«إخوان» السودان: نظام البشير لم يكن إسلامياً

تلاحقهم اتهامات الشارع بخلق الأزمات... ويفتقرون إلى قيادة موحدة

البشير والترابي وبينهما غازي صلاح الدين العتباني خلال مؤتمر في 2014 (غيتي)
البشير والترابي وبينهما غازي صلاح الدين العتباني خلال مؤتمر في 2014 (غيتي)
TT

«إخوان» السودان: نظام البشير لم يكن إسلامياً

البشير والترابي وبينهما غازي صلاح الدين العتباني خلال مؤتمر في 2014 (غيتي)
البشير والترابي وبينهما غازي صلاح الدين العتباني خلال مؤتمر في 2014 (غيتي)

بعد نحو عام على سقوط حكم «الإخوان المسلمين» الممتد لنحو 30 عاماً، لا يزال كثيرون من السودانيين يعتقدون أن نظام الإسلاميين لم يرحل بعد. وتكثر الاتهامات لهم بأنهم «يتحكمون في مصير البلاد والعباد، ويحكمون قبضتهم على مفاصل الدولة بالحديد والنار»، عبر كوادرهم داخل المؤسسات المهمة والاستراتيجية، «ويساهمون بقدر وافر في عرقلة سير المؤسسات».
ورغم قرارات تفكيك النظام التي صدرت أخيراً لملاحقة الفاسدين من قادة الإسلاميين ومن ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوداني، فإن معظم قادتهم لا يزالون طلقاء، ويذهب البعض إلى تحميلهم مسؤولية كثير من الأزمات التي تمر بها البلاد، مثل أزمات الوقود والخبز والازدحام المروري وعمليات التهريب النشطة التي تتم عبر الحدود لكثير من السلع الاستراتيجية.
ويشير سليمان بدوي، وهو ناشط سياسي ورجل أعمال، إلى أن «بضائع السودان تهرّب إلى كل دول الجوار. الماشية تهرب إلى مصر، وسلع مثل الدقيق والسكر والوقود تباع عياناً جهاراً في تشاد وأفريقيا الوسطى حتى الكاميرون، وشرقاً إلى آريتريا وإثيوبيا. كل هذه المنتجات تُشاهد في مراكز البيع في هذه الدول بكل وضوح... عناصر الإسلاميين لهم اليد الطولى في ذلك».
ويقول القيادي في «الحرية والتغيير» الناطق باسم «لجنة تفكيك نظام الإنقاذ» صلاح مناع لـ«الشرق الأوسط» إن «الإسلاميين ما زالوا موجودين ويسيطرون على مفاصل السلطة والمال، بل يتشبثون بالعودة إلى الحكم».
ويوضح أن «محاولاتهم لإفشال السلطة الانتقالية متواصلة، ولم تتوقف يوماً واحداً، وما مر يوم إلا وتم اكتشاف مؤامرة يقفون وراءها». وأشار إلى ضبط السلطات الأمنية متفجرات في أحد أحياء الخرطوم، «وهم ضالعون فيها، ما يدل ويؤكد تآمرهم». لكن مناع أكد قدرة الحكومة على «القضاء عليهم وتفكيك مراكز نفوذهم في السلطة والمال، واستعادة الدولة السودانية منهم». ورأى أن «الجرائم التي ارتكبوها خلال 30 سنة من الحكم، أنهت مستقبلهم السياسي في السودان إلى الأبد، والدولة لن تسمح بإقامة أحزاب على أسس دينية مجدداً».

