كيف يمكن أن يغير «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي وجه الإعلام؟

كيف يمكن أن يغير «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي وجه الإعلام؟
TT

كيف يمكن أن يغير «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي وجه الإعلام؟

كيف يمكن أن يغير «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي وجه الإعلام؟

يواجه الصحافيون اليوم التحديات الناجمة عن التقنيات الإعلامية الجديدة، حيث تشهد الصحافة تغيرات كبيرة مرتبطة بالتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية. وبالتركيز على التكنولوجيا، فإن من أهم مزايا وسائل التواصل الاجتماعي أنها جلبت خصائص جديدة، مثل الحوار التفاعلي بين الكاتب والمتلقي، إذ يمكن للصحافيين الآن إجراء محادثات حقيقية مع جمهورهم، ووضع النقاشات عبر الإنترنت، بحيث يمكن للجميع التعبير عن أنفسهم، سواء بالتعليقات أو أزرار الإعجاب وخلافه، ليتحول الاتصال التقليدي «أحادي الاتجاه» إلى محادثات ثنائية الاتجاه.
«تويتر» على سبيل المثال يعد وسيلة تواصل اجتماعي محترفة للغاية، فهي لا تساعد الصحافيين فقط في العثور على الأخبار بمجرد حدوثها، بل وعلى رد فعل الجمهور أيضاً. وغالباً ما ينشئ الصحافيون في «تويتر» معرفاً شخصياً لكي يُظهروا للجمهور أنهم بشر أيضاً، ليعزز ذلك من الوصول إلى قلوب وعقول الجمهور، ويلعب دوراً رئيسياً في كيفية تفاعلهم مع المتابعين.
بعض المؤسسات الإخبارية تقاوم وبكل قوة وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضها يقوم عليها تماماً، وخير مثال لذلك موقع «باز فيد» الذي يعد مؤسسة أخبار جديدة مصممة فقط لوسائل التواصل الاجتماعي. «باز فيد» وغيره من المواقع المشابهة حققت نجاحاً كبيراً لأنها فهمت كيفية نشر القصص الإخبارية على المنصات الاجتماعية المختلفة لتصل لأكبر عدد ممكن من الجمهور.
ومع تقدم التكنولوجيا، ظهرت كثير من الشبكات الاجتماعية الجديدة، بعضها يعد منصة مناسبة للأخبار، وبعضها لا يتوافر فيه هذه الميزة، ولكنها مستمرة في الانتشار يوماً إثر يوم، ولعل أبرزهم «تيك توك» (TikTok)، التطبيق الصيني الذي يعد من أشهر منصات التفاعل السريع القائم على مشاركة ونشر مقاطع فيديو قصيرة عادة ما تكون مصحوبة بموسيقى. وبالنسبة إلى وسائل الإعلام المتعطشة للمشاهدات والانتشار في عام 2020، لا شك أن «تيك توك» يعد منجماً حقيقياً، فكل الجمهور الشاب موجود فيه، وحتى إذا كانوا على دراية بالمخاطر -خاصة حول خصوصية المستخدم وحرية التعبير- فإنهم ما زالوا يشتركون في المنصة بأعداد هائلة.
وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أصدرت «سينسور تاور» تقريراً يفيد بأن التطبيق قد تم تحميله أكثر من 1.5 مليار مرة، ولديه أكثر من 800 مليون مستخدم شهري نشط، 66 في المائة منهم تحت سن الثلاثين، و10 في المائة منهم من المملكة العربية السعودية. والمدهش في الأمر أن التقرير صنف «TikTok» كأكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية تحميلاً في جميع أنحاء العالم لشهر سبتمبر (أيلول) 2019، بنحو 60 مليون عملية تنزيل، متفوقاً بذلك على كل من «فيسبوك» و«فيسبوك ماسنجر» و«إنستغرام» و«واتساب».
و«تيك توك» هو الأكثر شهرة بين الشباب والمراهقين، وهو أيضاً التطبيق الوحيد الذي لا تملكه «فيسبوك»، رغم محاولات «فيسبوك» الحثيثة لجذب أنظار «الجيل زد» (Generation Z)، الجيل الذي يلي جيل الألفية.
