ألمانيا: الديمقراطيون المسيحيون بانتظار زعيم جديد خلفاً لميركل

بعدما أطاحت انتخابات ولاية ثورينجيا وتداعياتها بآنغريت كرامب كارنباور

ألمانيا: الديمقراطيون المسيحيون بانتظار زعيم جديد خلفاً لميركل
TT

ألمانيا: الديمقراطيون المسيحيون بانتظار زعيم جديد خلفاً لميركل

ألمانيا: الديمقراطيون المسيحيون بانتظار زعيم جديد خلفاً لميركل

يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 2018، تنفّست المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الصعداء. لم تقاوم الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها، ولا علامات الارتياح التي علت وجهها. لقد كانت تلك من المرات القليلة بل النادرة التي تعبر فيها ميركل عن مشاعرها علناً. ففي ذاك اليوم، نجحت آنغريت كرامب كارنباور، «خليفتها» المختارة لزعامة «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، بانتزاع الفوز بزعامة الحزب المحافظ، في أعقاب قرار «زعيمته» ميركل عن المنصب.
لقد سارت خطة «تقاعد» المستشارة «المنظّم» على ما يرام... وتماماً كما رسمتها. فهي أرادت أن تكمل عهدها كمستشارة حتى الانتخابات العامة عام 2021. وبعد تلك المحطة الانتخابية تتقاعد نهائياً عن العمل السياسي. ولكن ميركل لم تشأ أن تترك حزبها يتخبّط في الفوضى بعد رحيلها، ولا أن ترى إرثها يُمزّق بعدما قادت الحزب الكبير طوال 20 سنة أمضت 15 سنة منها على رأس السلطة في ألمانيا.
وبالتالي، قررت الاستقالة من زعامة الحزب في خطوة غير اعتيادية، لإعطاء الوقت الكافي لـ«خليفتها» كي تتأقلم مع قيادة الحزب تمهيداً لتسليمها المستشارية. غير أن كرامب كارنباور، التي تشتهر في ألمانيا بالأحرف الثلاثة الأولى من كلمات اسمها الكامل «آ.ك.ك»، لم تصمد في زعامة الحزب أكثر من سنة واحدة؛ إذ إنها استقالت، هذا الأسبوع، وأعادت بذلك السباق لخلافة ميركل إلى خط البداية، لا... بل وأيقظت المخاوف على مستقبل «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، الذي حولته ميركل إلى حزب وسطي متسامح في موضوع اللجوء ومنفتح على التعدّدية، خلافاً لما يؤمن به كثيرون في التيار اليميني ضمن قاعدته الشعبية.
لا يمكن ذكر كثير من الإنجازات التي حقّقتها آنغريت كرامب كارنباور، الخليفة المرتقبة سابقاً لخلافة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، طوال السنة التي تزعمت فيها الحزب الحاكم. فالحقيقة أن الصحيح هو العكس تماماً. إذ يمكن القول إنها تسببت غير مرة بتوتّر العلاقة مع الشريك في الائتلاف الحاكم، هو «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، من خلال تصريحات أدلت بها حول المشاركة العسكرية لألمانيا في الخارج.
هنا يجدر التذكير بأن ميركل سلّمت «آ.ك.ك» منصب وزيرة الدفاع في حكومتها، إلى جانب توريثها زعامة الحزب. ولكن حتى في وزارة الدفاع لم تحقق «آ.ك.ك» الكثير. وجاءت تصريحاتها عن المشاركة العسكرية في الخارج، مثلاً، أزعجت وزير الخارجية هايكو ماس الاشتراكي المعارض لأي توسّع خارجي للجيش الألماني لأسباب تاريخية.
أيضاً، لم تستطع خليفة ميركل السابقة من موقعها كزعيمة للحزب المحافظ الكبير تحسين موقعه في استطلاعات الرأي واجتذاب قطاعات من الناخبين يخسرها الديمقراطيون المسيحيون منذ سنوات، تحديداً منذ أزمة اللاجئين وقرار ميركل استقبال مئات آلاف السوريين. ولقد كانت نتائج الانتخابات الأوروبية والانتخابات المحلية في بضع ولايات ألمانية سيئة حقاً بالنسبة للحزب... وعلى الرغم من ذلك، بقيت كرامب كارنباور في منصبها.
