اتصالات للتهدئة بين موسكو وأنقرة بعد «اختبار القوة» في إدلب

بوتين يحذّر من «الأعمال العدوانية» للمتشددين وإردوغان يطالب بـ«كبح النظام»... وأنباء عن حظر عبور الطائرات الروسية الأجواء التركية

TT

اتصالات للتهدئة بين موسكو وأنقرة بعد «اختبار القوة» في إدلب

تسارعت، أمس، ردات الفعل والتحركات على المستويين السياسي والعسكري، لبلورة آليات لتسوية الوضع حول إدلب، بعد مرور يوم واحد على مواجهات عنيفة في بلدة النيرب بين القوات النظامية وفصائل المعارضة تدخلت فيها بشكل مباشر المدفعية التركية والطيران الروسي الذي عرقل تقدم المسلحين وأفشل هجومهم. وبدا من تعليقات الخبراء العسكريين والسياسيين المقربين من دوائر صنع القرار في روسيا أن موسكو «نجحت في توجيه رسالة واضحة إلى القيادة التركية بعزمها على مواجهة أي اختبار للقوة أو للصبر، ومنع أي محاولات لتغيير الواقع الميداني وخصوصاً ما يتعلق بالسيطرة على المناطق المؤثرة على الطرق الدولية»، وفق تعليق وسائل إعلام روسية حكومية.
وكان الوضع في إدلب محوراً أساسيا في مكالمة هاتفية جرت أمس بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان. وقال الكرملين في بيان إن بوتين أعرب خلال الاتصال عن «قلقه البالغ» إزاء «الأعمال العدوانية» للمتشددين في منطقة إدلب. وأضاف أن الرئيسين اتفقا خلال المحادثة الهاتفية على «تعزيز المشاورات الثنائية حول إدلب بهدف خفض التوتر، وإرساء وقف لإطلاق النار والقضاء على التهديد الإرهابي».
أما الرئاسة التركية فقالت من جهتها إن إردوغان أكد لبوتين «ضرورة كبح النظام (السوري) في إدلب وأن الأزمة الإنسانية يجب أن تنتهي». وقال الرئيس التركي لنظيره الروسي إن الحل يكمن في العودة إلى اتفاق سوتشي الموقع في العام 2018، والذي أتاح لتركيا إقامة نقاط مراقبة عسكرية في إدلب بهدف ردع أي هجوم للنظام السوري على المنطقة.
وكان الكرملين قد حذّر صباح أمس، للمرة الثانية خلال الأيام الأخيرة، من مخاطر انزلاق الوضع نحو «السيناريو الأسوأ»، وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف رداً على سؤال الصحافيين عن احتمال وقوع مواجهة روسية – تركية بسبب إدلب: «لا أريد حتى التفكير في أسوأ سيناريو».
وأجرى الرئيس بوتين في وقت سابق أمس اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جاء بعد مكالمة مماثلة للرئيس التركي مع الطرفين. وبدا أن الطرفين الروسي والتركي يسعيان إلى حشد تأييد أوروبي لمواقفهما، على خلفية النداءات الأوروبية المتواصلة بوقف تدهور الوضع في إدلب.
وقالت الرئاسة الروسية إن بوتين أكد خلال الاتصال «ضرورة اتخاذ خطوات فعالة ضد الإرهابيين في سوريا». وزاد أن المكالمة ركزت على «آليات تسوية الوضع، في سياق الأوضاع المتفاقمة بصورة حادة في إدلب، نتيجة لاعتداءات التشكيلات المتطرفة على القوات الحكومية السورية والمدنيين». وأفاد الكرملين بأن بوتين شدد على ضرورة «تحييد التهديد الإرهابي في ظل احترام سيادة الجمهورية العربية السورية وسلامة أراضيها. فيما أعرب كل من ماكرون وميركل عن استعدادهما للإسهام في التخفيف من حدة التوتر شمال غربي سوريا». وكشف الكرملين عن اقتراح تلقاه بوتين لعقد قمة رباعية تجمع زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، لكن الناطق الرئاسي قال إن الموقف النهائي لبوتين حيال الفكرة لم يتحدد بعد.
وكانت موسكو وطهران اقترحتا قبل ذلك عقد قمة ثلاثية لضامني محور أستانة، لكن الرئاسة التركية لم تعلن موافقتها على الاقتراح.
وفي إطار التحركات الروسية، عقد بوتين اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الروسي بحضور رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع والأمن والداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات، تم خلاله بحث تطورات الموقف في إدلب، وجرى التداول وفقاً لمصادر الكرملين حول آليات التحرك اللاحقة على خلفية بلورة موقف روسي لإبلاغه للرئيس التركي، كما تمت مناقشة فكرة عقد القمة الرباعية خلال الاجتماع.
