«لاورا وخوليو» رواية إسبانية تمجد النبل الإنساني

«لاورا وخوليو» رواية إسبانية تمجد النبل الإنساني
TT
20

«لاورا وخوليو» رواية إسبانية تمجد النبل الإنساني

«لاورا وخوليو» رواية إسبانية تمجد النبل الإنساني

تمجد رواية الكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس، «لاورا وخوليو»، قيمة التسامح لدى البشر، وتعلي من قدرها، بينما تفضح الزيف والخيانة وتضعهما في مواجهة غير متكافئة مع الصدق والوفاء.
يضع مياس منذ بداية الأحداث بطله «خوليو» في لحظة إنسانية مناقضة تماماً لما يمكن أن يقوم به أي شخص طبيعي، ويجعله يتخذ قرارات على عكس ما يمكن أن يتصرف سواه، فالكاتب على امتداد مقاطع روايته يقدم نموذجاً إنسانياً استثنائياً، يخدم أناساً لا يقدمون شيئاً بلا ثمن، ويغفر ويفتح باب منزله لمن يخونوه، ويضحي من أجل طفلة نبتت من علاقة غير شرعية، ويحتويها في نهاية الأمر.
تبدأ الرواية التي صدرت حديثاً ضمن سلسلة «الجوائز» بـ«هيئة الكتاب» المصرية، من ترجمة وتقديم أحمد عبد اللطيف، بحادثة سير تعرض لها إحدى شخصيات الرواية، وهو مانويل الذي تغلغل في حياة خوليو مهندس الديكور السينمائي، وزوجته لاورا، وأضاء بإصابته منطقة مظلمة كانت بينهما، وجعل جسراً كان خالياً من المارة يزدحم فجأة بالعابرين، وتجري مع مياه نهره الكثير من الأحداث والمفاجآت الصادمة، التي كان أكثرها قسوة اكتشاف خوليو أن جاره الذي كان يعتبره واحداً من أفراد أسرته، كان على علاقة مع زوجته، وأن الجنين الذي تحمله ليس من صلبه، وأن ظهور مانويل في حياته واتخاذه الشقة المجاورة لها سكناً له كان مخططاً من الزوجة التي كانت تعرفت عليه قبل عامين في مقر عملها، حيث تعمل مدلكة في أحد المراكز الصحية بالعاصمة الإسبانية مدريد. لم يكن الأمر برمته سوى تمثيلية تعرض لها خوليو، وظل طوال عامين يتفرج على فصولها، دون أن يدرك، ولو للحظة، أنه كان ضحية لخدعة حبكتها زوجته، وتولت ومانويل إدارتها بحرفية بالغة، فقد أقنعا خوليو أن ما يحدث حوله حقيقي وواقع لا كذب فيه.
تدور الأحداث في الرواية التي حصلت قبل 30 عاماً على جائزة «نادل» الإسبانية حول 8 شخصيات، تتحرك في فضائها، تظهر وتختفي، ولكل منها قصته التي يستولدها المؤلف حيناً، ويضفرها في نسيج قصة خوليو حيناً آخر، ليجعلها أكثر عمقاً، ويعطي لها أبعاداً تضيء الكثير من جوانب شخصيته، وتشير في الوقت ذاته لما سيتخذه من مواقف، وهذه ربما نقطة الضعف الوحيدة التي يمكن ملاحظتها في عمل خوسيه مياس، الذي يسهل على قارئ روايته أن يتنبأ بسلوك بطله في النهاية، ويجعله يتخذ طريق الخير، فالشر لا يؤدي إلى الشر مطلقاً في عرف خوليو بطل ميّاس، بل نراه يقبل برضا كامل الأمر الواقع وما آلت إليه الأمور، وهو ما يفعله مع طفلة زوجته من مانويل الذي انتهوا من دفنه منذ أيام، فنجده في نهاية الرواية، وهو يغير لها ملابسها حتى تعود زوجته من عملها.
ويعتمد ميّاس في سرد الأحداث على تقنية الحكايات الإشارية التي تجعل القارئ، من خلال النظر فيها، يدرك ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في نهاية العمل، وهو ما يمكن التنبؤ به بعد قراءة قصة السيدة العجوز ومحصلة المتجر، وما اتفقتا عليه، ثم جحود المحصلة، واستيلاؤها على ما في منزل العجوز من نقود، ثم عدم تنفيذها ما وعدت به المرأة التي مثلت أنها ميتة حين دخلت الفتاة منزلها، لترى ماذا سوف تفعل، بعد أن أعطتها نسخة من مفتاح منزلها أسوة بما فعله خوليو مع مانويل، واتفقت معها أن تأتي إلى منزلها حال غيابها عن زيارة المتجر، لأنه في هذه الحالة تكون قد ماتت، وعرضت عليها أن تأخذ ما في البيت من أشياء ثمينة، بشرط أن تبلغ الجيران بوفاتها ليتم دفنها بسرعة حتى لا تتعفن جثتها.
وفي هذا الموقف، يساوي خوسيه ميّاس بين موظفة «الكاشير»، ومانويل جار خوليو، في المسارات نفسها تقريباً، وفي الوقت نفسه يأتي رد الفعل متطابقاً من الطرفين المتضررين، ففي حين يتصالح خوليو مع زوجته، وهو يدرك أن ما في بطنها من حمل جاء سفاحاً، تتصالح العجوز الثرية مع الشابة محصلة النقود، وتذهب إلى العيش معها في السكن الذي اشترته من مالها الذي استولت عليه.
خوسيه ميّاس، الذي ولد عام 1945، وعاش ما يقرب من 30 عاماً تحت الحكم الديكتاتوري للجنرال فرانكو لإسبانيا، نشر روايته الأولى في السنوات الأخيرة منه، وأدرك أن فن الرواية أرحب وأهم من قيامه بتلخيص الأحداث الراهنة، لذا ابتعد تماماً عن تناول ما يدور في بلاده خلال تلك الفترة، ولم يقع مثل غيره من مبدعين في الكتابة التسجيلية، الذين تحولت إبداعاتهم إلى منشور سياسي، لكنه استثمر كل ذلك، ووضع هذا العالم المتسربل بالزيف والعنف في مواجهة مباشرة مع النبل والتسامح، لينتصر الخير على الشر في النهاية.



أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
TT
20

أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

يحتلّ موقع ساروق الحديد مكانة عالية في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها عمليات التنقيب المتلاحقة في الإمارات المتحدة، ويتميّز بترابه الأثري الذي يشهد له الكم الهائل من اللقى التي خرجت منه في العقدين الأخيرين. تشكّل هذه اللقى مجموعات عدة مستقلة، منها مجموعة كبيرة من الأسلحة المعدنية تحوي خنجرين فريدين من نوعهما، لكل منهما مقبض منحوت على شكل فهد رابض يمدّ قائمتيه الأماميتين في الأفق.

تتبع منطقة ساروق الحديد إمارة دبي، وتجاور قرية الفقع بين مدينة دبي ومدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي. شرعت دائرة التراث العمراني والآثار التابعة لبلدية دبي في استكشاف هذا الموقع في عام 2002، بالتعاون مع عدد من البعثات الأجنبية، وأدت حملات التنقيب المتواصلة خلال السنوات التالية إلى العثور على مجموعات متنوعة من اللقى تعود إلى فترات زمنية تمتد من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، منها مجموعة من الأختام، ومجموعة من الأواني الطينية، ومجموعة من الأدوات المعدنية.

تنقسم مجموعة الأدوات المعدنية إلى مجموعات عدة، أكبرها مجموعة من الأسلحة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، تشابه في صناعتها وفي صياغتها أسلحة معاصرة لها خرجت من مواقع أثرية أخرى في الإمارات وفي المناطق المجاورة لها. يأخذ القسم الأكبر من هذه الأسلحة شكل خنجر من الحجم المتوسط، يتكوّن من مقبض بسيط ونصل مروّس. يبدو المقبض مجرّداً من الزينة في أغلب الأحيان، غير أن بعض النماذج تخرج عن هذا السياق، وتتميّز بنقش زخرفي متقن يشهد لأسلوب فني ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية كما يبدو.