- قشة ثورينجيا... التي قصمت ظهر البعير
ولكن على ما يبدو كانت انتخابات ولاية ثورينجيا الصغيرة، وهي واحدة من ولايات ألمانيا الشرقية السابقة، «القشة التي قصمت ظهر البعير». فالولاية شهدت انتخابات محلية قبل 3 أشهر، وأفرزت تلك الانتخابات نتائج سيئة للديمقراطيين المسيحيين، أسهمت في القضاء (إن لم تكن هي التي قضت فعلاً) على كرامب كارنباور. غير أن اللافت فيما حصل أن ما هز مكانة «آ.ك.ك» ما كان خسارة الحزب هناك أو تحقيقه نتائج سيئة فحسب، بل كان الأمر الأسوأ «تمرُّد» أعضاء الحزب في ثورينجيا على أوامرها، وخرقهم العرف القاضي بتجنّب التعامل مع حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف؛ إذ اختار هؤلاء التصويت لمصلحة الحزب المتطرف، الذي يتهمه بعض خصومه بالعنصرية، لاختيار رئيس حكومة ائتلافية في الولاية من «حزب الديمقراطيين الأحرار».
شكّل هذا «الحلف» صدمة وطنية، وكانت تلك المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يتحالف فيها المحافظون مع المتطرفين. وبالنسبة لكثيرين من الساسة والصحافيين كان ذلك اليوم «يوماً أسود للديمقراطية الألمانية». كثيرون، من بينهم بودو روميلو، رئيس حكومة ثورينجيا السابق الذي ينتمي لحزب «دي لينكا» اليساري المتشدد، شبّهوا ما حصل في مدينة إيرفورت (عاصمة ثورينجيا) بالتطورات في «جمهورية فايمار» السابقة (بين عامي 1919 و1933) التي مهدت لصعود أدولف هتلر وحزبه النازي إلى السلطة. يومذاك بدأ المحافظون يتحالفون مع حزب هتلر النازي المتطرّف في الولايات الشرقية، أملاً في الاحتفاظ بالسلطة في وجه خطر اليسار. وكان هذا التحالف الظرفي الاستنسابي مدخل هتلر للسلطة وبداية صعوده الفعلي... والمفارقة أن ولاية ثورينجيا أيضاً نفسها كانت التي تسببت بالأزمة القائمة اليوم.
أكثر من هذا، أنه بين ما يزيد من التشبيهات بين «جمهورية فايمار» وما يحصل اليوم، أن زعيم حزب «البديل لألمانيا» في تورينغن، يورغ هوكيه، هو نفسه من الجناح الشديد التطرف في الحزب لدرجة أن قاضياً حكم، العام الماضي، بأنه يمكن وصفه بـ«الفاشي». وهو يستخدم دوماً تعابير نازية، وحتى أعضاء حزبه لا يمكنهم التمييز بين جمل منسوبة له وجمل منسوبة لهتلر.
وفي إحدى المرات، قبل إجراء مقابلة معه، عرضت قناة ألمانية على هوكيه شريطاً مصوّراً يُظهِر مراسلاً يسأل أعضاء في «البديل لألمانيا» بأن يخمِّنوا ما إذا كانت الجملة المتلوة هي لهوكيه أم أنها مستخرجة من كتاب «كفاحي» لهتلر... وبالنتيجة أخطأ معظمهم في التخمين. وعلى الأثر، غادر هوكيه المقابلة وهو يهدد الصحافي بأن «شيئاً ما قد يصيبه».
- شخصية «آ.ك.ك» مسؤولة جزئياً
على الرغم مما سبق، لا يتفق الجميع على التشابه بين ما يحصل الآن وما حصل في أيام «جمهورية فايمار»؛ إذ يقول كريستيان كاستروب، من معهد برتلسمان في العاصمة الألمانية برلين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يرى رابطاً مباشراً، قبل أن يضيف: «لكنه كتذكير تاريخي ومثل سيئ جداً فهو مهم، لأنه يعني أن ثمة مسؤولية خاصة على الأحزاب المحافظة؛ بأن تبقى متيقظة».