- الأزمات منذ الاستقلال
قادة حزب «المؤتمر الشعبي» الذي أسسه منظّر الإسلاميين الراحل الدكتور حسن الترابي، يدافعون عن أنفسهم، ويرفضون اتهامهم بالوقوف وراء الأزمات. ويقولون إن ما يحدث هو «نتاج طبيعي لفشل الحكومة اليسارية التي يقودها الشيوعيون والبعثيون، ولا علاقة له بالتيار الإسلامي».
بشير آدم رحمة، الأمين العام المكلف للحزب، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا علاقة لنا بما يحدث، فالسياسات التي تنتهجها الجماعات اليسارية الحاكمة هي التي تسببت في الأزمات، وأدت إلى وقف المساعدات الخارجية عنهم، والتي كان يمكن أن يتلقوها إذا انتهجوا سياسات معتدلة ومحاورية». وأضاف أن «الدول الخارجية ليست منظمات إغاثة... عندما ابتعدوا عن المحاور، أوقفوا عنهم الدعم».
وبشأن عمليات التهريب، يقول رحمة إن «التهريب إلى الدول المجاورة قديم، ويحتاج إلى معالجات، ولو لم تنفذ الحكومة أجندات الخارج فلن تجد الدعم». وأشار إلى أن «إنتاج الذهب يبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، ويمكن أن يسد العجز في الموازنة الذي يبلغ 6 مليارات دولار... مشكلتنا في السودان تتمثل في إدارة الموارد، من كل الحكومات التي مرت منذ الاستقلال».
ودافع عن مشاركة حزبه في النظام قبل سقوطه، مشيراً إلى أنها «تمت باتفاق سياسي عبر برنامج الحوار الوطني، وأسهمنا في تعرية النظام من الداخل، بكشف الفساد المالي في مجلس الوزراء والبرلمان، ما كسر هيبة النظام، وشجع السودانيين على الخروج في الشوارع ضد النظام». ورأى أن «المحاور الإقليمية والعالمية انتهزت فرصة مشاركتنا في السلطة لإسقاط النظام والتخلص من الإسلام السياسي بضربة واحدة، فيما كان حزب المؤتمر الشعبي يعمل من الداخل لإسقاط نظام عمر البشير».

- الاعتراف بفساد «الإنقاذ»
واعترف رحمة بفساد نظام «جبهة الإنقاذ» الذي شارك حزبه في بداياته. وقال: «اعتذرنا عشرات المرات عن المشاركة في انقلاب 1989»، معتبراً أن نظام البشير «لم يكن إسلامياً». وأضاف أن «من أكبر أنواع الفساد الذي مارسه نظام الإنقاذ قتل النفس في دارفور، والحكم الديكتاتوري الفاسد».
غير أنه دافع عن نهج الإسلاميين في إقصاء الآخرين في السلطة بدعوى «التمكين»، معتبراً أن «أي حزب يأتي إلى الحكم يعمل على تمكينه في السلطة». وأشار إلى أن «نظام الإنقاذ كان يدار بواسطة الجيش والأمن والشرطة، وعندما استعصى علينا إصلاح الأوضاع نحو نظام ديمقراطي خرجنا منه».
وبرر رحمة انقلاب الإسلاميين على الحكومة الديمقراطية المنتخبة في العام 1989 بـ«الإقصاء الذي تمت ممارسته عليهم من قبل القوى السياسية» في الحكومة الديمقراطية، ومطالبات قيادة الجيش لرئيس الحكومة الصادق المهدي آنذاك بإبعاد الإسلاميين من السلطة، وموافقته على ذلك.
وقال إن «حزب المؤتمر الشعبي أعلن موقفاً واضحاً، أنه ضد الانقلابات العسكرية... (تاني خلاص توبة من العسكر). وقدمنا اعتذاراً للشعب السوداني عن انقلاب الإنقاذ. إذا كانت هناك محاكمات، فيجب أن يحاكم كل الذين شاركوا في الانقلابات التي حدثت في السودان منذ الاستقلال».
وأوضح رحمة أن «المؤتمر الشعبي ليس ضد محاكمة كل من ارتكب جرائم في حق الشعب السوداني... أي سلطة من دون رقابة مفسدة، ومن مساوئ الإنقاذ قمع الحريات وإقصاء الآخرين، وكل الممارسات الخاطئة للإنقاذ من قتل وتشريد، تعرضنا لها في حزب المؤتمر الشعبي».
وأشار إلى أن الأمين العام للحزب علي الحاج محمد «قُبض عليه بتهمة المشاركة والتدبير، في انقلاب الإنقاذ، وهو بريء منها، وهي تهمة سياسية، لأنه عندما وقع الانقلاب كان خارج البلاد». وأضاف أن «الحريات من أساس الدين، وأي نظام لا يبسط الحريات لا يمكن أن نسميه إسلامياً، ونظام الإنقاذ لم يكن إسلامياً، وإنما عسكرياً، بما في ذلك الفترة التي كنا فيها جزءاً من السلطة».
وبشأن موقف الحزب من تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، قال رحمة: «دخلنا السجون لأننا طالبنا بذلك، لأنه لا توجد عدالة في السودان، وحتى الآن لا توجد عدالة... هذه الحكومة مفروضة من الخارج، ويسيطر عليها اليسار، أحزاب الشيوعي والبعث، والناصريون، وحالياً القضاء مسيس». وأضاف: «في عهد البشير لم تكن هناك إمكانية لمحاكمة المطلوبين بواسطة القضاء الوطني، لذلك طالبنا بأن يحاكموا بواسطة المحكمة الجنائية الدولية... الآن هذا الطلب أولى أن يجاب، لأنه لا يوجد قضاء مستقل».
بيد أن رحمة توقع حدوث عقبات وتعقيدات إذا حاولت الحكومة تسليم المطلوبين إلى محكمة لاهاي. وقال: «لن يستقر السودان، لأن الجيش وأنصار حزب المؤتمر الوطني المحلول (حزب البشير) لن يسكتوا... سيؤدي هذا القرار إلى قلاقل في البلاد. وربما يؤدي إلى انقلاب عسكري أو فوضى عارمة».

