الجيش الإلكتروني الأميركي: نتسلل إلى عشرات المواقع الأصولية يوميا.. و«داعش» عدونا الأول

السفير فرنانديز لـ {الشرق الأوسط}: أكبر ضحايا تنظيمي «القاعدة» و«داعش» من المسلمين.. كما أنهما يلحقان الخراب بالمنطقة

السفير الأميركي فرنانديز و عمر حمامي
السفير الأميركي فرنانديز و عمر حمامي
TT

الجيش الإلكتروني الأميركي: نتسلل إلى عشرات المواقع الأصولية يوميا.. و«داعش» عدونا الأول

السفير الأميركي فرنانديز و عمر حمامي
السفير الأميركي فرنانديز و عمر حمامي

«إنه شكل من أشكال حروب المافيا من دون سلاح ولا جنود ضد تنظيمي (داعش) و(القاعدة)، فالولايات المتحدة تحارب على شبكات التواصل الاجتماعي بخطاب مباشر، وأحيانا بخطاب ساخر يتعارض بالكامل مع منهج الدبلوماسية المنمق، لكن جنود هذه الدبلوماسية الرقمية يقرون بأن مواقع (تويتر) و(فيسبوك) و(يوتيوب) لن تكون على الإطلاق الوسيلة المثلى لمحاربة الأصوليين في مواقعهم ومنتدياتهم الجهادية. ففي ساحة معركة شبكات التواصل الاجتماعي تتقصى وزارة الخارجية الأميركية منذ شهور طويلة حسابات جماعات أصولية متطرفة، وتسعى أيضا ليس إلى الإيقاع بهم، ولكن أيضا إلى التوعية باللغتين العربية والإنجليزية، مستهدفة الشبان في البلدان العربية والغربية عبر (تويتر) ونشر أشرطة فيديو وصور وروابط وتعليقات، وترد أحيانا بحدة على الذين يتحدون أميركا، وأغلب أعضاء الجيش الأميركي الإلكتروني التابع للخارجية يتحدثون ويفهمون اللغة العربية. وفي وزارة الخارجية يحرك عشرات الموظفين من مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب حسابا على (تويتر) بالعربية منذ أواخر 2012، كما فتحت قبل بضعة أيام صفحة على (فيسبوك). وكانت الولايات المتحدة أنشأت مركز الاتصالات هذا في 2011». بهذا الكلام لخص مسؤول كبير في وزارة الخارجية مجمل الوضع لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «إنها حرب من آلاف المناوشات، وليست معركة كبيرة ضد (القاعدة) و(داعش) اللذين يعتبران العدو الأول بلا منازع، ومن يدور في فلكهما».
«الشرق الأوسط» أرسلت الكثير من الأسئلة إلى رئيس الجيش الإلكتروني أو مركز الاتصالات الاستراتيجية التابع للخارجية، وكما في كل الخبايا الأخرى للإدارة الأميركية، فإن قطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي بث تنظيم داعش شريط فيديو عنه في 19 أغسطس (آب) كان له وقع الصدمة، فمنذ ذلك الحين يكثر مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب من التغريدات، منها كلمات تشيد بمزايا الصحافي الذي اغتيل وريبورتاجات وتحليلات في الصحافة الدولية حول الإسلام المتطرف وصور تثير الصدمة وكاريكاتيرات، وأحيانا تكون التغريدات بأسلوب مباشر. وهكذا مجدت الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي إعلان مقتل أعضاء في «داعش» في سوريا بينهم المتحدث باسمها أبو موسى الذي توعد في شريط مصور بـ«رفع علم الخلافة على البيت الأبيض»، كذلك فإن صور الإعدامات الفورية التي بثها «الجهاديون» تحتل حيزا كبيرا على حساب الوزارة التي تجازف بمقارنات تاريخية مثل نشر صورتين الواحدة فوق الأخرى، إحداها بالألوان تظهر «جهاديين» يطلقون نيران الرشاشات على أسرى في أحد الخنادق، والأخرى بالأسود والأبيض تظهر نازيين يرتكبون الجريمة نفسها. وتستخدم الدبلوماسية الأميركية أيضا الأسلوب الساخر.