أيضاً لا يرى كاستروب أن المسؤولية كلها تقع على عاتق كرامب كارنباور. ذلك أنه يعتبر أنها ما كانت تتمتع بما يكفي من «السلطة والإرادة» لأحداث تغيير داخل الحزب. ويتابع: «لقد أمضت معظم وقتها في إدارة شؤون الحزب» لا أكثر... و«طبعاً، لم يساعدها أنها لا تتمتع بكاريزما خاصة». ومن ثم استطرد كاستروب قائلاً: «ميركل نفسها لا تتمتّع بكاريزما معينة، ولكن ما يميزها صلابة مواقفها ووضوح رؤيتها، وهو ما تفتقر إليه كرامب كارنباور».
ويرى الباحث والمحلل الألماني أن تصريح ميركل من بريتوريا (عاصمة جنوب أفريقيا)، الذي جاء بعد يوم على «فضيحة ثورينجيا»، والذي أعلنت خلاله أن ما حصل «غير مقبول بتاتاً، ولا يمكن التسامح معه»، كان أشبه بالضربة القاضية لسلطة كرامب كارنباور. إنه بعد تصريح ميركل هذا، كان واضحاً بأنه سيتوجب على «آ.ك.ك» الاستقالة.
هذا شكّل، على ما يبدو، نوعاً من الاستياء لدى زعيمة الحزب المستقيلة التي لم تتردّد بانتقاد قرار ميركل فصل المستشارية عن زعامة الحزب، وهو أمر غير معهود في ألمانيا؛ إذ قالت «آ.ك.ك» يومذاك إن «فصل المنصبين» أضعف موقعها، مع أن ميركل كانت تأمل تحقيق عكس ذلك عندما قرّرت فصل الموقعين مؤقتاً.
- وأين مسؤولية ميركل؟
من جهة أخرى، كتبت بعض الصحف أن فشل الديمقراطيين المسيحيين في ثورينجيا، مسؤولية ميركل التي «أغلقت الطريق أمام تجديد الحزب بتمسكها بموقع المستشارية، وهي رغم أنها اختارت كرامب كارنباور لخلافتها، فإنها أعاقت تقدمها، وحولتها إلى ميني ميركل».
بيد أن كاستروب يرى أن ميركل كانت «محقة من حيث المبدأ»؛ بأن تمنح خليفتها فترة انتقالية للتأقلم، كما أنها ساعدتها بمنحها حقيبة وزارة الدفاع التي كانت بيد أورسولا فون دير لاين، التي أصبحت مفوضة الاتحاد الأوروبي. وحسب كاستروب، فإن كرامب كارنباور «لم تقم بدور جيد كذلك في وزارة الدفاع»، ومن كان ليُعلم ما إذا كانت ستؤدي أداء مختلفاً في حال تسلمت منصب المستشارية مع زعامة الحزب في الوقت نفسه.
في أي حال، لكن الآن بعد أن استقالت كرامب كارنباور، عاد السباق لخلافة ميركل إلى البداية، ومعها المخاوف حول هوية الذي سيخلفها... وإلى أين سيذهب بالحزب. فطوال السنوات العشرين الماضية، نجحت أنجيلا ميركل بتطوير الحزب وتحويله إلى حزب وسطي، رغم أنه بقي محافظاً. ولكن قرار ميركل (وهي ابنة قسيس بروتستانتي) فتح الأبواب للاجئين تسبب بانقسام شديد، ليس فقط في أوساط ناخبي الحزب، بل داخل هيكله القيادي كذلك.
ومن ثم، ظهر جناحان، أحدهما وسطي والآخر يميني متطرف، يدعو بعض ناشطيه إلى التحالف مع «البديل لألمانيا» على الصعيد المحلي. ولم تساعد اعتدال ميركل استطلاعات الرأي التي أخذت تظهر تراجع حزبها إلى المرتبة الثالثة وما دون، في معظم الولايات الشرقية، في حين يحل حزب «البديل لألمانيا» في الطليعة.