- تحذير من «الشيطنة»
من جهته، يتحفظ الإسلامي المنشق رئيس «حركة الإصلاح الآن» غازي صلاح الدين العتباني عن تسليم البشير. ويقول: «عندما كنت مشاركاً في مفاوضات الدوحة توصلنا إلى حل مقبول يزاوج بين تحقيق العدالة وأن يكون الحل وطنياً... توصلنا إلى صيغة قبل بها المجتمع الدولي، (وتقضي بأنه) يجوز لكل من تضرر من أي شخص بما في ذلك الرئيس أن يقدم شكواه لمحاكمة وطنية، لكن بإشراف دولي، وأنا ملتزم بهذا الاتفاق الذي يجمع ما بين العدالة، ويأخذ في الاعتبار المعاناة والخسائر التي حدثت، ويزيل مخاوف الذين يقولون إن هذا مدعاة للتدخل الدولي».
ولا يعترض العتباني على ما يسميه «التدبر في أخطاء الإنقاذ ونقد تجربتها»، ويدعو إلى «الاستفادة منها لتجنبها في المستقبل... وهذا كافٍ ليثير جدلاً مفيداً، مثلما حدث في تجربة المصالحة والعدالة بجنوب أفريقيا، لكن ليس محاكمة لشخص معين، وهذا النوع من التمارين الديمقراطية مطلوب».
وأثار لقاء جمع العتباني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك حملة استنكار واسعة، وهو ما يثير استغراب الرجل الذي يقول إن اللقاء «كان موفقاً». ويوضح أن حمدوك «دعاني إلى التشاور معه في القضايا الوطنية، وتبادلنا الآراء نحو الساعة، ما عزز مطلب الحوار لتوفير حلول لمشكلات البلاد». وانتقد الحملة ضد اللقاء، ووصفها بأنها «ضد الديمقراطية... من يدعون الديمقراطية بطاقاتهم مضروبة، لأنه لا يوجد شيء يمنع شخصاً يعمل وفق القانون، من أن يقابل من يقابل».
وعزا حالة «الكراهية» التي تواجه الإسلاميين إلى إخفاقات تجربة حكمهم، «واستغلال الخصوم السياسيين لهذه الإخفاقات». وقال: «نعم هناك أخطاء استخدمت لتجسيد موقف جديد، أساسه سياسي، وليس فكرياً، اتخذ ذريعة فكرية ليصور مجموعة من الناس بصورة الشيطان. لم يشهد تاريخ السودان الحديث أن تعرضت جماعة لمثل هذه الدرجة من الشيطنة».
ويحذر العتباني من الاستمرار في شيطنة الآخر، بقوله: «إذا وافقنا على منهج الشيطنة فسنكون جميعاً ضحايا لهذه الممارسة، يجب أن نوقفه ونمنعه، فهو مثيل لتجربة رواندا التي تحولت إلى مجزرة». ورأى أن «شيطنة الإسلاميين استخدمت ذريعة للتهرب من المسؤوليات، لدرجة أنها تحولت إلى سخرية من مروجيها». وأضاف: «تحولت المسألة إلى مكايدات وتربص بالآخر، حتى حرية الكلمة تأثرت بذلك. استغربت من بعض الأصوات التي ترفض أن نتكلم، هذا التكيف الذهني الجديد لن يؤدي إلى تحقيق الأهداف الكبرى، فقضايانا المتعلقة بالفترة الانتقالية كثيرة ولم تحسم».