ويرى الشباب في «تيك توك» متنفساً حقيقياً مليئاً بالمرح والترفيه، عكس المحتوى الجدي الموجود في الوسائل الأخرى، كالحروب المشتعلة بين مستخدمي «تويتر»، والتعليقات الحادة على مناشير «فيسبوك». ورغم كل هذا الزخم، فإن المؤسسات الإخبارية ما زالت مترددة في استخدام هذه المنصة، غير أن من قَبِل هذه المخاطرة أصبح يجني ثمارها الآن.
«واشنطن بوست» كانت من أوائل المؤسسات الذي سجلت حسابها، وبدأت في نشر القصص القصيرة، وها هي الآن تملك أكثر من 370 ألف متابع، وقرابة 20 مليون إعجاب، ويعود الفضل لذلك للسيد ديف يورغنسون الذي وظفته «واشنطن بوست» في مارس (آذار) 2019 منتجاً للفيديو لبناء العلامة التجارية للصحيفة من خلال مقاطع الفيديو الشخصية. ورأى ديف فرصة ذهبية في «تيك توك»، وقام بإعداد تقرير من 7 صفحات لإقناع رؤسائه في العمل بأن الصحيفة تحتاج إلى الاستثمار على المنصة، وعلى وجه السرعة، ومن حسن حظهم أنهم وافقوا.
ولكن ماذا عن نوعية المحتوى المقدم على حساب الصحيفة؟ القليل منه مخصص لتغطية الأخبار بطريقة فكاهية تتماشى مع الفئة العمرية المستهدفة، ولكن الأكثر رواجاً كان تلك الفيديوهات التي يمكن تسميتها «خلف الكواليس»، حيث يصور ديف زملاءه خلف شاشات الكومبيوتر وهم يحرّرون الأخبار وينشرونها عبر الموقع.
هذا النوع من المحتوى حبب كثيراً من المتابعين في الصحافة بصفة عامة، وحبب البعض الآخر في الاستماع إلى الأخبار، إذ تقول هانا مايبو، ذات الـ16 ربيعاً، لموقع «ijnet.org» إن مقاطع فيديو «واشنطن بوست» أظهرت لها الجانب الإنساني للصحافيين والمراسلين، فأصبحت أكثر ارتباطاً بهم، وأصبحت تستمتع بسماع الأخبار من هؤلاء الصحافيين، لأنها تشعر بأنها تعرفهم شخصياً.
وبعد النجاح الباهر لـ«واشنطن بوست»، بدأت بعض المؤسسات الإخبارية الأخرى الدخول في دهاليز الـ«تيك توك»، ومن بينها «يو إس إيه توداي» و«إي إس بي إن»، بالإضافة إلى مؤسسات أصغر مثل «فلوريدا تايمز يونيون».
ويقول الخبراء إنه يجب على المواقع الإخبارية والصحف والمجلات كافة إنشاء حساب في الـ«تيك توك»، حتى إن لم تكن هناك خطة واضحة، لكي لا يمروا بتجربة «نيويورك تايمز» مثلاً التي فقدت معرفها، بعدما قام شاب بحجز اسم الدخول «@nytimes».
ويتوقع الكاتب ابيك تشوداراي، في مقالته على موقع «كوارتز إنديا»، أنه في غضون عامين سيكون لكل علامة تجارية رئيسية حساب على «تيك توك»، لذلك حان الآن الوقت لتجربته، وتحديد ما إذا كان التطبيق مناسباً لعلامتك التجارية أم لا.
ووفقاً لآخر استطلاع لوكالة «رويترز» للأنباء الرقمية، فإن المراهقين هم الفئة التي لا تفكر في شراء الصحف، ولا مشاهدة التلفزيون بتاتاً، في المستقبل، لذا يمثل «تيك توك» فرصة عظيمة للناشرين لبناء علاقة تجارية مع الجيل الرقمي الذي سيصبح بعد 5 أو 10 سنين عماد المجتمع، وسيحملون في أيديهم بطاقاتهم الائتمانية، وإن قرروا في يوم ما أن يستمعوا للأخبار أو يشتروا جريدة، فلن يجدوا أفضل من صحيفة تربوا على أيديها وأيدي الـ«تيك توك».
وبالإضافة إلى «تيك توك»، يوجد كثير من المنصات الجديدة التي بدأت في الانتشار بشكل متزايد، نذكر منها «ديسكورد» (Discord)، وهو تطبيق مراسلة مخصص لهواة الألعاب، يشبه في طريقة عمله تطبيق «Slack» المشهور، لكن «ديسكورد» أصبح مؤخراً مكاناً للحديث عن السياسة وتنسيق الحملات.
و«تليغرام» (Telegram) تطبيق آخر لاقى انتشارات مهولة، وأصبح مركزاً شعبياً للناشطين من جميع الأوساط السياسية بسبب ميزة «القنوات» التي تسمح للمستخدم ببث المحتوى إلى عدد غير محدود من المشتركين. وتم استخدام التطبيق من قبل الناشطين في هونغ كونغ احتجاجاً على الحكومة الصينية، وملايين المستخدمين في إيران، بعد أن منعت الحكومة الوصول إلى تطبيقات المراسلة المتعارف عليها.


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.