يتجلّى هذا النقش الناتئ في خنجر من البرونز يتكون من مقبض يبلغ طوله 13 سنتيمتراً، ونصل طوله 16 سنتيمتراً. يتكوّن هذا النقش من مساحات زخرفية مختلفة، تشكّل معاً تأليفاً تجريدياً يجمع بين تقاسيم متناغمة. يعلو هذا التأليف شريط أفقي يحدّ قاعدة نصل الخنجر، تزيّنه سلسلة من الحبيبات المتلاصقة. يستقرّ هذا الشريط فوق مساحة مكعّبة تأخذ شكل تاج تزيّنه زخرفة حلزونية مكوّنة من مفردتين تشكيليتين معاكستين. في النصف الأسفل من هذا المقبض، تحضر مساحة مستطيلة تزينها سنابل منتصبة محوّرة هندسياً، تستقرّ في إطار يحدّه شريطان مزخرفان بشبكة من الخطوط الأفقية. ترتفع هذه الكتلة المتراصة فوق قاعدة أسطوانية، وتشكلّ هذه القاعدة الطرف الأسفل لهذا المقبض البديع.

يحضر هذا النقش بشكل مشابه في خنجر آخر يبلغ طول نصله الحديدي 13.7 سنتيمتر، وطول مقبضه البرونزي 9 سنتيمترات. ويظهر هذا التشابه من خلال السنابل المنتصبة في كتلة مستطيلة تشكّل عموداً يعلوه تاج يزينه تأليف حلزوني مماثل. يستقر هذا العمود فوق قاعدة أسطوانية مجرّدة، ويشكّل معها تكوين مقبض هذا الخنجر الذي تأكسد نصله الحديدي العريض.

يبرز في هذا الميدان خنجران فريدان من نوعهما يحمل كل منهما مقبضاً نُحت على شكل حيوان من فصيلة السنّوريّات، يمثّل كما يبدو فهداً رابضاً. يتشابه هذان الخنجران البرونزيان من حيث الحجم تقريباً، غير أنهما يختلفان في التكوين، ويظهر هذا التباين عند دراسة مقبض كل منهما؛ إذ يحمل أحدهما صورة فهد مجسّم، ويحمل الآخر صورة مزدوجة لهذا الفهد. يظهر الفهد المفرد في خنجر يبلغ طول نصله المقوّس بشكل طفيف 19.5 سنتيمتر، وطول مقبضه 14 سنتيمتراً. يتكوّن هذا المقبض من مجسّم على شكل فهد ينتصب عمودياً فوق قاعدة تأخذ شكل تاج تزينه زخرفة حلزونية، تماثل في تأليفها النسق المعتمد. يشكّل رأس هذا الفهد قمة المقبض، وملامحه واضحة، وتتمثّل بعينين دائريتين، وأنف شامخ، وشدقين مفتوحين. يرتفع هذا الرأس فوق عنق طويل مقوّس، يحدّه عقد من الحبيبات الناتئة، يفصل بينه وبين البدن. يتكوّن هذا البدن من صدر طويل مستطيل، تعلوه قائمتان أماميتان تمتدّان في الأفق، مع قدمين مقوّستين بشكل طفيف. الفخذان عريضتان، والذيل منسدل، وهو على شكل ذيل الأسد، ويتميز بخصلة عريضة تعلو طرفه، تنعقد هنا بشكل حلزوني.

يتكون الخنجر الآخر من نصل يبلغ طوله 16 سنتيمتراً، ومقبض على شكل قوس منفرج طوله 12.5 سنتيمتر. تتكرّر صورة الفهد، مع اختلاف في التفاصيل؛ إذ يغيب الطوق الذي يحيط بالعنق، وتستقيم القائمتان الأماميتان عمودياً، وتحضر في وسط العين نقطة غائرة تمثّل البؤبؤ. ينتصب هذا الفهد فوق فهد آخر يظهر بشكل معاكس له، ويشكّل رأس هذا الفهد المعاكس الطرف الأسفل للمقبض، وقاعدة للنصل المنبثق من بين فكّيه.

يمثّل هذان الخنجران حالة فنية استثنائية في ميدان مجموعات الأسلحة المتعددة التي خرجت من مواقع الإمارات الأثرية، ومواقع سلطنة عُمان التي شكّلت امتداداً لها، ويبرزان بطابعهما التصويري الذي يأخذ هنا شكل منحوتتين مجسّمتين. تعكس هاتان المنحوتتان أثر بلاد السند وبلاد الرافدين، غير أنّهما تتميّزان بطابع محلّي خاص، ويظهر هذا الطابع في قطع أخرى تنتمي كذلك إلى ما يُعرف تقليدياً بالفنون الصغرى.