ميانمار تناقش تعديلا دستوريا يمهد لسو تشي الترشح للرئاسة

زعيمة المعارضة تشارك في اجتماع غير مسبوق مع قادة الحكم

ميانمار تناقش تعديلا دستوريا  يمهد لسو تشي الترشح للرئاسة
TT

ميانمار تناقش تعديلا دستوريا يمهد لسو تشي الترشح للرئاسة

ميانمار تناقش تعديلا دستوريا  يمهد لسو تشي الترشح للرئاسة

أعلنت الرئاسة في ميانمار (بورما سابقا) أمس، قبل سنة على الانتخابات التشريعية التي يتابعها الغرب عن كثب، أن البرلمان سيناقش تعديلا للدستور الذي يمنع حتى الآن زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي من أن تصبح رئيسة. وقال الناطق باسم الرئاسة يي هتوت في مؤتمر صحافي عقده في ختام قمة سياسية غير مسبوقة شاركت فيها سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام في العاصمة نايبيداو: «فيما يتعلق بتعديل الدستور، اتفقوا على مناقشة ذلك في البرلمان وفقا لما ينص عليه القانون». وسيناقش البرلمان تعديلات دستورية عدة، منها استحالة انتخاب شخص تزوج من أجنبي أو لديه أطفال من جنسية أخرى. وتوجه إلى الدستور الذي يرقى إلى زمن المجلس العسكري تهمة عرقلة طريق سو تشي، أرملة أحد البريطانيين.
وقد دخلت سان سو تشي صباح أمس إلى جانب الرئيس المنتهية ولايته ثين سين، قاعة المفاوضات، على مرأى من الصحافة الدولية التي دعي عدد كبير من مراسليها لتغطية الاجتماع. وانتهى الاجتماع عند الظهر، دون أن يدلي أحد بتصريحات. وأكد هتوت للصحافة أن لقاء أمس هو «المرحلة الأولى، ورغم أنه خطوة متواضعة، فسينجم عنه تأثير كبير». وقبل ساعات من بدء المناقشات، اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظيره البورمي للإشادة بالمبادرة. وتحدث أوباما على الهاتف أيضا مع سو تشي، وناقش معها الطريقة التي تمكن واشنطن من «دعم الجهود الرامية إلى تشجيع قيام بيئة سياسية أكثر انفتاحا». وقال البيت الأبيض بأن أوباما شدد مع الجنرال السابق ثين سين الذي وعد بانتخابات حرة، على «ضرورة قيام عملية تتسم بالانفتاح وتتمتع بالصدقية لتنظيم انتخابات تشريعية في 2015». وتعد «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، حزب النائبة سان سو تشي الأوفر حظا في هذه الانتخابات التي ستتيح لها بعد أن تصبح أكثرية في البرلمان أن تنتخب سو تشي رئيسة. لكن النقاش السياسي برمته يدور حول عدم تمكن سو تشي (69 عاما) التي أمضت سنوات طويلة في الإقامة الجبرية أيام المجلس العسكري وباتت رمزا دوليا، من أن تصبح رئيسة.
وكلفت لجنة برلمانية تقديم توصيات حول احتمال تعديل الدستور. ويتعين على البرلمان الحالي بعد ذلك أن يوافق على هذا التعديل بنسبة 75 في المائة من النواب، مما يتطلب توافقا عريضا بما في ذلك لدى العسكريين. وهم ما زالوا كتلة سياسية قوية ويخصص لهم الدستور 25 في المائة من مقاعد البرلمان، وهذه نقطة أخرى ترغب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» تعديلها.
وزادت الرابطة الضغوط أخيرا من خلال إعداد عريضة من أجل تغيير الدستور. وقد جمعت حتى الآن نحو 5 ملايين توقيع عبر البلاد. لكن، ورغم الإصلاحات الكبيرة التي أجريت منذ حل المجلس العسكري نفسه في 2011 ما زال قدامى أعضاء المجلس العسكري وفي مقدمهم الرئيس ثين سين، يحتلون المشهد السياسي. فإن المحللين يقولون إن الصراع على السلطة محتدم حتى في إطار أجهزة الدولة. وقال خبير غربي مقيم في ميانمار طلب عدم الكشف عن هويته بأن «احتمال حصول توتر» موجود اليوم في ميانمار، ولذلك فإن هذه القمة تمثل «لحظة بالغة الأهمية حتى يتقدم الجميع نحو تسوية».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»