محتجو العراق يتطلعون إلى دعم المرجع الشيعي الأعلى

بعد أن هاجمهم أنصار مقتدى الصدر

صورة للسيستاني معلقة أمس على واجهة «المطعم التركي» المطلة على ساحة التحرير في بغداد (أ.ف.ب)
صورة للسيستاني معلقة أمس على واجهة «المطعم التركي» المطلة على ساحة التحرير في بغداد (أ.ف.ب)
TT

محتجو العراق يتطلعون إلى دعم المرجع الشيعي الأعلى

صورة للسيستاني معلقة أمس على واجهة «المطعم التركي» المطلة على ساحة التحرير في بغداد (أ.ف.ب)
صورة للسيستاني معلقة أمس على واجهة «المطعم التركي» المطلة على ساحة التحرير في بغداد (أ.ف.ب)

بعد أن هاجم أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الاعتصامات في العراق، هذا الأسبوع، تحولت أنظار بعض النشطاء إلى آخر أمل باقٍ لهم طمعاً في الدعم والمساندة، وهو المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني.
وقال أحد المحتجين، ويدعى مهدي عبد الزهرة (30 عاماً)، وهو يرقب قوات الأمن وراء الحواجز الخرسانية في بغداد تطلق الرصاص من بنادق هواء باتجاه المتظاهرين إن السيستاني «هو الشخص القوي الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا». وأضاف: «يجب عليه الدعوة... إلى مسيرة مليونية ضد الحكومة. هذه فرصة أخيرة».
وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، هناك كثيرون مثل عبد الزهرة تحدوهم آمال كبيرة في السيستاني، فقد كان له القول الفصل والكلمة الحاسمة، التي أجبرت رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي على التنحي وسط اضطرابات شعبية في نوفمبر (تشرين الثاني). وبفتوى واحدة منه في عام 2014، حشد أكبر رجل دين
شيعي في البلاد عشرات الآلاف من المحاربين لقتال تنظيم (داعش) في شكل جماعات مسلحة شيعية.
لكن في الوقت الذي تتضاءل فيه المظاهرات بعد أن انقلب عليها أتباع رجل الدين مقتدى الصدر، شرع قطاع من الشباب العراقي في نقاش حول أهمية ما يقوله السيستاني، وما إذا كانوا سيستفيدون منه إذا تدخل بثقله في الأمر. وقال علي عبود، وهو ناشط في مدينة النجف مقر السيستاني: «أدلي بخطب لا حصر لها في أيام الجمعة حول هذه القضية، لكن لم يحدث أي شيء للأسف، وكأنه لا أحد يسمع». وتابع: «عندما صدرت فتوى لمحاربة المتطرفين، قوبلت بـ(السمع) والطاعة. لكن ليست هناك فتوى واضحة هنا، لا يوجد في الواقع ما يرغم أولئك القابضين على السلطة على التحرك».
ونادراً ما يعلق السيستاني على شؤون السياسة، لكنه تحدث في كل خطبة جمعة تقريباً عن الانتفاضة الشعبية في العراق، التي انطلقت شرارتها بين جماهير من الغالبية الشيعية في البلاد في بغداد والجنوب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكان رجل الدين البالغ من العمر 89 عاما ينأى بنفسه عن السياسة في ظل حكم صدام حسين، ولكن بعد الإطاحة بصدام حسين في الغزو الأميركي، عام 2003، ظهر السيستاني كواحد من أقوى الشخصيات في العراق.
ولكلمات السيستاني ثقل كبير بين ملايين الشيعة، سواء بين المحتجين أو المؤسسة السياسية المتحالفة مع إيران ويهيمن عليها الشيعة ويحتج ضدها المتظاهرون. وينأى السيستاني المولود في إيران بنفسه عن طهران، ولا يتفق مع نموذجها في الحكم. وحث على إجراء انتخابات مبكرة وإصلاح سياسي، وأدان مقتل نحو 500 محتج سلمي على أيدي قوات الأمن وفصائل مسلحة تدعمها إيران.
ويريد المحتجون المناهضون للحكومة منه الآن أن يجعل الصدر، الذي ينتمي إلى عائلة دينية من النجف، يلزم حدوده. وطلب الصدر، وهو معارض للنفوذ الأجنبي ومناهض للفساد، لكنه يتسم بالانتهازية السياسية، من أتباعه، التخلي عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وإزالة الاعتصامات، الأسبوع الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق مع الأطراف المتحالفة مع إيران على تعيين محمد توفيق علاوي رئيس وزراء جديداً. ويوم الأربعاء الماضي، أحرق أتباعه الخيام في النجف، واقتحموا مخيماً، فقتلوا ثمانية أشخاص على الأقل. واقتحموا مخيماً في كربلاء يوم الخميس، وأصابوا ما لا يقل عن 10 أشخاص.
وقال عبد الزهرة: «كان أتباع مقتدى يحموننا من الفصائل المسلحة. وصاروا الآن يسرقون ثورتنا».
لكن ضياء الأسدي، أحد كبار مساعدي الصدر، يؤكد أن رجل الدين لم يكن يقصد توجيه أتباعه لمهاجمة المحتجين. وحث الصدر أتباعه على «تويتر» على إزالة الاعتصامات المخلة بالنظام، لكنه طالبهم باستمرار دعم الاحتجاجات السلمية.
ويشعر النشطاء بالأسف، عندما يرون كيف أدت تحركات الصدر، وهو أحد آخر الشخصيات التي كان مؤيدوها يقدمون لهم الدعم والمساندة في المؤسسة السياسية، إلى تقليص أعدادهم. وفي بعض الشوارع والميادين في بغداد، التي احتدمت فيها المصادمات في الأشهر الأخيرة بين قوات الأمن والمتظاهرين، عادت
الأكشاك في السوق إلى ممارسة أعمالها ببيع السلع المنزلية واللعب والأحذية الرياضية.
وفي جنوب النجف، تجثم الخيام محترقة في موقع الاعتصام الرئيسي. وهتف الطلاب مرددين الشعارات المناهضة لعلاوي في ميدان بمدينة كربلاء القريبة، التي يلقي فيها السيستاني خطب الجمعة، ولكن بأعداد
صغيرة. ويقول المحتجون إن على السيستاني أن يصدر بياناً شديداً، يندد بعلاوي الذي يرفضونه، وبالصدر، بسبب عقده اتفاقاً مع الأطراف المتحالفة مع إيران. لكنهم يعرفون أن رجل الدين غالباً ما يكون حذراً ويستعدون للمضي قدماً دون مباركته. وقال حسين الصدري وهو ناشط في كربلاء إن «السيستاني هو القائد الوحيد الذي هو جزء من النظام ويدعم قضيتنا. نحن نرحب بذلك». وأضاف: «لكننا لن نقف فحسب ننتظر ما يقوله لنهتدي به ونتحرك بناء عليه. سوف نتحرك. تفجرت الانتفاضة وسط شباب يتعرفون على العالم من خلال الإنترنت، وليس من رجال دين».
ويختلف غالبية الجيل الأكبر سناً في العراق مع هذا التوجه، ويقولون إن الشيعة سيتبعون إرشادات السيستاني حرفياً. وقال محمد الكعبي، وهو ناشط يبلغ من العمر 54 عاماً، وكان يجلس مع الصدري في مقهى بكربلاء، إنه سينتظر ليرى ما يقوله السيستاني. وأضاف: «إذا قال السيستاني إنه على الجميع أن يعودوا إلى ديارهم، فسوف يفعلون ذلك».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.