راغدة شلهوب من بيروت إلى قلب القاهرة

العد العكسي لبرنامجها «كلام بسرك» على قناة الحياة يبدأ

الإعلامية راغدة شلهوب
الإعلامية راغدة شلهوب
TT

راغدة شلهوب من بيروت إلى قلب القاهرة

الإعلامية راغدة شلهوب
الإعلامية راغدة شلهوب

راغدة شلهوب اسم غني عن التعريف، فإلى جانب أنها من أهم المذيعات اللبنانيات، ومن بين أهم الوجوه التي قدمت برنامج «عيون بيروت» على قناة «أوربت»، فهي تملك صوتا جميلا ورنانا يعكس شخصيتها المحببة والعفوية، وعيونا بمثابة ترجمة حرفية لجمال الشرق، وثقافة لافتة وحضورا مرحا، وسرعة بديهة لا يضاهيها إلا حنكتها وحديثها اللبق والبعيد عن التصنع والتكلف.
فبعد عملها في قناة «أوربت» لأكثر من 15 عاما، ها هي اليوم تتطلع إلى خطوة جديدة حيث ستطل قريبا على مشاهديها عبر قناة «الحياة» المصرية، وستقسم وقتها بين مدينتها بيروت وبيتها الثاني القاهرة.
«الشرق الأوسط» التقت راغدة شلهوب وكان هذا اللقاء:
* كيف بدأت حياتك المهنية مذيعة؟ وهل أصبحت عند لحظة معينة على يقين من أنك اخترت الوظيفة الصائبة؟
- أنا أؤمن بالصدفة، ونتيجتها أن أصبحت على ما هو أنا عليه اليوم، كنت في أول سنة دراسة لمادة «الصحافة ووكالة أنباء» في كلية الإعلام والتوثيق، عندما أعلمتني صديقتي عن حاجة إحدى القنوات اللبنانية لمذيعة ربط فقرات، فتقدمت بطلب للوظيفة وحصلت عليها من دون أي تخطيط مسبق. وكانت هذه أول خطوة في عالم الإعلام.
فأنا لم أعمل في أي مجال آخر في حياتي لكي أقارن، وبسبب هذه الصدفة امتهنت وظيفة تقديم البرامج لتصبح جزءا مني، فأنا أعشق هذا المضمار.
* ما أول برنامج تلفزيوني قدمته، ومتى؟
- أول برنامج قدمته كان تحت اسم «سواريه» وكان عبارة عن برنامج حواري ولقاءات مختلفة، وكان يعرض على شاشة «سي في إن» اللبنانية، من إعداد مريم شقير أبو جودة، وأنطوان غندور. ولم يقتصر دوري على تقديم البرنامج فقط، إنما انخرطت من خلاله في مجال الإعداد أيضا، فأنا لم أقدم برنامجا إلا وساهمت في إعداده أيضا، فتمرس الإعداد مهم جدا، ويجعل المذيع متمكنا أكثر من المادة التي يقدمها.
* ما البرنامج الذي تودين تقديمه في المستقبل؟
- أنا راضية عن البرامج التي قدمتها في حياتي، ولكني اليوم أتطلع إلى تقديم برنامجي الجديد «الكلام بسرك» على شاشة قناة «الحياة» المصرية، فهذا البرنامج خطوة نوعية ونقلة فعلية بالنسبة لي، وذلك لأنه سيتعين علي السفر إلى القاهرة لتصوير الحلقات اليومية للبرنامج، وأعتبر هذا البرنامج نوعا من التحدي لذاتي، لأنه سيقدم لي انتشارا أوسع في بلد مثل مصر، وكل ما أتمناه هو تقبل المشاهد المصري لي بروحي اللبنانية، وهذا ما أسعى إليه في البرنامج؛ نقل النفس اللبناني إلى الأجواء المصرية، وسأقدم البرنامج 5 أيام في الأسبوع.
* كيف تلقيت العرض من قناة «الحياة»؟
- خلال تقديمي برنامج «عيون بيروت» على قناة «أوربت»، تلقيت اتصالا من القائمين على قناة «الحياة» عرضوا علي فيه مقابلة الفنان المصري محمد حماقي عبر شاشتهم، وكان صدى المقابلة جيدا جدا، وبعدها تلقيت عرضا رسميا من المحطة لتقديم برنامج اجتماعي، فأنا حصلت على العديد من العروض في الماضي، ولكني كنت أبحث عن نقلة نوعية، كما أنني ارتحت إلى القائمين على قناة «الحياة»، فهم يشبهونني وأن أشبههم كثيرا، وهذا الشيء مهم جدا بالنسبة لي.
* متى سيبدأ البرنامج وما طبيعته؟
- انتهيت للتو من تصوير «البرومو» لبرنامجي «الكلام بسرك»، ومن المتوقع أن يبدأ البرنامج على الهواء في ما بين 20 و25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ولكني أطللت على المشاهدين عبر قناتي الجديدة في أمسية خاصة بمناسبة عيد الفطر المبارك، ولا يسعني القول إلا أنني أتمنى بأن أصل إلى قلوب المصريين لأنهم بالفعل شعب طيب ويتقبل الآخرين، وهذا الأمر ساعدني على قبول العرض. بالنسبة للبرنامج، فهو اجتماعي ينقل صورة الشارع المصري كما هي. يقوم فريق العمل بتصوير ريبورتاجات حية لعائلات مصرية، ونقوم في الاستوديو وبمساعدة اختصاصيين على مناقشة تلك المسائل. البرنامج واقعي.. لا يعد بالمعجزات، إنما يسلط الضوء على واقع الشارع المصري بطريقة منطقية.
* من كان (كانت) قدوتك في الإعلام؟
