«تأسيسية الدستور» الليبي تحذّر من مناقشة «مشروعه» في مباحثات جنيف

TT

«تأسيسية الدستور» الليبي تحذّر من مناقشة «مشروعه» في مباحثات جنيف

حذر 30 عضواً من الهيئة التأسيسية للدستور الليبي البعثة الأممية «من الزج بمشروع الدستور ضمن النقاشات المزمع عقدها؛ سواء في جنيف أو غيرها»، معتبرين أنه «من غير المقبول التعذر بوجود من يعارض المشروع ضمن الشخصيات المرشحة لحضور هذه الاجتماعات، وجعلها متكأ للقفز على الاستحقاق الدستوري، أو الالتفاف عليه».
وأقرت الهيئة التأسيسية المكونة من 60 شخصاً «مسوّدة الدستور» بأغلبية الأصوات في يوليو (تموز) 2018، ورفعتها في حينها إلى مجلس النواب في شرق البلاد لإقرارها، وسط جدل واسع حولها.
ورأى الأعضاء الثلاثون في خطابهم إلى البعثة أمس «أنها (البعثة الأممية) تعمل على تصوير مشروع الدستور بأنه يشكل معضلة كبيرة، ويتوجب إعادة النظر فيها، وهو ما يعد نوعاً من ممارسة الرقابة على عمل لا يمكن أن يقوم به إلا الشعب الليبي».
وقال الدكتور البدري الشريف، عضو الهيئة التأسيسية، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس: «رسالتنا للبعثة تشدد على أن موضوع الدستور يعد ملكية ليبية، ولا يحق لها ولا غيرها أن تقرر أي شيء نيابة عن الليبيين»، لافتاً إلى أن هذا الخطاب هو «تحذير للبعثة بأن التدخل في المسار الدستوري يعتبر سابقة خطيرة منها، وتجاوز لمهامها إذا ما أقدمت على ذلك، رغم تأكيدها دائما على دعم الديمقراطية، والعمل الدستوري، وعدم التدخل في قرار الليبيين».
وأضاف الشريف موضحا أن تصريحات غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، «تخرج عن ولاية البعثة، مما يعد مخالفة للإطار الذي حدده المسار الدستوري، وتم على أساسه انتخاب هيئته من الشعب الليبي، وبالتالي فهي وحدها المعنية بإنجاز مشروع الدستور، وفقاً للإجراءات المحددة في الإعلان الدستوري».
وتداولت تقارير محلية بأن اللجنة المعنية ببحث المسار السياسي، التي ستعقد في العاصمة جنيف، ستتطرق إلى بحث الدستور، لكن البعثة تؤكد في المقابل أنها لم تقر شيئا نيابة عن الليبيين.
غير أن أعضاء «التأسيسية» قالوا في خطابهم إن «البعثة تصر على الخلط بين المسارين السياسي والدستوري»، مبرزين أن «الخلاف الدائر سياسي بالأساس، ويتعلق بالمرحلة الانتقالية. وذلك بخلاف المسار الدستوري المحدد سلفاً، والمؤكد بمبادئ المحكمة العليا، والذي وصل إلى مرحلته النهائية، ولم يتبق منه إلا الاستفتاء، ولا يمكن إفساده».
كما نوه أعضاء «التأسيسية» إلى أن «المسار الدستوري الليبي يجمع بين أسلوبي الجمعية التأسيسية المنتخبة من الشعب، والاستفتاء الدستوري، ومن ثم، فقد ذهب أبعد مما ذهبت إليه أغلب الديمقراطيات المقارنة في وضع الدساتير»، لافتين إلى أن «الشعب هو الذي حدد أعضاء الهيئة التأسيسية، والهيئة بدورها أقرت مشروع الدستور، ولا تملك البعثة الأممية، ولا أي جسم من الأجسام السياسية القائمة، أو أي جهة أخرى، أن ترفض الدستور أو أن تقبله».
وهيئة الدستور هي كيان تم انتخابه قبل قرابة خمسة أعوام، وتمثل أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي، ويفترض أنها «تتمتع باستقلالية، ولا تتبع أي سلطة في البلاد»، وفقاً للائحتها الداخلية.
وذهب الأعضاء الموقعون على الخطاب، ومن بينهم ضو المنصوري، وصلاح الدين أبو خزام، بالإضافة إلى الشريف، أن «الشعب هو الذي يملك الكلمة الفصل عبر استفتاء عام، ولا يمكن أن تسجل الحالة الليبية سابقة للأمم المتحدة في المساهمة في مصادرة الإرادة العامة، وفي المساهمة في إنزال إرادة شخصيات متنفذة، تملك المال أو السلاح أو الدعم الخارجي، لتحل محل إرادة الشعب».
وذكّر الموقعون على الخطاب بما قضت به المحكمة العليا الليبية في حكمها، الصادر في 14 من فبراير (شباط) 2018، والذي تم بموجبه «تحصين أعمال الهيئة التأسيسية من الطعن، والتأكيد على شرعية مخرجاتها؛ باعتبارها السلطة التأسيسية الأصيلة في البلاد».
وانتهى أعضاء التأسيسية إلى القول: «نؤكد نحن أعضاء الهيئة التأسيسية الموقعين أدناه؛ والمنتخبين من قبل الشعب والممثلين لإرادته في الشأن الدستوري؛ وفقا لأحكام الإعلان الدستوري، وجوب استكمال جميع مراحل العملية الدستورية، وضرورة التزام جميع الجهات المعنية الدولية والوطنية باحترام مشروع الدستور، والتعهد بعرضه على الاستفتاء العام؛ ليقرر الشعب بإرادته قبوله، أو إعادته إليها لتعديله؛ وفقا للإجراءات المنصوص عليها دستوريا».
ومن المفترض وفقا للمبعوث الأممي أن تبدأ لجنة المسار السياسي أعمالها في جنيف في 26 من فبراير الحالي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.