدورة الانتخابية الثانية، لغرض انتزاع باريس من هيدالغو. وتعول الأخيرة على أصوات اليسار، وعلى البيئيين، وكل الناقمين على ماكرون، للمحافظة على رئاستها، ولكن أيضاً على برنامجها الانتخابي الذي يركز على تحويل باريس إلى مدينة «بيئية» خضراء، ينحسر فيها دور السيارة لصالح وسائل النقل العام والسيارات الكهربائية والدراجات، وعلى زيادة الشوارع والساحات المخصصة فقط للمشاة وزرع آلاف الأشجار. وبالمقابل، فإن ثنائية داتي - بوزين عناوينها: الأمن، والنظافة، والبيئة. وتتميز باريس «ومعها ثاني أكبر مدينتين ليون ومرسيليا» بنظام انتخابي معقد. فالعاصمة مقسومة إلى 17 دائرة انتخابية، كل منها يتمتع بعدد من «المستشارين» يتناسب مع عدد سكانها. ويبلغ العدد الإجمالي لهؤلاء 163 مستشاراً، هم الذين ينتخبون رئيسة البلدية. وبشكل عام، تنقسم باريس إلى قسمين: غربها «البورجوازي» الذي يميل يميناً، وشرقها «الشعبي» الذي يميل يساراً. وبما أن الشرق له الغلبة ديموغرافياً، فإن عدد مستشاريه هو الأعلى، ما يوفر لـهيدالغو عدداً أكبر منهم. لكن الأمور غير محسومة، وكل السيناريوهات واردة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».