أفغانستان على أعتاب اتفاق تاريخي بين واشنطن و«طالبان»

حكومة كابل غائبة عن حفل توقيع تحضره 30 دولة غداً

أفغانستان على أعتاب اتفاق تاريخي بين واشنطن و«طالبان»
TT

أفغانستان على أعتاب اتفاق تاريخي بين واشنطن و«طالبان»

أفغانستان على أعتاب اتفاق تاريخي بين واشنطن و«طالبان»

كان استقبال حركة «طالبان» لتنظيم «القاعدة» على أرض أفغانستان السبب الرئيسي للغزو الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وبعد أكثر من 18 عاماً على وجود القوات الأميركية في هذا البلد الذي مزقته الحروب وأفقرته، تنوي الولايات المتحدة و«طالبان»، وبضمانات دولية التوقيع يوم غد (السبت)، لإنهاء أربعة عقود من النزاعات في أفغانستان. لكن الاستقرار لا يبدو مضموناً في ظل الغموض المحيط بنية «طالبان» والأزمات السياسية التي تهدّد بإبقاء البلد الفقير في نفقه المظلم.
وحسب أرقام الأمم المتحدة، أنفقت واشنطن أكثر من ألف مليار دولار في هذه الحرب، على مدار ما يزيد على 19 عاماً، التي قُتل وأصيب فيها أكثر من مائة ألف مدني أفغاني منذ 2009، والتي اعتُبِرَت الأطول في تاريخ التدخلات العسكرية الأميركية.
من المتوقَّع أن يحضر ممثلون عن 30 دولة حفل التوقيع، غداً (السبت)، في الدوحة، رغم أن الحكومة الأفغانية لن ترسل مندوباً، حسبما أفاد به مسؤول أفغاني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح: «لسنا جزءاً من هذه المفاوضات. نحن لا نثق في (طالبان)». ويأتي توقيع الاتفاق في الدوحة بعد أكثر من عام من المحادثات بين «طالبان» والولايات المتحدة، التي علّقت عدة مرات بسبب أعمال العنف.
ولم يتم الإفصاح عن فحوى الاتفاق، كما تقول «الصحافة الفرنسية» في تقريرها، لكن من المتوقَّع أن يتيح للجيش الأميركي، كما يرغب الرئيس الأميركي دونالد ترمب وجزء كبير من الطبقة السياسية والرأي العام الأميركي، بدء انسحاب من أطول حروبه، ويفتح الباب لحوار بين المتمردين والحكومة في كابل. وفي مرحلة أولى، سينخفض عدد القوات في أفغانستان من نحو 13 ألفاً حالياً إلى 8600. وهو العدد الذي كان منتشراً هناك مع وصول ترمب للرئاسة في 2016. قبل انسحابات بالتدريج لن تحدث إلا إذا احترمت «طالبان» التزاماتها. ويعد المتمردون بتوفير ضمانات أمنية فيما يتعلَّق بمكافحة «الإرهاب»، والبدء فوراً في مفاوضات سلام مباشرة مع السلطات في كابل، على الرغم من اعتبارهم الرئيس أشرف غني أداة في يد واشنطن. وسيُوقّع الاتفاق بعد أسبوع من هدنة جزئية غير مسبوقة صامدة بشكل عام. وقال وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو في اليوم الرابع من الهدنة الثلاثاء: «نحن على مشارف فرصة تاريخية للسلام. إن