حادثة الطعن في لندن تثير التساؤلات حول سياسات مكافحة الإرهاب

وزير العدل البريطاني: نواجه تهديدات من آيديولوجية متطرفة لا تعبأ بالآخرين

ضباط شرطة اسكوتلانديارد البريطانية يجمعون الأدلة الجنائية من حي ستريتهام بعد حادث الطعن الإرهابي الأحد (أ.ف.ب)
ضباط شرطة اسكوتلانديارد البريطانية يجمعون الأدلة الجنائية من حي ستريتهام بعد حادث الطعن الإرهابي الأحد (أ.ف.ب)
TT

حادثة الطعن في لندن تثير التساؤلات حول سياسات مكافحة الإرهاب

ضباط شرطة اسكوتلانديارد البريطانية يجمعون الأدلة الجنائية من حي ستريتهام بعد حادث الطعن الإرهابي الأحد (أ.ف.ب)
ضباط شرطة اسكوتلانديارد البريطانية يجمعون الأدلة الجنائية من حي ستريتهام بعد حادث الطعن الإرهابي الأحد (أ.ف.ب)

اقترحت الحكومة البريطانية مؤخرا تمديد عقوبات السجن على الجرائم ذات الصلة بالإرهاب، غير أن المحللين يقولون إن هذه الخطوة قد تسفر عن انتهاكات لحقوق الإنسان مع ارتفاع وتيرة التطرف بين المذنبين من الشباب.
وكانت الحكومة البريطانية قد تقدمت يوم الاثنين الماضي باقتراح إيقاف إجراءات الإفراج المبكر عن مئات من المدانين بارتكاب الحوادث الإرهابية، عقب سلسلة من الهجمات التي ارتكبها أشخاص كانت السلطات قد أفرجت عنهم بعد مرور نصف مدة العقوبة المقررة لهم، الأمر الذي أبرز مشاكل طويلة الأمد فيما يتصل باستراتيجية الحكومة في مكافحة الإرهاب.
وقال روبرت بوكلاند وزير العدل البريطاني، إنه وفقا للخطة الحكومية الاستثنائية سوف يجري تمديد فترة العقوبة بشأن نحو 220 شخصا ممن يقضون في الوقت الراهن فترات العقوبة لارتكابهم جرائم تتعلق بالإرهاب في المملكة المتحدة.
وأضاف الوزير البريطاني أنه بدلا من إطلاق سراح السجناء مع بلوغهم نصف مدة العقوبة المقررة، كما هو معتاد بالنسبة إلى الكثير من المجرمين الآخرين في بريطانيا، سوف يكون لزاما على المدانين في جرائم الإرهاب قضاء ثلثي مدة العقوبة على الأقل قبل النظر في إجراءات إطلاق سراحهم. وحتى ذلك الحين، سوف يجري إطلاق سراحهم بموجب موافقة مجلس الإفراج المشروط بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز».
لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان المقترح الحكومي الأخير سوف يصمد في مواجهة عمليات التحقق والتدقيق التي تعمل المحاكم البريطانية وفقا لها، ناهيكم عن تسوية الأزمة التي أشار المحللون إلى أنها تتعلق بعقد كامل من قرارات التقشف في ميزانيات السجون البريطانية وخدمات المراقبة لما بعد الإفراج، بأكثر مما تتعلق بطول مدة العقوبة نفسها. وتعاني المملكة المتحدة من نفس المعضلة التي تواجه أغلب البلدان الديمقراطية الغربية الأخرى في أعقاب الحوادث الإرهابية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا: وهي تتعلق بالتوترات الناشئة بين الأمن والحقوق المدنية.
وحذر المحللون القانونيون من أن قانون حقوق الإنسان البريطاني يمنع الحكومة البريطانية من تشديد العقوبات بأثر رجعي على المدانين مع بلوغ منتصف مدة العقوبة. كما أنهم قالوا إنه لا تتوافر الأدلة الكافية على أن زيادة فترات العقوبة للسجناء تقلل فعليا من مخاطر ارتكابهم الجرائم الإرهابية الجديدة بعد إطلاق سراحهم من السجون.
وكان المحرك الرئيسي وراء المقترح أو الخطة الحكومية المتشددة هو الهجوم الذي وقع يوم الأحد الماضي في جنوب العاصمة لندن والذي وجهت فيه الاتهامات إلى المدعو «سوديش أمان» (20 عاما) بطعن اثنين من المواطنين.
وتمكن ضباط الشرطة السريون الموجودون في موقع الحادث من اعتراض المهاجم - وكانوا يتعقبون خطى «سوديش أمان» بعد إطلاق سراحه تلقائيا من السجن في الأسبوع الماضي، وذلك بعد قضائه نصف فترة العقوبة المقررة له، وكانت ثلاث سنوات كاملة لاتهامه بنشر وتوزيع المواد المحرضة على التطرف والإرهاب مع حيازة مواد أخرى قد تساعد في الإعداد لتنفيذ الهجمات الإرهابية. وتمكنت عناصر الشرطة السرية من إطلاق النار على «سوديش أمان» وأردته قتيلا في الحال.
