إيمانويل تود يعيد فرنسا إلى «الصراع الطبقي» في القرن الـ 21

الأنثروبولوجي المعروف باستفزازيته المثيرة للجدل

إيمانويل تود
إيمانويل تود
TT

إيمانويل تود يعيد فرنسا إلى «الصراع الطبقي» في القرن الـ 21

إيمانويل تود
إيمانويل تود

أحزاب سياسية انتهت بعد أن أصبحت عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكل الناس، بيروقراطية متسلطة بلا فرامل أو رقابة، حلّت مكان القرار السياسي، وشعب يزداد فقراً. هذا الكلام ليس عن دولة من العالم الثالث، بل هو باختصار رأي الأنثروبولوجي والمؤرخ الفرنسي المثير للجدل إيمانويل تود، حول ما تعيشه بلاده في الوقت الراهن. وفي كتابه الجديد «الصراع الطبقي في فرنسا في القرن الحادي والعشرين»، يشن حملة على النظام القائم خاصة على «الماكرونية»، متعاطفاً مع أصحاب السترات الصفراء، ومعتبراً أنهم من خلال انتفاضتهم التي بدأت تستجرّ موجات من الاحتجاجات النقابية، أعادوا له إحساسه بـ«الفخر» كمواطن فرنسي.
معجب هذا الباحث الأكاديمي، الذي تلقى تعليمه في كامبريدج، بالنموذج البريطاني الذي يراه ناجحاً، ويملك مقومات التطوير الذاتي. عاش لفترة من الزمن هناك ولا يزال له أولاد وعائلة، وهو لا يتوقف عن المقارنة بين التوجه الأنجلو ساكسوني، وما تنتهجه أوروبا عموماً، واجداً في هذه الأخيرة رغم طموحها الوحدوي عوائق يصعب تجاوزها. لهذا يعتقد أن «بريكست» رغم كل المعارضات له، يشكل بداية لتحلل أوروبا، وعودة السيادة التي يتمناها إلى دولها.
إيمانويل تود يميل إلى القول إن هذا الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، بل على العكس، يزيد الأزمات، ويصعّب من الحلول. ويلقي الكاتب باللائمة على «اليورو» باعتباره سبباً رئيسياً في خفض مستوى الحياة في فرنسا، وزيادة الفقر، لأن اعتماد العملة المشتركة حرم فرنسا تدريجياً من سلطتها على اقتصادها، فيما قوانين الاتحاد الأوروبي حدّت من إمكانية اتخاذ قرارات مستقلة، بما فيها التعامل مع المهاجرين. المشكلة ليست في استقبال هؤلاء بأعداد معقولة، وإنما بافتقار المجتمع الفرنسي إلى الديناميكية التي تسمح له باستيعاب المهاجرين.
ويخالف تود عدداً من زملائه الباحثين الذين يرون أن المجتمع الفرنسي غير متجانس، وأن هذا جزء من معضلته. فهو يصرّ على أن الاختلافات المناطقية التي يتحدث عنها بعض الكتاب تلاشت إلى حدودها الدنيا، وكذلك الاختلافات الدينية، وحتى المهاجرين من الجيل الثالث باتوا مندمجين، وهذا ما يفسر بروز المشكلات نفسها، والشكوى ذاتها في مختلف المناطق في وقت واحد.
الأزمة في عمقها كما يراها الكتاب هي أن عدد الموسرين الذين يقبضون على الثروات لم يعد تتعدى نسبتهم 1 في المائة، فيما تعتقد البرجوازيات الصغيرة أنها تنعم بحياة هانئة، كالبحاثة والأكاديميين الذين ينتمي إليهم تود، لكنها في حقيقة الأمر ذاهبة إلى فقرها. وهو ما يعني أنها قد تنضم سريعاً إلى المحتجين، وحينها يمكن الحديث عن ثورة حقيقية في فرنسا. فلا ثورة دون انخراط الطبقة الوسطى فيها، وهو ما يعتقد أنه آت وخلال سنوات معدودات. مراهناً بذلك على أننا نعيش في زمن كل ما فيه أسرع من ذي قبل.