وبالتالي، يعتقد بعض الديمقراطيين المسيحيين أن الحل الوحيد للبقاء في السلطة بالولايات الشرقية هو عبر التحالف مع حزب «البديل لألمانيا»، بينما يروّج آخرون إلى تبنّي الحزب نفسه مبادئ سياسية قريبة من مبادئ الحزب المتطرف، خاصة تلك المتعلقة باللجوء، في محاولة لاستعادة الناخبين المحافظين الذين هجروا الديمقراطيين المسيحيين، ولجأوا إلى «البديل لألمانيا». ويرى هؤلاء الناخبون أن الحزب المحافظ لم يعد يمثلهم بشكل جيد، وأن سياسة اللجوء التي اعتمدتها ميركل ليست بالضرورة السياسة التي يريدون دعمها.
- بين نقيضين يميني ويساري
وفي هذا الصدد، يرى كاستروب أن الدعوات للتعاون من حزب «البديل لألمانيا» ستبقى دائماً مطروحة، لا سيما في الولايات الشرقية، حيث «هناك إرادة كبيرة عند الديمقراطيين المسيحيين لاستعادة السلطة». لكنه يضيف أن هذه ليست فكرة جيدة، مع العلم أنه كما «يمنع» حزب ميركل التحالف مع «البديل لألمانيا»، فهو يمنع كذلك التحالف مع حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد. وللعلم، مثلما يتمتع «البديل لألمانيا» بنفوذ قوي في الولايات الشرقية، فإن حزب «دي لينكا» (الوريث غير الرسمي للشيوعيين الحاكمين سابقاً في ألمانيا الشرقية مع حلفاء لهم) يتمتع أيضاً بشعبية واسعة. ولقد حل «دي لينكا» أولاً في ثورينجيا، متقدماً عن «البديل لألمانيا»، ما يعني أنه كان بإمكان الديمقراطيين المسيحيين دعم رئيس الحكومة اليساري هناك لإبقائه في منصبه، لكنهم لم يفعلوا، بل فضّل قادتهم التحالف مع اليمين المتطرف.
كاستروب يرى هنا أن وضع اليمين المتطرف في الخانة نفسها مع اليسار المتشدد «مشكلة بحد ذاتها»، ويجب أن تنتهي. وهو يعتقد أن من أولى مهام أي زعيم جديد إنهاء هذا «التوازن بين اليمين المتطرف واليسار المتشدد لأن (دي لينكا) لا يشكل أبداً خطراً على الديمقراطية بعكس (البديل لألمانيا)». ويضيف: «على الجميع أن يواجه الفاشية، ولكن اليسار المتشدد ليس فاشياً، ولا يجوز وضعه في الخانة نفسها».
في هذه الأثناء، يروّج البعض، لا سيما «حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي»، وهو الحزب الشقيق للديمقراطيين المسيحيين في وزارة بافاريا، لاعتماد أسلوب شبيه بالأسلوب الذي اعتمده المستشار النمساوي اليميني سيباستيان كورتز، زعيم حزب الشعب المحافظ؛ إذ استعار كورتز كثيراً من سياسات حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا، لا سيما فيما يتعلق بالمسلمين والهجرة واللاجئين، ثم إنه تحالف في الحكومة الأولى التي شكلها مع حزب الحرية. غير أن تلك الحكومة لم تعمّر طويل بسبب فضيحة هزّت الحزب اليميني المتطرف. وبالتالي، شكل كورترز حكومته الثانية مع حزب «الخضر» اليساري، مع محافظته على انعزاليته المتطرفة المتعلقة باللاجئين.
ومما يجدر ذكره، أن كرامب كارنباور حاولت اتخاذ مواقف أكثر حزماً من اللاجئين إبان فترة ترؤسها للحزب، في محاولة لإبعاد نفسها عن ميركل وكسب المزيد من الأصوات، إلا أن مسعاها لم ينجح... ثم إن سياستها لم تكن أصلاً «راديكالية» بما يكفي لإرضاء جموع الناخبين اليمينيين المتطرفين.