الحدّ من العنف يتم احترامه بشكل غير تام، لكنه ينجح». وطرد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة حركة «طالبان» من السلطة بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وخاض المتمردون الذين كانوا يحكمون كابل منذ 1996 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2001، حملة متواصلة أودت بحياة أكثر من 2400 جندي أميركي، وعشرات الآلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية.
ومن المحتمل أن تضع هذه العداوة مستقبل الاستقرار في مهب الريح، في وقت تتفاقم فيه التوترات السياسة في أفغانستان، وسط رفض الولايات المتحدة تأييد إعادة انتخاب غني بشكل مباشر بعد أشهر من انتخابات شابتها مزاعم احتيال. وكان ترمب وعد بإنهاء «الحروب العبثية التي لا نهاية لها»، إلا أن محلّلين حذروا من أنّ الاستعجال في مغادرة أفغانستان قد يتسبب بوضع صعب لا يُمكِن تصوُّره. وقال كولن كلارك الباحث في مركز «صوفان» للأبحاث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنّ «واشنطن ستحقق هذا الهدف، وستعلن النصر، وبعد ذلك سيحمّلون الأفغان مسؤولية أي شيء يحدث». وتابع: «ما الحافز لدى (طالبان) للالتزام بالاتفاق، خاصة عندما يكون لديهم ما يريدون، وهو الانسحاب الأميركي؟».
المحادثات الماراثونية شابها التوتر في أحيان كثيرة، وامتدَّت حتى وقت طويل من الليل في عدة مناسبات.
وبدا أنّ الطرفين على وشك الاتفاق على صفقة، بعد انتهاء الجولة التاسعة من المحادثات الشاقة في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن ترمب نسف العملية بعد مقتل جندي أميركي في هجوم بكابل أُلقي باللوم فيه على «طالبان»، ثم أعلن فجأة أنه دعا «طالبان» إلى الولايات المتحدة، قبل أن يتراجع عن ذلك. ويهدد تغيير ترمب المستمر لمواقفه بتراجع عن «اتفاق الدوحة» في اللحظة الأخيرة، على الرغم من تعهُّد الرئيس الأميركي بـ«وضع اسمه» على الصفقة إذا استمرت الهدنة الجزئية. وكتب المسؤول الثاني في حركة «طالبان»، سراج الدين حقاني، في مقال غير مسبوق في صحيفة «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي، أن الحركة «ملتزمة بالكامل» باحترام الاتفاق المزمع توقيعه.
وكشف حقاني الذي يتزعم شبكة باسمه، تصنفها واشنطن «إرهابية»، وتُعتبر الفصيل الأكثر دموية في التمرُّد الأفغاني، موقف القيادة العليا للمتمردين، بعد أكثر من عام من المفاوضات. وقال: «الجميع فقد عزيزاً عليه. الجميع تعب من الحرب. أنا مقتنع بضرورة انتهاء أعمال القتل». ورغم ذلك، حذّر كلارك من أنّ حقاني «لم يندد بـ(تنظيم القاعدة)» في المقال، مما يثير التشكيك في نية «طالبان» ملاحقة المتطرفين.

