واشنطن و«طالبان» تتفقان على إنهاء 18 عاماً من الحرب الأفغانية

الإفراج عن آلاف السجناء من الطرفين وانسحاب أميركي تدريجي فوراً

وقع الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد (يسار) والمسؤول السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار (إ.ب.أ)
وقع الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد (يسار) والمسؤول السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار (إ.ب.أ)
TT

واشنطن و«طالبان» تتفقان على إنهاء 18 عاماً من الحرب الأفغانية

وقع الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد (يسار) والمسؤول السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار (إ.ب.أ)
وقع الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد (يسار) والمسؤول السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار (إ.ب.أ)

ستعمل أميركا فوراً على خطة مع كل الأطراف المعنية في النزاع الأفغاني، للإفراج عن السجناء السياسيين والمقاتلين، والتوصل إلى هدنة دائمة تم الاتفاق عليها بين واشنطن و«طالبان»، في خطوة اعتبرت «تاريخية» لوضع حد للوجود الأميركي، وللعنف، في هذا البلد الذي تمزقه الحروب منذ أربعة عقود. وستفرج الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية عن 5 آلاف أسير مقابل إفراج «طالبان» عن ألف أسير لديها.
إلا أن مستشار الأمن القومي الأفغاني صرح، كما نقلت عنه «رويترز»، بأن الحكومة لم تقطع التزاماً بالإفراج عن 5 آلاف من أسرى «طالبان» بحلول 10 مارس (آذار).
الاتفاق بين أميركا و«طالبان»، التي حكمت أفغانستان حتى 2001، إلى أن تم إخراجها من الحكم بعد الغزو الأميركي، الذي جاء على خلفية هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، يقضي بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، خلال 14 شهراً، ويمثل خطوة نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً. وعلى الرغم من أن الاتفاق يمهد الطريق أمام الولايات المتحدة للانسحاب تدريجياً من أطول حروبها، فإن كثيرين يتوقعون أن تكون المحادثات بين الأطراف الأفغانية المتعددة أكثر تعقيداً بكثير. ومن المفترض أن تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين «طالبان» وسلطات كابل بحلول 10 مارس، استكمالاً للاتفاق الموقع في الدوحة بين الولايات المتحدة والجماعة المتطرفة، وفقاً لمسؤولين أميركيين. وقال مسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الاتفاق ينص على تاريخ 10 مارس، لكن علينا أن نكون واقعيين»، بينما رجّح مسؤول آخر أن تبدأ المفاوضات في النصف الأول من مارس، وأن تعقد في أوسلو. وحسب المسؤولين، فإنّ التحدي الرئيسي يكمن في صعوبة تشكيل وفد موحد يجمع الحكومة الأفغانية والمعارضة والمجتمع المدني، في ظل الخلافات القائمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وستبدأ القوات الأميركية، فوراً، عملية الانسحاب التدريجي من أفغانستان، بعد توقيع الاتفاق مع الحركة المسلحة، على أن ينخفض عدد الجنود من 13 ألفاً إلى 8600 «خلال أشهر معدودة». وتستند عملية الانسحاب إلى برنامج زمني مبدئي ومشروط، يرتبط بشكل رئيسي بمدى احترام الحركة لضمانات أمنية التزمت بها، وبالتقدم في المفاوضات بين الأطراف الأفغانية. وقال المسؤول الأميركي لوكالة الصحافة الفرنسية، «إذا فشل الحل السياسي، وفشلت المفاوضات، فلا شيء يجبر الولايات المتحدة على سحب جنودها».
مراسم توقيع اتفاق إحلال السلام في أفغانستان، تم بحضور شخصيات من عدة دول، وذلك عقب تهدئة لمدة سبعة أيام أعلنتها واشنطن و«طالبان»، وانتهت أول من أمس الجمعة، أي قبل يوم من التوقيع الرسمي على الهدنة الدائمة أمس السبت.
ووقع الاتفاق في الدوحة المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد، والمسؤول السياسي لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار. وحضر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مراسم التوقيع. وفي تلك الأثناء، وصل وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، إلى كابل، في زيارة قال مسؤولون وخبراء إنها تهدف إلى طمأنة الحكومة الأفغانية على التزام الولايات المتحدة تجاه أفغانستان.