- حظوظ الإسلاميين في الانتخابات
ويتوقع العتباني حصول الإسلاميين حال إجراء الانتخابات في موعدها على نسبة 20 في المائة من أصوات الناخبين، مستنداً إلى ما أسماه «النواة الصلبة للإسلاميين التي تمثل نسبة تتراوح بين 20 و25 في المائة».
ولم يستبعد الرجل الذي غاضب طرفي الإسلاميين في الحكم والمعارضة، عودة الإسلاميين إلى الحكم، لكن في الوقت ذاته حذر من «استخدام الانقلاب كوسيلة للتغيير». وقال: «وارد حدوث انقلاب، لكنه سيعقد القضية أكثر، وإذا حدث فسيأتي بالجيش وحده، لأنه مستعد لتقبل أي أطروحة من أي جماعة سياسية قد تدفعه لتحقيق أغراضها، لكن الناس استناداً إلى ردات الفعل من الحكومات العسكرية السابقة سيتنصلون منه، ويتنكرون له».
ورسم العتباني سيناريوهات بديلة، وضع على رأسها نجاح التحول الديمقراطي، أو أن يحدث انقلاب، وهو احتمال غير راجح، أو أن تؤدي المؤثرات الخارجية والداخلية بالتناغم مع انتشار السلاح إلى عنف سياسي غير مسبوق.

- غياب القيادة
المحلل السياسي والإسلامي السابق أبو ذر علي الأمين، لا يرى فرصة لتجمع الإسلاميين، «لأن حكم الثلاثين سنة الماضية فرقهم، فأصبحوا بلا آيديولوجيا واحدة، ولم يترك لهم زعيماً يتوحدون خلفه». ويوضح أن مستقبل حركات الإسلام السياسي «مواجه بتعقيدات كثيرة على المديين القريب والبعيد، وهم ما زالوا يرفضون الاعتراف بأنهم فقدوا حركة منظمة قوية ومتماسكة كانت توحدهم، وأنهم فقدوا السلطة، لذلك يتعاملون بالعنجهية ذاتها، ويستخدمون اللغة نفسها، ويقودهم الأشخاص أنفسهم... هذا كله بلا قيمة». وأضاف: «إذا تغاضينا عن عدم نقدهم لأنفسهم، فالحركة الإسلامية بحاجة لخطاب جديد، لأن الخطاب الذي قامت عليه لم يعد فعالاً في العهد الجديد. ومثلما فشل في الثلاثين سنة، سيفشل في مواجهة أسئلة اليوم».
وخلص إلى أن «حكمي النهائي أن الإسلاميين سيواجهون معاناة كبيرة، وأنهم في حال بروز تيارات سياسية جديدة تقود البلاد، لن يكونوا ضمنها، بسبب تجربتهم التي لم يخرجوا منها... أقصى ما يمكن أن يفعله الإسلاميون السودانيون هو أن يكونوا مزعجين، أكثر من أن يشكلوا خطراً، لأنهم غير قادرين على استيعاب المتغيرات داخلهم وحولهم».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.