أفغانستان... من {الحرية الدائمة} إلى {خفض العنف}
> في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2001، بعد أقل من شهر من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) التي أسفرت عن نحو ثلاثة آلاف قتيل، أطلق الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عملية «الحرية الدائمة» في أفغانستان، بعدما رفض نظام طالبان تسليم زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.
> في غضون أسابيع، أطاحت قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة بحركة طالبان التي كانت تحكم البلد منذ 1996.
> فضلا عن شنها غارات جوية، قدمت الولايات المتحدة الدعم كذلك إلى «تحالف الشمال» الأفغاني الذي كان يقاتل حركة طالبان، عبر مساهمة عناصر شبه عسكرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والقوات الخاصة، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية بمناسبة التوقيع على الاتفاق.
> تم نشر نحو ألف جندي أميركي على الأرض في نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل رفع عددهم إلى عشرة آلاف في العام التالي.
> تحولت الأنظار عن أفغانستان في عام 2003 مع اجتياح القوات الأميركية العراق الذي أصبح بدوره على رأس أولويات الولايات المتحدة.
> في هذه الأثناء، أعادت حركة «طالبان» وغيرها من الجماعات الإسلامية تجميع صفوفها في معاقلها في جنوب وشرق أفغانستان، التي يمكنها أن تنتقل منها بسهولة عبر الحدود من وإلى المناطق القبلية الباكستانية.
> في عام 2008، طلبت قيادة القوات الأميركية على الأرض تعزيزات لتنفيذ استراتيجية فعالة ضد تمرد طالبان.
> وافق الرئيس بوش على إرسال مزيد من الجنود. وبحلول منتصف العام ذاته، وصل عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى 48 ألف جندي.
> في عام 2009، خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس باراك أوباما الذي تم انتخابه بناء على وعود بإنهاء حربي أفغانستان والعراق، ارتفع عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان إلى نحو 68 ألفا.
> في ديسمبر (كانون الأول)، أرسل أوباما 30 ألف جندي إضافي. والهدف كان وقف تمرد حركة طالبان وتعزيز المؤسسات الأفغانية.
> بحلول عام 2010، بلغ عدد الجنود الأجانب في أفغانستان أكثر من 150 ألفا بينهم مائة ألف أميركي.
> قُتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، العقل المدبر وراء اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ليلة الأول إلى الثاني من مايو (أيار) 2011 في عملية للقوات الأميركية الخاصة في باكستان حيث كان مختبئا.
> في 31 ديسمبر 2014، وقعت أفغانستان اتفاقا أمنيا ثنائيا مع الولايات المتحدة ونصا مشابها مع حلف شمال الأطلسي، يقضيان بأن يبقى 12 ألفا و500 جندي أجنبي على أراضيها، بينهم 9800 أميركي سيبقون في البلاد في عام 2015 بعد انتهاء المهمة القتالية للحلف الأطلسي في نهاية 2014.
> كلفت القوات الأميركية مواصلة «عمليات مكافحة الإرهاب ضد بقايا القاعدة» وتدريب القوات الأفغانية.
> في نهاية ديسمبر، انتهت المهمة القتالية للحلف الأطلسي وحلت محلها بعثة مساعدة أطلق عليها اسم «الدعم الحازم».
> الوضع الأمني سجل تدهورا واضحا مع توسع تمرّد «طالبان» وقد أصبح تنظيم «داعش» أيضا ناشطاً في مطلع عام 2015.
> في يوليو (تموز) 2016، أبطأ أوباما وتيرة انسحاب القوات الأميركية، قائلاً إن 8400 جندي سيبقون حتى عام 2017.
> في أبريل (نيسان) 2017، ألقى الجيش الأميركي أكبر قنبلة غير نووية استخدمها على الإطلاق في عملياته القتالية تعرف بـ«أم القنابل»، مستهدفا مواقع لتنظيم «داعش» تضم شبكة من الأنفاق والكهوف في الشرق، ما أسفر عن مقتل 96 «جهاديا».
> في 21 أغسطس (آب) 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفا يناقض تصريحاته السابقة بتأكيده أن القوات الأميركية ستبقى في أفغانستان حتى إشعار آخر، وأرسل تعزيزات من آلاف الجنود.
> في منتصف نوفمبر من العام نفسه، وصل ثلاثة آلاف جندي لدعم القوات المنتشرة في البلاد، إلا أن الهجمات الدامية تضاعفت خصوصاً تلك التي تستهدف القوات الأفغانية. وكثفت الولايات المتحدة من جهتها الضربات الجوية ضد المتمردين.
> صيف 2018، بدأت واشنطن وممثلون عن «طالبان» محادثات سرية مباشرة، يرأسها الموفد الأميركي الخاص زلماي خليل زاد، تركز على خفض الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. في المقابل، تطلب الولايات المتحدة من «طالبان» منع استخدام البلد كملاذ آمن للجماعات الإرهابية بما في ذلك «القاعدة».
> وسط استمرار أعمال العنف التي ترتكبها «طالبان»، قرر ترمب فجأة وقف المحادثات بعد مقتل 12 شخصا في هجوم في كابل أحدهم جندي أميركي.
> في السابع من ديسمبر، استؤنفت المفاوضات في الدوحة لكن تمّ تعليقها مجدداً بعد هجوم شنّته حركة «طالبان» قرب قاعدة باغرام العسكرية حيث تنتشر القوات الأميركية.
> خلال زيارة مفاجئة إلى باغرام في 28 نوفمبر، أعلن ترمب أنه مستعدّ لتخفيض عدد القوات الأميركية إلى نحو 8600 عسكري.
> في 13 فبراير (شباط) أعلنت الولايات المتحدة الاتفاق على «خفض العنف» لمدة أسبوع، ما يمهّد الطريق لتوقيع اتفاق السبت في الدوحة بين واشنطن والمتمردين لانسحاب القوات الأميركية.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.