وقال البيت الأبيض، في بيان، إن الاتفاق يضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانية، مرة جديدة، لتهديد حياة الأميركيين، مضيفاً أن الجنود الأميركيين قاموا بعمل مهم في اقتلاع الإرهاب وجلب السلام، لكن الوقت قد حان لإعادتهم إلى البلاد وإنهاء أطول حروب الولايات المتحدة. وأضاف البيان أن الولايات المتحدة ستخفض عدد قواتها في أفغانستان، وستبقي على قوات مكافحة الإرهاب لتفكيك المجموعات الإرهابية، وأن مسار سحب القوات مرهون باحترام «طالبان» تعهداتها. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن حركة «طالبان» تعهدت بقطع علاقاتها مع تنظيم «القاعدة»، والعمل على مكافحة الإرهاب، مضيفاً أن الاتفاق مع «طالبان» لا معنى له إذا لم يتم تطبيق بنوده. وكان لافتاً عدم توقيع بومبيو بنفسه على الاتفاق، رغم حرصه على وصوله السبت إلى الدوحة، لحضور التوقيع، ما دفع الصحافيين لسؤاله عن ذلك. وقال بومبيو إن سبب عدم توقيعه شخصياً على الاتفاق مع «طالبان» يعود إلى رغبته في أن يقوم المفاوض الأميركي والدبلوماسي زلماي خليل زاد، الذي أشرف على الوصول إلى هذا الاتفاق، بالتوقيع عليه بنفسه، تقديراً لجهوده. وقال بومبيو للصحافيين «أردت الوجود هنا من أجل أن أحضر هذه اللحظة التاريخية، خدمت في الجيش، وأعرف مدى التضحية التي يقوم بها الجنود في أفغانستان». كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد حض الشعب الأفغاني على اغتنام الفرصة لمستقبل جديد. وقال «في النهاية سيتوقف الأمر على شعب أفغانستان كي يحدد مستقبله. لذا، نحض الشعب الأفغاني على اغتنام هذه الفرصة من أجل السلام ومستقبل جديد». وأضاف: «في حال كانت (طالبان) والحكومة الأفغانية على مستوى الالتزامات، سنمضي قدماً لوضع حد للحرب في أفغانستان وإعادة جنودنا إلى الوطن».
وأثناء توقيع الاتفاق، التقى إسبر بالرئيس الأفغاني أشرف غني، في كابل، وأصدر الاثنان إعلاناً مشتركاً. وفي تصريحات بالقصر الرئاسي، في وجود غني والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، قال إسبر «هذه لحظة مفعمة بالأمل، لكن هذه هي البداية فحسب. الطريق لن يكون سهلاً. سيتطلب تحقيق السلام الدائم في أفغانستان الصبر والتنازل من جميع الأطراف». وتابع قائلاً: «إذا التزمت (طالبان) بالاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستبدأ تقليصاً مشروطاً، وأكرر مشروطاً، للقوات». لكنه أضاف أنه إذا لم تف الحركة بالتزاماتها، فإن واشنطن لن تترد في إلغاء الاتفاق. وأشار إلى أن الولايات المتحدة والشركاء الدوليين سيواصلون تزويد قوات الأمن الأفغانية بالدعم اللازم.
كما شارك في حفل توقيع الاتفاق مسؤولون عن 18 دولة، أبرزهم وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي، إضافة إلى مشاركة 4 منظمات دولية. ودعا بومبيو «طالبان» للوفاء بتعهداتها بقطع العلاقات مع «القاعدة»، ومواصلة القتال ضد تنظيم «داعش». الملا بارادار، زعيم «طالبان»، قال إنه يرغب في إقامة نظام إسلامي بأفغانستان، ودعا الفصائل الأفغانية إلى العمل من أجل تحقيق ذلك. ويمثل الاتفاق بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، فرصة للوفاء بتعهده بإعادة القوات الأميركية إلى الوطن. لكن خبراء أمنيين وصفوا الاتفاق بأنه مقامرة سياسية تضفي الشرعية على حركة «طالبان» على الساحة الدولية. وقالت السفارة الأميركية في كابل، على «تويتر»، «إنه يوم فارق بالنسبة لأفغانستان». وأضافت: «يتعلق الأمر بصنع السلام وصياغة مستقبل مشترك أكثر إشراقاً. نقف إلى جانب أفغانستان».
وقبل ساعات من توقيع الاتفاق، أمرت «طالبان»، جميع مقاتليها، «بالامتناع عن شن أي هجوم... من أجل سعادة الأمة». وقال ذبيح الله مجاهد، وهو متحدث باسم الحركة، «نأمل أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة بوعودها خلال التفاوض واتفاق السلام، وهذا هو المهم». وأضاف أن استمرار تحليق الطائرات العسكرية الأجنبية فوق الأراضي الخاضعة لسيطرة «طالبان»، «أمر‭‭ ‬‬مثير‭ ‬للقلق واستفزازي». وبالنسبة لملايين الأفغان، يمثل الاتفاق بارقة أمل على إنهاء سفك الدماء المستمر منذ سنوات. وقال جاويد حسن، وهو معلم يبلغ من العمر 38 عاماً، لـ«رويترز»، ويعيش على مشارف العاصمة الأفغانية كابل، «السلام بسيط للغاية وبلادي تستحقه. وهذا يوم ربما نشهد خلاله تغييراً إيجابياً». وفقد حسن أطفاله في تفجير نفذته «طالبان» عام 2018، ويبعث برسائل إلى زعماء العالم منذ ذلك الحين لحثهم على إنهاء الحرب الأفغانية.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.