وصرح وزير العدل البريطاني أمام المشرعين يوم الاثنين الماضي قائلا: «إننا نواجه تهديدا من آيديولوجية متطرفة لا تعبأ بالآخرين ولا تراعي حقوقهم، ولزاما علينا الاستعانة بكل أداة ممكنة لضمان تحييد هذه التهديدات قدر المستطاع».
وقال ستيوارت ماكدونالد، أستاذ الدراسات القانونية لدى جامعة سوانسي البريطانية في تقرير لـ«نيويورك تايمز»: «هناك بعض الأدلة التي تفيد بأنه في غياب الاستثمارات الحكومية الحقيقية في برامج الإرشاد وإعادة التأهيل فإن إطالة فترات العقوبة تهدد بارتفاع معدلات التطرف لدى السجناء عما هو منشود».
وقالت السيدة حليمة فراز خان، والدة الإرهابي الصريع «سوديش أمان»، لوكالة سكاي نيوز الإخبارية بالأمس الاثنين إن ابنها كان يتابع مشاهدة المواد الإسلاموية المتطرفة عبر الإنترنت، وتعرض لمحاولات التطرف وغسيل المخ داخل سجن بلمارش البريطاني شديد الحراسة، والذي يضم بين جدرانه الكثير من الإرهابيين المدانين في جرائم سابقة، ولقد وصفت الوالدة ذلك السجن بأنه أشبه (بمعسكر التدريب الجهادي) أكثر منه مؤسسة للمعاقبة والتأهيل والإصلاح. وأضافت السيدة حليمة خان تقول: «لقد ازداد تشددا وتطرفا داخل السجن، ذلك المكان الذي أعتقد أنه المحضن الحقيقي لتطرف أفكاره».
وعلى صعيد متصل، أعلن «تنظيم داعش» الإرهابي مسؤوليته المباشرة عن الهجوم الإرهابي الذي ارتكبه «سوديش أمان» في جنوب لندن، وذلك عبر تطبيق «هووب» للمحادثات النصية، وقال في بيانه إن المهاجم الإرهابي كان أحد «جنودنا المقاتلين». وكان التنظيم الإرهابي يستخدم هذا التطبيق منذ أن شرعت السلطات في بذل الجهود المستمرة للقضاء على وجوده عبر تطبيق «تلغرام» الشهير، والذي كان يعتبر منفذ التواصل الرئيسي لدى التنظيم منذ أواخر عام 2014.
وكان «سوديش أمان» يرتدي عبوة ناسفة «وهمية»، ذلك الأسلوب الذي كان مستخدما في ارتكاب الكثير من الهجمات الإرهابية الأخيرة، بما في ذلك الهجمات الأخرى التي يعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته الفورية عنها. ومن غير الواضح مدى مشاركة التنظيم الحقيقية، إن وجدت، في هجوم الطعن الذي وقع يوم الأحد الماضي.
وقالت الشرطة البريطانية إن «من ضمن ضحايا حادثة الطعن، مواطن في الأربعينات من عمره، قد دخل المستشفى لتلقي العلاج عن إصابات خطيرة مع استقرار حالته. وخرجت المصابة الأخرى في الحادثة، وهي امرأة مسنة في الخمسينات من عمرها، من المستشفى بعد تلقي العلاج، وذلك فضلا عن شابة في العشرينات من عمرها كانت قد أصيبت جراء الزجاج الذي تناثر بعد إطلاق الأعيرة النارية على الإرهابي».
وتعتبر تلك الحادثة هي الثانية من نوعها خلال عدة أشهر، حيث جرى إطلاق سراح أحد المدانين في جرائم الإرهاب قبل انقضاء فترة العقوبة وذلك بموجب قوانين الأحكام الجنائية البريطانية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وجهت الاتهامات إلى عثمان خان (28 عاما) لانضمامه إلى مجموعة من الأفراد خططوا لتفجير بورصة لندن، مع اتهامه بقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين في هجوم بالقرب من جسر لندن قبل مقتله على أيدي الشرطة البريطانية.
وكان عثمان خان، يرتدي بطاقة التتبع الإلكترونية بعد إطلاق سراحه تلقائيا عقب قضاء نصف مدة العقوبة بالسجن لمدة 16 عاما.
وقال المحللون إن الجريمة التي ارتكبها «سوديش أمان» أول الأمر ودخل السجن بسببها صنعت منه نموذجا مثاليا للإرهابي المدان. فلقد حُكم عليه بالسجن في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018 بعد اعترافه بارتكاب 13 حالة من توفير الدعم المباشر للإرهاب مع نشر وتوزيع المواد الدعائية المتطرفة الخاصة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين بين أفراد عائلته وعبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».