بغض النظر عن شخصيته المشاكسة المثيرة للجدل، رحب به كثيرون بسبب تفاؤله وحس الدعابة لديه. وسيكتب التاريخ اسمه على أنه نجح في قيادة الحملة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، وبعد ذلك كرئيس للوزراء. وفي الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أثبت أيضاً أنه لا يزال بإمكانه جذب عدد كبير من الناخبين، من خلال تأمين أفضل نتيجة للمحافظين لم يحصلوا عليها منذ أيام مارغريت ثاتشر في الثمانينات. ومع وعده بـ«تنفيذ بريكست»، وبأن يكون صارماً في تطبيق القانون والنظام والاستثمار في الخدمات العامة، استعاد مقاعد الطبقة العاملة التي لم يشغلها حزبه منذ عقود.
وحتى بالنسبة لسياسي غير تقليدي مثل بوريس جونسون، المتهم بالشعبوية، على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فقد حانت ساعة «بريكست»، وها هو يحصد ثماره. بالنسبة لرجل أراد كطفل أن يصير «ملك العالم»، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، فقد انتظر طويلاً لحظة الانتصار هذه. ويُتوقع أن يكون التفاوض على اتفاق تجاري جديد مع بروكسل تحدياً أكبر، لكن رئيس بلدية لندن السابق يبدو متفائلاً بالنجاح.
ولد ألكساندر بوريس دي فيفل جونسون في نيويورك في عام 1964، وأمضى سنواته الأولى في بروكسل، حيث عمل والده في الاتحاد الأوروبي، ثم التحق بمدرسة إيتون للنخبة في بريطانيا، قبل دراسة الحضارات القديمة في جامعة أكسفورد.
عمل صحافياً في صحيفة «التايمز» التي فصلته بسبب فبركة تصريحات، وانتقل ليصبح مراسلاً في بروكسل لصحيفة «ديلي تلغراف» اليمينية. وهناك اشتُهر من خلال كتابة «خرافات أوروبية»، عبر المبالغة في تصوير ما يحدث في الاتحاد الأوروبي.
وعُرف على المستوى الشعبي في التسعينات لدى استضافته كخبير في برنامج تلفزيوني ساخر، حيث ساهمت فطنته وعدم تردده في انتقاد نقاط ضعفه في جعله شخصية وطنية عُرفت باسم «بوريس». ولم تمر سنواته الأولى في السياسة بسلاسة، إذ أقيل في عام 2004 من منصب وزير الخزانة في حكومة الظل لدى المحافظين بسبب الكذب بشأن علاقة أقامها خارج إطار الزواج. لكن في عام 2008، انتخب رئيساً لبلدية لندن، المدينة متعددة الثقافات التي تصوت عادة لصالح حزب العمل، وهو فوز عزاه المراقبون إلى أسلوبه غير التقليدي.
ويختلف جونسون عن السياسيين الآخرين بشعره الأشقر غير الأنيق، وأسلوبه الفريد، ورغبته في جعل نفسه يبدو سخيفاً، إذ علق مرة على كابل فولاذي نازل بعد أن ربط نفسه به وانزلق عليه وهو يلوح بعلمين بريطانيين. وهو يختلف عن كثير من زملائه المحافظين بوجهات نظره المؤيدة للهجرة، ومواقفه الليبرالية الاجتماعية التي لقيت صدى في لندن. ومع ذلك، فقد واجه اتهامات بالتحامل في مقالاته التي كتبها على مر السنين. وحتى قبل وقت قريب في عام 2018، وجهت إليه انتقادات لأنه كتب أن النساء المسلمات المنقبات يشبهن «صناديق البريد»، رغم أنه قال إنه بإمكانهن أن يرتدين ما يحلو لهن. لكن جونسون يرفض اتهامه بالعنصرية، في حين يقول مؤيدوه إنه ببساطة يحب الإثارة بعض الشيء.
ويُعرف جونسون بحياته الخاصة غير المستقرة، إذ تزوج مرتين، ويعتقد أن لديه 5 أطفال، أحدهم من علاقة غرامية. وهو يعيش حالياً مع صديقته في مقر الحكومة، لكن مكانته الشهيرة سمحت له بتجاهل الفضائح التي كان يمكن أن تدمر كثيرين غيره. وكانت الأسئلة الأكثر وقعاً بالنسبة له تتعلق بمدى كفاءته، حيث قضى عامين في منصب وزير الخارجية بعد «بريكست»، اعتبر أداؤه خلالهما محبطاً.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ذلك الوقت: «أولئك الذين لم يأخذوه على محمل الجد كانوا على خطأ». ولا يزال جونسون متهماً بالتقليل من شأن صعوبة تنفيذ «بريكست»، لكنه يرفض هذه الانتقادات، ويصف منتقديه بأنهم «يهولون الأمور». وقد يواجه مهمته الأكثر صعوبة لدى التفاوض على اتفاق تجاري جديد مع بروكسل، وكذلك مع الولايات المتحدة. ومع تنفيذ «بريكست»، وملف حافل بالقضايا الداخلية، يجب على رئيس الوزراء الآن أن يبرهن أنه قادر على الوفاء بأكثر من مجرد «طلاق» بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بوريس جونسون «بطل بريكست»
بوريس جونسون «بطل بريكست»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة