إدانات دولية ومحلية للسلطات العراقية لاستعمالها العنف ضد المحتجين

نساء النجف يهتفن «لا أميركا ولا إيران... بغداد هي العنوان»

من المظاهرة النسائية في النجف (أ.ف.ب)
من المظاهرة النسائية في النجف (أ.ف.ب)
TT

إدانات دولية ومحلية للسلطات العراقية لاستعمالها العنف ضد المحتجين

من المظاهرة النسائية في النجف (أ.ف.ب)
من المظاهرة النسائية في النجف (أ.ف.ب)

على الرغم من كثرة الإدانات والانتقادات التي تصدر عن منظمات حقوقية وجهات دولية ومحلية ضد السلطات العراقية بسبب إصرارها على استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين منذ انطلاق موجة الاحتجاجات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن سلطات بغداد، على ما يبدو، لا تعير كثيراً من الاهتمام لتلك الانتقادات التي يقول متخصصون إنها قد تعرّض البلاد على المديين المتوسط والبعيد، إلى «عقوبات وعزلة دوليتين».
وما زالت السلطات العراقية مستمرة في التعامل بعنف مع جماعات الحراك بمختلف المحافظات. وكان آخر ضحايا هذا التعامل أحد منتسبي القوات الأمنية بعد مشاركته في المظاهرات ببغداد؛ إذ أعلنت مفوضية حقوق الإنسان، أمس (الأربعاء)، مقتل الجندي فهد محمود الخزاعي في ساحة الخلاني بعد تصميمه على المشاركة في المظاهرات أثناء تمتعه بإجازته الدورية من وحدته العسكرية. وأشارت إلى أن الخزاعي سبق أن شارك في المعارك ضد «داعش»، وأنه من أهالي منطقة الشامية بمحافظة الديوانية.
وصدرت أمس، موجة إدانات جديدة ضد حكومة بغداد؛ إذ أدانت «منظمة العفو الدولية» في أحدث تقرير لها عن حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السلطات العراقية، وقالت «إنها، إلى جانب حكومة طهران، اختارت ألا تُنصت إلى أصوات المتظاهرين التي تحتج على مظالم شتّى، ولجأت بدلاً من ذلك إلى القمع الوحشي لإسكات المنتقدين السلميين، سواء في الشوارع أو على مواقع الإنترنت». وذكرت أن «العراق وإيران وحدهما، استخدمت السلطات فيهما القوة المميتة؛ ما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص أثناء الاحتجاجات».
وكذلك، ندد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، خلال زيارته بغداد، بـ«الهجمات المستمرة ضد المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقهم الديمقراطي في حرية التعبير، بما في ذلك مطالباتهم بالإصلاح السياسي والاقتصادي».
ودعا شينكر في بيان صادر عن السفارة الأميركية في بغداد أمس، الحكومة العراقية إلى «وضع حد لهذه الممارسات الإجرامية وتقديم الجناة إلى العدالة»، معرباً عن دعمه لـ«الحق الديمقراطي الأساسي للمواطنين العراقيين في حرية التجمع السلمي والتعبير».
وكان مساعد الخارجية الأميركي، التقى خلال زيارة لبغداد أول من أمس، رؤساء حكومة تصريف الأعمال المستقيل عادل عبد المهدي، والجمهورية برهم صالح، ومجلس النواب محمد الحلبوسي، وتحدث معهم عن «أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق والتعاون المستمر لدعم عراقٍ مزدهر ومستقر وديمقراطي»، وفق البيان.
وواصل رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، أمس، انتقاداته اللاذعة للسلطات العراقية، وحذّر من انحدار البلاد إلى شفا حرب أهلية في حال استمرت عمليات القمع ضد المتظاهرين. وقال في تغريدة في «تويتر»: «خمسة أشهر من العنف ضد المتظاهرين المسالمين خلّفت 700 قتيل والكثير من المعاقين، إنهم يخاطرون بجر البلاد إلى حرب أهلية». وأضاف علاوي، أن «القمع مستمر باستخدام جميع الأسلحة، بما في ذلك بنادق الصيد. إن صمت المجتمع الدولي حيال الحكومة (العراقية) أمر مشين».
وتحدث عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، عن الآثار والعقوبات المحتملة التي يمكن أن يتعرض لها العراق نتيجة الإدانات والمواقف الرافضة لمبدأ استخدام العنف ضد المتظاهرين من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العراق جزء من منظومة دولية فيها اتفاقيات ومعايير متعلقة بأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهنالك دستور عراقي يحفظ كل الحقوق والحريات ولا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال، وخلاف ذلك يكون قد خرق معايير السلم والأمن الدوليين، تترتب عليه عزلة دولية وعقوبات متدرجة وحسب الآليات الأممية، وهي وإن كانت طويلة النفس، لكنها لا تجامل».
ويضيف البياتي «عندما نتكلم عن دولة، لا بد أن تكون هناك مؤسسات متنوعة تعمل بشكل واضح وحسب نظام هدفه خدمة المواطن وحماية مصالحه وعندما تتخطى الحكومة أو تتجاوز حدودها لا بد أن تكون هنالك مؤسسات ترصد ذلك وتراقب، ومؤسسات تحاكم وتحاسب وتحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتجبر الضرر ضد أي مواطن مهما كان انتماؤه».
ويرى البياتي، أنه «في ظل غياب كل هذه الجهود الوطنية تكون الأبواب مفتوحة للجهات الدولية، حيث إن لها حججاً وتبريرات من خلال الاتفاقيات الدولية والنظام الدولي العام، والعراق جزء مهم في المنطقة والعالم وعدم استقراره ينعكس على العالم؛ لذلك من الطبيعي ألا يُترَك في عدم الاستقرار إلى الأبد، مثلما حدث وسارع المجتمع الدولي إلى مساعدة العراق في حربه ضد (داعش) عام 2014».
ميدانياً، استمرت المظاهرات في غالبية المدن والحافظات المنتفضة، لكن بأعداد أقل نسبياً من الأيام السابقة، وعمد متظاهرون في محافظة الديوانية إلى قطع الطرق الرئيسة، مطالبين بـ«إقالة مسؤول الدوائر البلدية هناك». وخرجت مظاهرات طلابية حاشدة في المحافظة.
كما خرجت في محافظة النجف، مئات النساء بمظاهرة لدعم الحراك، والتأكيد على دورهن وحقهن في المشاركة بالاحتجاجات. وشاركت في المظاهرات محاضرِات في الجامعة وربات بيوت ارتدت بعضهن عباءة سوداء، ووضعت أخريات حجاباً ملوّناً.
وقالت ناشطات إنهن خرجن «رداً على الاتهامات والانتقادات التي وُجّهت للنساء المشاركات في التظاهرين من قبل أتباع التيار الصدري». وأفاد ناشطون بأن المتظاهرات حملن لافتات كُتب عليها «ولدت عراقية لأصبح ثائرة»، و«لا صوت يعلو فوق صوت النساء»، كما تعالت هتافات منها «لا أميركا ولا إيران، بغداد هي العنوان».
وفي البصرة، أعلنت قيادة عمليات أمس، إطلاق سراح جميع المتظاهرين الموقوفين في المحافظة.
وقالت قيادة العمليات لوكالة الأنباء العراقية (واع) شبه الرسمية، إن «كل الموقوفين تمّ إطلاق سراحهم بأوامر قضائية أو بأوامر من قائد العمليات». مؤكدة «عدم وجود أي معتقل أو موقوف من المتظاهرين السلميين في محافظة البصرة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.