وجاء الحوار مع السفير الأميركي ألبرتو فرنانديز على النحو التالي:
* متى ولماذا جرى تشكيل فريق التواصل الإلكتروني الأميركي؟ وما الغرض منه؟ وما الأنشطة الرئيسية التي يضطلع بها؟
- بدأ فريق التواصل الإلكتروني الاضطلاع بمهامه الحالية في بدايات عام 2011 كجزء من الجهود المبذولة لإنشاء مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب.
* ما المهام التي يضطلع بها فريق العمل بشكل يومي؟ وكم عدد الموظفين هناك؟ وكم عدد العاملين الناطقين باللغة العربية؟
- يضطلع فريق العمل بمهمة متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك متابعة الموضوعات المطروحة على الساحة، والتسلل إلى مواقع الأصوليين لمتابعة الأكاذيب والمبالغات التي يروج لها تنظيما «القاعدة» و«داعش»، ويجب التأكيد أن هناك فرصا يجب اغتنامها لتوضيح حقيقة مفادها، أن أكبر ضحايا تنظيمي «القاعدة» و«داعش» هم من المسلمين، كما أن تنظيمي «القاعدة»، و«داعش» يلحقان الخراب بالمنطقة. ومعظم العاملين – وليس جميعهم - من المسلمين. ويوجد لدنيا نحو 20 موظفا يتحدثون اللغة العربية.
* تثار بعض الشكوك في المنطقة حول فريق التواصل الإلكتروني بأنه يشكل نوعا من أنواع التجسس.. ما ردكم على ذلك؟
- إننا ندرك جيدا الشكوك المثارة في المنطقة لأن الكثير منا على دراية جيدة بالمنطقة.. عملنا بالأساس هو شكل من أشكال الاتصالات، والرد على الأكاذيب التي يروج لها الإرهابيون من خلال توضيح الحقيقة.
* هل تقومون بمراقبة أفراد أو منظمات بعينهم؟ وعلى أي أساس تحددون هؤلاء الذين يتعين متابعتهم؟
- إننا نتابع القضايا المطروحة والمناطق التي تنتشر فيها الدعاية الإرهابية. إنها ديناميكية مفعمة بالحيوية وتؤدي إلى تحول سريع في المنطقة التي تشهد تغيرات يوما بعد يوم.
* كم عدد المواقع التي تتعاملون معها في المتوسط؟ وهل تركزون على أي منطقة معينة أو فئة عمرية محددة؟ وما النسبة التي تقدرون بها حجم الخطورة؟
- إننا نتابع عشرات المواقع الأصولية بشكل يومي. والذي يوجهنا في عملنا هو ما تتناوله وسائل الإعلام والموضوعات اليومية التي تشغل اهتمام الناس. ومعظم الأعمال التي نضطلع بها تلك الأيام تعمل على التصدي لتنظيم داعش الإرهابي.
* ما أكثر المواقع التي تقومون برصدها؟ «تويتر» أم «فيسبوك» أم رسائل البريد الإلكتروني؟
- ينصب تركيزنا بشكل كبير على موقع حسابات «تويتر»، ولكننا نتابع أيضا «فيسبوك» و«يوتيوب» وغيرهما من المواقع الأقل من حيث الشهرة.
* هل تحاولون التواصل مع المتطرفين؟ وهل تمكنتم، في أي وقت، من تحقيق نجاح على هذا الصعيد؟
- التواصل مع الأصوليين والمتطرفين ليس هدفنا في الأساس، ولكننا لا نعارض القيام بذلك بغية إقناعهم بأنهم يسيرون في الطريق الخطأ. إننا نتبع تلك الطريقة في بعض الأحيان؛ فقد حاولنا إقناع الأميركي عمر همامي، الذي انضم إلى حركة الشباب الصومالية، بأنه اقترف خطأ بانضمامه لتلك الحركة الإرهابية. ولكنه لم يأخذ بمشورتنا وقُتل في 2013 على يد أسياده بالحركة.
* ماذا يكون رد فعل الأصوليين والمتطرفين المحسوبين على الإرهاب عبر الإنترنت، عندما يدركون أنهم يتواصلون مع جهة حكومية أميركية؟
- بعضهم يقوم بتهديدنا أو التطاول علينا. في حين يحاول البعض الآخر تقديم رواية من تأليفهم حول فيديو أو صورة من إنتاجنا. كما يحاولون أيضا إغلاق الصفحة الخاصة بنا على مواقع التواصل الاجتماعي لأنهم لا يتقبلون الانتقاد، ولا يؤمنون بحرية التعبير.
* هل يمكنكم تقديم مثال على نجاح حققه فريق التواصل الإلكتروني في هذا الشأن؟ فهل تمكنتم، مثلا، من إحباط هجوم إرهابي بشكل مباشر؟ أو هل تمكنتم بنحو ناجح تغيير وجهة نظر شخص ما؟
- لدينا أدلة قوية تبرهن على فعاليتنا، ولكننا لا نستطيع التحدث عن ذلك بشكل علني مع وسائل الإعلام.
* كيف تغير الخطاب الإرهابي على مر السنين منذ تأسيس فريق التواصل الإلكتروني؟
- يكمن التغيير الرئيس الآن في كيف غطى خطاب «الزرقاويين» بتنظيم داعش على خطاب تنظيم القاعدة. إنهم يدفعون باتجاه استعمار العالم العربي من قبل التكفيريين الأجانب، ويتضح ذلك فيما ذكره البغدادي: «سوريا ليست للسوريين والعراق ليست للعراقيين». إنهم الإرهابيون في الشيشان وفرنسا وباكستان. كما أنهم يقولون للمسلمين في الغرب إنهم يتجهون لمحاربة نظام الأسد دون الإشارة إلى أن «داعش» كان تربطه علاقة وطيدة بالأسد لعدة سنوات.
* هل ترون أن هناك اختلافات رئيسية في الخطاب الإرهابي الذي تتداوله الجماعات المتطرفة؟
- هناك اختلافات داخلية، ولكنهم جميعا يسيرون على خطى واحدة. إنهم لا يريدون التحدث عن الكثير من الأبرياء الذين يقتلوهم وكيف يلحقون الخراب بالمنطقة. إنهم يركزون على «الكفار». إنهم قتلوا صحافيا أميركيا مع إثارة ضجة كبيرة حوله، بينما يقتلون عشرات الصحافيين من السوريين العرب المعارضين لهم في الخفاء. إنهم يتباهون بمهاجمة الأسد، بينما يواصلون قتل المسلمين أو الإساءة للمرأة أو حتى قتل أقرانهم من المتطرفين أمثال أبو خالد السوري، أو المقاتلين لدى «جبهة النصرة». إنهم يحاولون استغلال الاشمئزاز الطبيعي والأخلاقي الذي يشعر به الناس جراء جرائم الأسد مثل «قميص عثمان»، ولكنهم في الحقيقة لا يختلفون عنه!
* يساور البعض القلق من مراقبة الحكومات لهم، فهل يكونون عرضة للاستهداف حال استخدامهم على مواقع التواصل الاجتماعي مصطلحات مثل «الإرهاب» أو «بن لادن» أو تنظيم القاعدة؟
- قد يعتمد هذا الأمر على هويتهم وسبب استخدامهم لتلك المصطلحات. إننا نعمل على محاربة تلك المصطلحات.
* كيف تغير أسلوب عمل فريق التواصل الإلكتروني في ظل تشكيل الولايات المتحدة لتحالف دولي من أجل خوض صراع طويل الأمد ضد «داعش»؟
- لم يتغير الأمر كثيرا، ولكننا نود حث كل الحكومات والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني على أن يكون لديهم فريق التواصل الإلكتروني الخاص بهم لدحض الأكاذيب التي يروج لها المتطرفون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ونحن على يقين أنه بمقدور الناس في المنطقة القيام بأفضل مما نقوم به. إننا لا نريد أن يتمكن هؤلاء المتطرفون من خداع الشباب العرب وتدميرهم من أجل لا شيء.



المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.


مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لاستقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد التوقيع على اتفاقيات سلام تهدف إلى إنهاء التوتر القائم في منطقة «شرق الكونغو»، معرباً عن استعداد بلاده لبذل «كل جهد ممكن لمساندة مسار التسوية».

وتلقى السيسي اتصالاً هاتفياً، الأربعاء، من نظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، تناول مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وتطرق إلى مستجدات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية.

ورحب السيسي خلال الاتصال بالتوقيع على اتفاق «الدوحة للسلام» الشامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو (حركة 23 مارس)، كما أعرب عن دعم مصر الكامل لاتفاق السلام الموقع في واشنطن ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مؤكداً أنه يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.

وأكد الرئيس المصري «استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن، بما في ذلك توفير المحافل اللازمة للأطراف المعنية، دعماً لمسار تسوية النزاع»، وفقاً لبيان الرئاسة المصرية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مراسم توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

من جانبه، نقل البيان المصري عن الرئيس الكونغولي «تقديره لمساندة مصر لجهود السلام والاستقرار في بلاده وفي المنطقة، واتفق الرئيسان على ضرورة تكثيف الجهود لتذليل أي عقبات قد تواجه تنفيذ اتفاقيات السلام».

ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسا رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن مطلع الشهر الحالي، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو ثلاثة عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

ويعد الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار أُبرمت في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، إضافة إلى إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو (تموز) الماضي.

وأشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية إلى أن الرئيسين اتفقا خلال اتصال، الأربعاء، على أهمية تعزيز التشاور والتعاون الثنائي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأكد السيسي تطلعه لاستضافه نظيره الكونغولي لمواصلة تعزيز التعاون بين البلدين، فيما ثمَّن تشيسكيدي الزخم الذي تشهده العلاقات مع مصر، مُعبراً عن تقديره للدعم الذي تقدمه لبلاده في مختلف القطاعات.

وفي مطلع هذا الأسبوع، قالت الخارجية المصرية إنها «تتابع بقلق بالغ التطورات المتسارعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما تشهده بعض المناطق من تدهور في الأوضاع الإنسانية الذي يفرض تحديات عاجلة على المدنيين»، مؤكدة دعمها المستمر لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الكونغولية.

وشددت مصر، وفق بيان للخارجية، السبت، على أهمية التهدئة ووقف أي تصعيد ميداني بما يسهم في خلق بيئة مواتية للحوار واستعادة الاستقرار؛ مؤكدة الالتزام باتفاق واشنطن للسلام بوصفه إطاراً أساسياً لبناء الثقة وتخفيف التوتر.

كما أكدت مصر ضرورة وقف الأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، مشددة على الحاجة إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني ومنع مزيد من التدهور.


«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
TT

«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل

استبقت حكومة الوحدة الليبية المؤقتة نتائج الحوار الأممي المهيكل بالتأكيد على «أولوية الاستفتاء على الدستور»، معلنة إجراء تعديلات وزارية قريبة، تزامناً مع تأكيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، دعم فرنسا للانتخابات.

وقالت حكومة الوحدة المؤقتة، التي رحبت بانطلاق الحوار المهيكل، إنها ستُعلن خلال الأيام القريبة المقبلة عن تعديلات حكومية إصلاحية، تشمل سدّ الشواغر الوزارية، وتهدف إلى رفع مستوى الكفاءة، وتعزيز الأداء المؤسسي، وتوسيع دائرة التوافق بما يدعم متطلبات المرحلة المقبلة.

وأكدت «الوحدة» في بيان لها، مساء الثلاثاء، أن جوهر المرحلة لا يرتبط بتعدد المسارات أو تسمياتها، بقدر ما ينصرف إلى تحقيق الهدف الوطني، المتمثل في إجراء الانتخابات، بوصفها الاستحقاق الذي ينتظره الليبيون لتجديد الشرعية، ووضع حد لحالة عدم اليقين السياسي، مشدّدةً على أن توجهها الأساسي يتمثل في الاستفتاء على مشروع الدستور أولاً، ومؤكدة أنها تتعاطى بإيجابية مع الاختراق، الذي طرأ على حالة الجمود السابقة، وعبّر عن ذلك شخصيات فاعلة، الأمر الذي يفضي إلى الذهاب المباشر نحو الانتخابات التي أصبحت اليوم محل إقرار من مختلف الأطراف، بعد أن ظلت لفترة موضع نقاش، بما يعكس تحولاً واضحاً في مقاربة الحل السياسي.

وعدّت «الوحدة» أن استمرار الخلاف حول القوانين الانتخابية، إن لم يُحسم، فإنه يكرّس الحاجة إلى الاحتكام إلى أسس دستورية واضحة، تُبنى عليها العملية الانتخابية، وتضمن قابليتها للتطبيق، وهو ما أكدت عليه المفوضية العليا للانتخابات بإعلان جاهزيتها متى توفرت هذه الأطر القانونية السليمة.

كما جدّدت الحكومة التزامها بدعم كل ما من شأنه الدفع نحو الانتخابات ضمن مسار وطني مسؤول، يحفظ وحدة الدولة، ويعكس الإرادة الشعبية، ويجنب البلاد الدخول في مراحل انتقالية إضافية.

في سياق ذلك، أوضح وزير الدولة للاتصال بحكومة الوحدة، وليد اللافي، أن التعديلات الوزارية المرتقبة ستركز على اختيار وزراء أكفاء، وتراعي المناطق الجغرافية دون استثناء، مشيراً إلى أنها ستشمل وزارات سيادية وخدمية، وتمثيلاً أكبر للشباب.