- من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فلكل شخصية ميزتها التي تؤثر بي، فعلى سبيل المثال أنا من أشد المعجبين بذكاء ماغي فرح، وأعشق رصانة هيام أبو شديد، وشخصية ميراي مزرعاني المرحة (المهضومة)، ولكن يبقى الراحل رياض شرارة من أكثر الشخصيات التي أثرت في، خاصة أنه كان من أكثر المشجعين لمسيرتي الإعلامية، وأذكر عندما اتصل بي في بدايتي المهنية، وقال لي بالحرف الواحد: «إذا كنت ستستمرين على هذا النحو في التقديم فينتظرك مستقبل رائع»، وللأسف كان هذا أول وآخر اتصال لأنه وللأسف توفي بشكل مفاجئ بعد أسبوع واحد.
* من كاتبك المفضل (كاتبتك المفضلة) محليا وعالميا؟
- أحب كتابات المبدع البرازيلي باولو كويلو، وقرأت جميع كتبه، ولكني اليوم تحولت إلى قراءة الكتب التي تساعدني على تخطي صعوبات الحياة مثل «ذا سيكريت (السر)» و«ذا باور أوف ناو (قوة الآن)»، فهذا النوع من القراءات الروحانية يساعدني جدا في ظل الضغوطات النفسية التي نمر بها يوميا. كما أنني أتابع الكثير من المقالات السياسية لصحافيين لامعين.
* ما عدد ساعات عملك خلال الأسبوع، وهل يترك لك ذلك الكثير من الوقت مع الأسرة؟
- نمط عملي الجديد سيتطلب مني الابتعاد عن المنزل لعدة أيام في الأسبوع، وهذا ما يقلقني، خاصة أنني متعلقة جدا بطفلتي الوحيدة ناي، فهي قطعة مني، ومن يعرفني معرفة شخصية يعرف مدى تعلقي بها، فهي باختصار الهواء الذي أتنفسه، ولكني في النهاية أعمل من أجلها، وأسعى دائما إلى تمضية لحظات نوعية معها، فهي الأهم في حياتي.
* هل لديك فريق عمل خاص يساعدك في عملك التلفزيوني؟
- فريق العمل هو مفتاح نجاح أي مشروع أو برنامج، وأنا محظوظة لأنني سأعمل إلى جانب فريقين رائعين من بيروت ومصر.
* ما رأيك في الإعلام الجديد، وهل سيحل محل الإعلام التقليدي؟
- لا يمكن أن ننكر أن الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي مهمان جدا، ولكني لا أزال أحن إلى الإعلام التقليدي، وأفضل قراءة الصحيفة الورقية على أن أتلقى الأخبار رقميا، فالإعلام الجديد لا يمكن أن يلغي الإعلام التقليدي، ولكن من شأنه سرقة الضوء منه بشكل أو بآخر.
* ما المدوَّنة المفضلة أو الموقع الإلكتروني المفضل لك؟
- أتابع أكثر من موقع إلكتروني، ولكني أسعى دائما إلى قراءة الرأي والرأي الآخر لمقارنة وجهات النظر، فبهذه الطريقة أستطيع التمييز وفهم الخبر بطريقة واقعية.
* ما نصيحتك للصحافيين والمذيعين الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- الإعلام مهنة ليست سهلة، إن كان في مجال التلفزيون أو الكتابة، فهذه المهنة تتطلب الكثير من الصبر، كما يجب العمل فيها إذا كان الشخص شغوفا بها، وليس بهدف الشهرة فقط، كما تتطلب مجهودا متواصلا وعملا جادا، فأنا أؤمن بمقولة: «لو دامت لغيرك ما وصلت إلك»، فالشهرة لا تأتي من فراغ، ويجب بذل جهد جبار للوصول إلى مكانة رفيعة، فهي ليست مهنة من لا مهنة له.
* ما الشروط التي يجب توافرها في أي صحافي أو مقدم تلفزيوني للعمل معك؟
- الثقافة مهمة جدا، ولكن يجب أن تجتمع بشخصية قريبة إلى القلب؛ وهذه نعمة من الله، ومضمون وشكل وصوت. وأصعب شيء في مهنة المذيع هي تقبل المشاهد له، فهذا الأمر رباني ومن الخالق سبحانه وتعالى. ولا بد من أن يثقف المذيع نفسه باستمرار، وكذلك لا بد من احترام المشاهد، وعدم الاستخفاف بذكائه.. المشاهد ذكي جدا ويميز بين الصالح والطالح، ومن المهم جدا أخذ هذا الشيء بعين الاعتبار.
* في رأيك، ما أفضل ما قدمتِه حتى الآن؟
- برنامج «جار القمر» أحدث ضجة كبيرة لأنه كان جديدا من نوعه، وأعتز أيضا بمشاركتي في تقديم البرنامج الناجح «عيون بيروت» الذي لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا ولا يزال بالمستوى الراقي نفسه.
* ما أمنيتك اليوم؟
- أتمنى وأنا على وشك البدء في خطوة جديدة أن يتقبلني الجمهور في برنامجي الجديد، وأنا أكون عند حسن ظن القائمين على قناة «الحياة» الذين وضعوا ثقتهم بي وشجعوني وجعلوني أشعر أنني واحدة من العائلة قبل أن أبدأ عملي، وهذه مسؤولية كبيرة أتمنى أن أصونها وأحافظ عليها، وأن أقدم أفضل ما لدي لإنجاح البرنامج والوصول إلى بيوت المشاهدين على أكمل وجه.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».