وقالت مصادر روسية إن وفداً روسياً ربما يتوجه إلى أنقرة الأسبوع المقبل لاستئناف الحوار حول سبل محاصرة التوتر المتفاقم في إدلب.
تزامن ذلك مع توجيه وزارة الدفاع الروسية انتقادات جديدة إلى أنقرة. ولفت بيان أصدرته قاعدة حميميم الروسية إلى أنه «مع تفاقم الوضع في منطقة إدلب جراء التصعيد الناجم عن الهجمات المكثفة المنسقة التي يشنها مسلحون من الجماعات الإرهابية على مواقع القوات الحكومية السورية، يقوم المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا بمراقبة مستمرة على مدار الساعة للوضع في المناطق الشمالية الغربية من البلاد». وزاد أن مراقبة الوضع الإنساني أكدت أن «المعلومات حول التدفق المزعوم لمئات الآلاف من المدنيين نحو الحدود السورية - التركية غير صحيحة ولا أساس لها». وهذه المرة الأولى التي تنفي موسكو فيها تقارير تركية كثيرة حول وجود نحو مليون نازح فروا خلال العمليات العسكرية التي شنها النظام إلى المنطقة الحدودية. وقال البيان العسكري إنه «لا توجد مواد مصورة يمكن التحقق منها أو أي دليل آخر يؤكد النقل المزعوم لحوالي مليون لاجئ». وزاد أنه «على مدار الأسابيع القليلة الماضية تم نقل قوافل كبيرة من المعدات والشاحنات العسكرية وبلغ طولها (القافلة) عدة كيلومترات».
وتابع البيان الروسي بأن «الإرهابيين يستخدمون المدنيين حالياً دروعاً بشرية ويمنعون خروجهم عبر ممرات إنسانية أعلن عنها مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة بالتعاون مع الحكومة السورية».
ودعا البيان الجانب التركي إلى «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إمكانية الخروج الآمن والطوعي لسكان المناطق الشرقية والجنوبية من محافظة إدلب من خلال نقاط التفتيش المفتوحة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية».
في غضون ذلك، نقلت وسائل إعلام روسية تفاصيل عما وصف بأنه مقدمات لـ«حظر جوي فرضته تركيا على مرور الطائرات العسكرية الروسية فوق أجوائها». ونقلت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية عن شبكة «فري نيوز» وهي شبكة إلكترونية متخصصة بالشؤون العسكرية، إن تركيا أغلقت مجالها الجوي أمام الطيران الحربي الروسي. وقالت إن هذا الإجراء يتعلق حتى الآن بالطائرات العسكرية التي كانت قد عبرت أجواء تركيا سابقاً في طريقها إلى القاعدة الروسية (حميميم) في سوريا.
ووفقا للمعطيات فإن أنقرة منعت مرور طائرة نقل عسكرية من طراز «توبوليف 154» ومقاتلتين من طراز «سوخوي 24» وطائرة استراتيجية روسية. وأشارت إلى أنه «كان على الطائرات الروسية تغيير المسار، فحلقت فوق بحر قزوين وأراضي إيران والعراق». وربطت الصحيفة الإجراء بفشل المفاوضات في موسكو لحل الوضع في إدلب.
ولم يستبعد خبراء احتمال أن يكون الإجراء مقدمة لفرض حظر على النقل البحري للقوات الروسية. وقال مسؤول عسكري سابق: «إذا قام الأتراك فقط بإغلاق منطقة مضيق البحر الأسود مؤقتاً على الأقل أمام سفننا الحربية، فإن تشغيل خط الإمداد المتواصل سوف يتعطل في الحال»، في إشارة إلى عمليات النقل المنتظمة للسفن الحربية وسفن النقل المختلفة لتسليم الشحنات إلى سوريا.
ورأى ألكسندر خراميخين، نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري، أن فرض حصار كامل للحركة عبر مضيق البوسفور والدردنيل من قبل تركيا يبدو مستبعداً، لكن أنقرة «يمكن أن تجد دائماً أعذاراً لإبطاء نظام خط الإمداد السوري الدائم بما في ذلك الأعذار الفنية»، مشيراً إلى خطورة الوضع بالنسبة إلى موسكو التي تنقل عبر هذا الممر نحو 90 في المائة من إمدادات قواعدها العسكرية في سوريا فضلا عن الإمدادات التي تسلم إلى السوريين.
وانعكس هذا الإجراء على آراء الخبراء العسكريين الروس، إذ قال الجنرال السابق يوري نتكاشيف: «إن محاولة كسر الإمداد الجوي للمجموعة العسكرية الروسية في سوريا تشير إلى أن أنقرة لم تعد تعتبر شريكاً لها في عملية أستانة»، لافتاً إلى أن منع مرور الطائرات أو السفن يعني مضاعفة تكاليف الرحلات مرتين تقريباً ما يشكل إرهاقا جديا للموازنة العسكرية التي تم تقليصها في العام الحالي.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.