في غضون ذلك، أظهر تقرير أممي تفضيلاً واسعاً بين الليبيين لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة. وطبقاً للتقرير، الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، حول نتائج المشاورات العامة للحوار المهيكل، فقد أكد 86 في المائة ممن شاركوا في استطلاع عبر الإنترنت جاهزيتهم للتصويت فوراً، فيما أكد أكثر من 70في المائة أن مشاركتهم تؤثر فعلياً.

ووصف التقرير الأزمة الجوهرية في ليبيا، بأنها أزمة سياسية ناجمة، عما وصفه بانقسام مؤسسي وجهوي عميق، وسلطات متنافسة، وغياب سلطة تنفيذية واحدة ذات شرعية وطنية، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد والأمن والحوكمة.

وعدّ انتشار السلاح عقبة أساسية أمام الانتخابات والسلام الدائم، وحدّد الأولويات الأساسية في القطاع الأمني بنزع سلاح التشكيلات المسلحة، وإعادة إدماجها، وإنشاء جيش ومؤسسات أمنية موحدة، مع تأكيد السيطرة المدنية، وتحقيق أمن مرتكز على الحقوق وفي خدمة المواطن.

كما تحدث التقرير عن «سلطة سياسية شرعية واحدة، تسيطر فعلياً على الجيش والأمن»، بالإضافة إلى «أطر قانونية ومعايير مهنية واضحة تُطبق بعدالة، وحوافز مالية وضوابط مشفوعة بعقوبات لتشجيع الاندماج والالتزام».

وكانت البعثة الأممية قد أصدرت وثيقة «الإطار المرجعي» الرسمي للحوار، الذي يحدد منصة شاملة تضم 120 إلى 124 مشاركاً ليبياً، يمثلون تنوعاً جغرافياً واجتماعياً، مع نسبة لا تقل عن 35 في المائة للنساء، بالإضافة إلى مشاركة الشباب وذوي الإعاقة.

ويركز الحوار على أربعة مسارات رئيسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، مع دمج حقوق المرأة بوصفه موضوعاً مشتركاً.

ويعتمد على مبادئ الملكية الليبية، والشمول، والشفافية، وبناء التوافق، ويستمر لمدة 4 إلى 6 أشهر، بهدف إصدار توصيات توافقية ملموسة لمعالجة جذور النزاع، وتهيئة الانتخابات.

اجتماع صالح ورئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)

وتعهد أعضاء الحوار المهيكل، وفقاً لمدونة قواعد السلوك، التي أصدرتها البعثة الأممية أيضاً بوضع المصلحة الوطنية أولاً، والنزاهة، ورفض الضغوط أو المزايا المادية، واحترام الآراء، وتجنب التمييز أو المضايقة، والحفاظ على سرية المداولات.

في المقابل، أكد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي بدأ زيارة مفاجئة إلى العاصمة الفرنسية باريس، لم يسبق الإعلان عنها، في لقائه، مساء الثلاثاء، مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل بيفيه، أن حل الأزمة الليبية يتطلب تضافر الجهود الدولية لمساعدة الشعب الليبي في التعبير عن إرادته الحرة في انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وحذّر من أن قيام البعثة الأممية بفتح مسارات إضافية «سيعقد هذا المسار، ولن يكون لها أثر فعلي إيجابي على ملف التسوية السياسية».

ونقل صالح عن يائيل التزام فرنسا بدعم ومساندة الشعب الليبي في تحقيق رغبته في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.

وكان صالح نقل عن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاروشيه، في اجتماعهما تأييده لمقترحاته بشأن حل الأزمة الليبية من خلال الوقوف مع الشعب الليبي، وحقه في اختيار رئيسه وبرلمانه عن طريق الانتخابات المباشرة، لافتاً إلى قيام مجلس النواب بواجباته كاملة في إصدار قانوني انتخاب الرئيس ومجلس الأمة، وتقديم لجنة (6 + 6) المشتركة مع مجلس الدولة، نتائج أعمالها، التي قال وفقاً لعبد الله بليحق، الناطق باسم صالح، إنها نالت رضا مختلف الأطراف، ودعم مجلس الأمن الدولي.

كما أكد صالح، خلال لقائه مع بول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، دعم فرنسا لمجلس النواب الليبي ومساعيه لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، مشيداً بمخرجات لجنة (6 + 6) بوصفها خطوة توافقية مهمة بشأن القوانين الانتخابية، مشيراً إلى ضرورة استمرار اللجنة في مهامها.