قلق أوروبي في ميونيخ من «كارثة إنسانية» في إدلب

TT

قلق أوروبي في ميونيخ من «كارثة إنسانية» في إدلب

أعرب متحدثون أوروبيون في مؤتمر الأمن في ميونيخ عن القلق من «كارثة إنسانية» في إدلب، وحثت برلين الجانب الروسي على وقف هجمات النظام السوري في شمال غربي البلاد، في وقت حذر فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من أن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي» فيما يستمر النظام السوري بقصف إدلب، «في حال فشلت الجهود الدبلوماسية» مع روسيا.
وكشف أن وفدا تركيا سيزور موسكو يوم الاثنين المقبل لمناقشة جهود تخفيف التصعيد في إدلب، وقال في مؤتمر صحافي مقتضب عقده على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن بعد لقاء جمعه بنظيره الألماني وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، إن «أنقرة تسعى لحل الأزمة في إدلب دبلوماسيا ولكن في حال فشل ذلك فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وأضاف أن بلاده «لا يمكنها أن تتسامح» مع قصف المدنيين واستهداف آليات عسكرية تركية في إدلب.
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه طرح على وزير الخارجية التركي «فصل الإرهابيين عن المدنيين في إدلب، وإنشاء منطقة آمنة تسمح بحماية المدنيين»، ولكنه اعترف في الوقت ذاته بصعوبة تحقيق ذلك.
وبدا أن وجهة النظر التركية ما زالت بعيدة عن الروسية، إذ قال لافروف إن ما يدور في إدلب «هو معركة للقضاء على الإرهابيين». واعترف لافروف بأن هناك خلافات كبيرة بين روسيا وتركيا حول سوريا رغم أنه وصف علاقة موسكو بأنقرة بأنها «طيبة»، مضيفا أن «هذا لا يعني أننا نتفق على كل شيء». وقال: «ليس لدينا سياسة مشتركة في سوريا، ففي إدلب، الانتصار على الإرهاب هو أهم شيء».
وأضاف: «سمعنا أن واشنطن قضت على الإرهاب و(داعش) في العراق وسوريا ولكن في سوريا هناك (جبهة النصرة) التي تسمى اليوم (هيئة تحرير الشام) فهي منظمة إرهابية وهذه مشكلة، فهذه المنطقة هي البؤرة التي يوجدون فيها». وتحدث لافروف عن استمرار المشاورات مع تركيا لحل أزمة إدلب على صعيد الخبراء والعسكريين، ولكنه بدا مصرا على ضرورة هزيمة من يسميهم «الإرهابين»، وقال: «الانتصار على الإرهابيين في إدلب هو أمر حتمي».
ورغم استمرار هذه الخلافات بين إدلب وأيضا في ليبيا بين الدولتين، فإن الوزير التركي حرص على التأكيد أن أيا من هذه الخلافات لن يؤثر على صفقة صواريخ «إس 4٠٠» الروسية التي عقدتها معها أنقرة وتسببت لها في مشاكل مع واشنطن وحلف الناتو.
ودعا جاويش أوغلو ألمانيا والدول الأوروبية لدعمه في جهوده لتثبيت الهدنة في إدلب، محذرا من أزمة لجوء جديدة في حال استمرار القتال هناك.
وبدا ماس متخوفا كذلك من أزمة لجوء جديدة، وحذر ماس في المؤتمر الصحافي المشترك مع جاويش أوغلو من أن الوضع الإنساني في إدلب قد يصبح «كارثيا» في حال لم يتوقف القتال هناك. وحيث ماس روسيا على ممارسة ضغوط على نظام الأسد لوقف «الاعتداءات على إدلب». وقال ماس إنه يأمل بأن «تتمكن المحادثات الروسية - التركية الأسبوع المقبل من أن تتوصل لنتيجة لتحقيق تقدم وتجنب كارثة إنسانية».
وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كذلك عن الأزمة السورية، محملا روسيا مسؤولية التصعيد، وقال إن «الوضع في إدلب غير مقبول»، مضيفا أنه نتيجة تخلي الدول الغربية عن سوريا وتراجع إدارة الرئيس باراك أوباما عن الخط الأحمر الذي كان رسمه، في إشارة إلى التراجع الأميركي عن ضرب سوريا بعد الهجوم بالغاز الكيماوي على غوطة دمشق. وأكمل ماكرون انتقاداته لروسيا، وقال إنه «لا يمكن القبول بأن تكون دولة عضوا في مجلس الأمن وتخرق القوانين الدولية» في كل فرصة. وقال ماس، السبت، على هامش مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن عقب اجتماع مع نظيريه التركي والروسي: «لدينا مخاوف كبيرة من أن يصل الأمر إلى كارثة إنسانية إذا لم تنته المعارك هناك».
وذكر ماس أن ألمانيا تنتظر من موسكو استغلال نفوذها على الحكومة السورية «لإنهاء هذه الهجمات، ووقف العمليات القتالية»، وقال: «خلافا لذلك، نتوقع أن يغادر المزيد من المواطنين المنطقة. وهذا أمر لا يمكن أن يكون لأحد مصلحة فيه».
ومن المقرر أن يجري لافروف وجاويش أوغلو اليوم (الأحد) محادثات في ميونيخ حول تطورات الوضع في إدلب.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعيش في إدلب نحو 3 ملايين مدني. وفر العديد منهم مرة واحدة على الأقل من القوات الحكومية، حيث يخشون الملاحقة والقمع.
وعقد مجلس الأمن الدولي، أمس الجمعة، مناقشة مغلقة حول الوضع الإنساني المتدهور في إدلب. وأعرب ممثلون من دول الاتحاد الأوروبي الموجودة حاليا، أو سابقا في المجلس، بما في ذلك بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، عن قلقهم البالغ إزاء «التصعيد العسكري المستمر في شمال غربي سوريا»، والذي أدى إلى نزوح واسع النطاق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».