- عود على بدء: من سيخلف أنجيلا ميركل؟
> يعتمد مستقبل «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الألماني اليوم بعد استقالة زعيمته آنغريت كرامب كارنباور على من سيكسب معركة الزعامة. ومن بين المرشحين لخلافة «آ.ك.ك»، مجدداً منافسها القديم، فريدريش ميرز (63 سنة)، وهو رجل أعمال ثري كانت ميركل نفسها قد دفعته للتقاعد من العمل السياسي قبل نحو 15 سنة، ويُعد من أشرس منتقديها داخل الحزب.
يحظى ميرز بتأييد كبير داخل الجناح اليميني المتشدد في الحزب، أي أولئك الذين يروّجون لضرورة إجراء تحالفات مع «البديل لألمانيا»، ثم إنه لا يخفي طموحه السياسي، إذ استقال من منصبه في شركة «بلاك روك» قبل بضعة أسابيع تمهيداً للتركيز على السياسة أكثر. وهو كان يأمل أصلاً أن ينتخب زعيماً للحزب في ديسمبر (كانون الأول) 2018، لكن «آ.ك.ك» سبقته بفارق ضئيل.
ورغم أن هذه المرة لم يعلن أحد بعد نيته الترشح لزعامة الحزب، ولم يحدد أصلاً موعداً لهذه الانتخابات، فإن الكلام يدور على أن التنافس سيكون بين ميرز ورئيس حكومة ولاية الراين الشمالي - وستفاليا ونائب زعيم الحزب أرمين لاشيت (58 سنة). كذلك هناك وزير الصحة الشاب يانس شبان (39 سنة) الذي برز اسمه عام 2018. ورغم أن الأخير قد لا يتمكن من كسب أصوات كافية للفوز بزعامة الحزب، فهو ما زال يطمح لذلك. وللعلم، عام 2018، خرج شبان من الدورة الأولى للتصويت فيما بقيت «آ.ك.ك» وميرز للدورة الثانية.
بين الثلاثة، يُعد لاشيت من المقرّبين لميركل، وهو لم يترشح لخلافتها في المرة الماضية. وثمة من يتحدّث عن اتفاق «تحت الطاولة» حصل بين لاشيت وميركل عام 2018 يقضي بإحجامه عن الترشح في حينه إفساحاً في المجال أمام كرامب كارنباور للفوز. ولكن الآن قد تكون الطريق أمامه ممهدة، خاصة أن سياسته قريبة من سياسة ميركل.
وحقاً، كثرة من المتابعين يرون أن فرصة لاشيت وافرة هذه المرة، مستبعدين فرص اختيار ميرز، رغم التأييد الكبير الذي يحظى به من «الجناح المتطرف» داخل الحزب. ويعتبر هؤلاء المتابعون أن لاشيت محبوب من الجميع داخل الحزب المحافظ ويجيد التعاطي مع الناخبين.
وفي المقابل، تتداول صحف ألمانية منذ أيام «سيناريو» ضم ميرز لحكومة يرأسها لاشيت، وتعيينه وزيراً للاقتصاد من أجل الاستفادة من خبرته في عالم الأعمال، وفي محاولة لكسبه إلى جانبه وطمأنة «المتطرفين» في الحزب كذلك.
في مطلق الأحوال، وبغض النظر عمّن سيكون زعيم الحزب المقبل، يبدو أن ما حصل في ثورينجيا لن يتكرر... على الأقل في الفترة القليلة المقبلة؛ إذ إن رد الفعل الذي تبع التحالف بين الديمقراطيين المسيحيين و«البديل لألمانيا» كان مزلزلاً، ومن كل الأحزاب. ولكن التحدي الآن هو انتخاب زعيم جديد، والإبقاء على الحكومة قائمة في الوقت نفسه؛ إذ إن الاشتراكيين أعلنوا بوضوح أنهم دخلوا الحكومة مع ميركل، وسيغادرونها مع ميركل. وهذا ما يعني أن أي إصرار من الزعيم المنتخب على تولي منصب المستشارية في الوقت نفسه وعلى الفور، سيؤدي إلى إسقاط الحكومة والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، عوضاً عن الانتخابات المجدوَلة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وفي حال حصل ذلك، ستُجبر ميركل العازمة على إكمال ولايتها حتى نهايتها، على التقاعد المبكر.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.