يخيل لمن يقرأ الكتاب، أن تود يتحدث عن لبنان، أو واحدة من دول منطقتنا الباحثة عن خلاصها، لكنه مؤمن بأن الأزمة كبيرة. وهو كأنثروبولوجي متخصص في الأصل في دراسة بنى العائلة وتشعباتها، وما يترتب عليها من أنظمة في المجتمعات وتحولاتها، له في قراءته لظواهر مجتمعه ومنهجه الخاص.
لذلك هو يتحدث عن نتائج سيئة تتعدى الاقتصاد إلى مناحٍ مختلفة منها الصحة والتعليم وحتى عن تدمير لليبرالية والبرجوازية الصناعية، فيما تحول العمال والموظفون الصغار إلى محتجين ومنتفضين. وتقع المسؤولية على عاتق السياسيين والأحزاب التي وصلت إلى حافة الانفجار، وفقدت القدرة على المبادرة. وبسبب هذا الشلل السياسي بات بمقدور الإدارات العليا أن تفرض سطوتها على المجتمع.
يشكو الكاتب أيضاً من تردي المستوى التعليمي، وتراجع الدراسات. وإلا كيف يمكن أن يفسر عجز وتيه خريجي المدارس العليا، فخر النظام التعليمي الفرنسي، حين يتولون المناصب السياسية، عن مواجهة العمال وبسيطي التعليم من السترات الصفراء الذين يظهرون ذكاء، وفاعلية، وقدرة على الحركة والمواجهة والاستمرار في الاحتجاج. وتقف الطبقة التي يفترض أنها النخبة الأكثر تأهيلاً عاجزة أمامهم.
لا يكف تود عن إثارة الجدل، وهو يعتبر كتابه هذا نوعاً من المكاشفة والمصارحة الفجة التي لا بد منها. لكن الكاتب كان قد أثار غباراً كثيفاً، حين أصدر عام 2015 كتابه «من هو شارلي؟» بعد أشهر من التظاهرات الضخمة التي شهدتها فرنسا، بعد وقوع الهجمات التي استهدفت يومها مجلة «شارلي ايبدو» ومتجراً يهوداً.
قيل يومها إنها أكبر تظاهرات تشهدها فرنسا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بسبب تكاتف الشعب الفرنسي ضد العنف والإرهاب، والتفافه حول مبادئ العدالة والحرية وقيم الجمهورية. لكن تود كان له في هذه المظاهرات رأي آخر، إذ اعتبر أن الذين تظاهروا هم طبقة بعينها أنهم الأغنياء والمثقفون وغيرهم من المحظيين الذين قال إن الهستيريا أصابتهم، بينما لم يشعر الفقراء وسكان الضواحي والعمال البسطاء بأن القضية تعنيهم بالقدر نفسه. واعتبر تود أن هذه القوة التي عكستها المظاهرات من خلال فئة بعينها، كانت في مواجهة فئة أخرى أضعف هم المسلمون.
على أي حال، تود الذي يقرأ تحولات المجتمع الفرنسي، ليس متفائلاً، وهو يرى إيمانويل ماكرون يعمل على قضم تقاعد العاملين الفرنسيين، مما يرفع منسوب القلق ويبشر بمزيد من الفقر، لذلك فتوقعاته أن الأمر إذا ما بقي على ما هو عليه فإن فرنسا ذاهبة إلى عنف وصدامات وصعود للتطرف في السلطة لمواجهة جحافل المعترضين، لكنه في الوقت نفسه يرى الأمل في «السترات الصفراء» وحيوية المجتمع في مواجهة الإفقار.
تمكن هذا الكاتب المحبوب تلفزيونياً، بفضل خلطاته المثيرة في دراساته أن يتحول إلى «بيست سيلر». ففي كتابه الأخير هذا يجمع كل المكونات التي تجعل منه مشتهى القراء، منها: مواقف حادة من الرئيس إيمانويل ماكرون، وإشادة بالسترات الصفراء، ودور اليورو، وتقسيمه الخاص للطبقات الاجتماعية الفرنسية في أربع خانات تذهب إلى خلخلة، والمهاجرون، والتعليم، والمرأة، والديموغرافيا... كل هذا في قالب تحليلي يعتمد على الأرقام والديموغرافيا، ويقدم قراءة مستقبلية مع طروحات غالباً ما تأتي استفزازية.
البعض يصف تود بأنه يجانب الموضوعية، بينما قراء كثر لا يزالون يتنظرون مؤلفاته، ويرون في تحليلاته ذكاء يستحق الثناء.



أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.