تصاعد التوتر بين تركيا وفرنسا وإيطاليا حول ليبيا

إردوغان: حققنا مكاسب مهمة للغاية من خلال مذكرتي التفاهم مع السراج

TT

تصاعد التوتر بين تركيا وفرنسا وإيطاليا حول ليبيا

تصاعد التوتر بين تركيا وفرنسا بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس «رصدت سفناً تركية تنقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا مؤخراً»، وأن أنقرة تنتهك اتفاق برلين.
واتهمت أنقرة ماكرون بـ«محاولة قلب الحقائق مرة أخرى عبر توجيه اتهامات لأنقرة ليس لها أساس من الصحة». وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكصوي، في بيان أمس، إن ماكرون حاول «مجدداً... قلب الحقائق عبر إطلاق مزاعم بعيدة عن الحقيقة ضد بلدنا». مشدداً على أن «استمرار هجمات حفتر (قائد الجيش الوطني الليبي) ضد حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، بدعم عسكري من دول عدة، بينها فرنسا، هو أكبر تهديد لوحدة أراضي ليبيا وسيادتها، وإذا كانت فرنسا تريد المساهمة في تنفيذ قرارات مؤتمر برلين فعليها أولاً إنهاء دعمها لحفتر».
وأضاف البيان أن «فرنسا هي المسؤولة بشكل رئيسي عن المشكلات التي تعيشها ليبيا منذ بدء الأزمة في 2011... ولم يعد سراً أن فرنسا تقدم دعما غير مشروط لحفتر، بحيث تكون صاحبة الكلمة في موارد ليبيا الطبيعية». وطالب فرنسا «بلعب دور إيجابي لتوفير الأمن والاستقرار في ليبيا، بدلاً من إلقاء اللوم على تركيا».
وكان ماكرون قد وجّه عدة اتهامات لتركيا، بينها الإخلال بتعهدات اتفاق برلين، وأشار إلى أن باريس رصدت سفناً تركية تنقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا مؤخراً، موضحاً أن إخلال تركيا بوعودها يعد انتهاكاً للسيادة الليبية وأمن أوروبا ودول ساحل البحر المتوسط. كما اتهم ماكرون نظيره التركي رجب طيب إردوغان بعدم الوفاء بالوعود التي قطعها بشأن إنهاء التدخل في الأزمة الليبية، بعد وصول سفن تركية إلى ليبيا. مجدداً إدانته الشديدة لمذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية حول التعاون الأمني والعسكري، وإرسال قوات تركية إلى ليبيا.
لكن أكصوي رفض أمس الانتقادات الموجهة إلى مذكرة التفاهم حول تحديد مناطق السيادة البحرية في البحر المتوسط، معتبراً أن التزام أوروبا الصمت حيال اتفاق مماثل، أُبرم عام 2003 بين مصر وقبرص، دليل على وجود تناقض في مواقف الأوروبيين.
وتعارض مصر وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل أنشطة تركيا للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في شرق البحر المتوسط في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. وتقول أنقرة إنها تقوم بها في منطقة جرفها القاري.
وقال أكصوي إن شركة النفط التركية ستواصل أنشطتها في المناطق المرخّصة لها في شرق المتوسط، إلى حين ضمان حقوق القبارصة الأتراك، وذلك ردّ على تصريحات مشتركة صدرت عن إيطاليا وقبرص حول فعاليات تركيا بشرق المتوسط.
ووصف أكصوي التصريح المشترك، الذي صدر أول من أمس عن وزيري خارجية إيطاليا وقبرص، بـ«المؤسف جداً»، وقال إن القبارصة الأتراك شركاء فعليون في جزيرة قبرص، ولهم حق في موارد النفط والغاز الطبيعي الموجود فيها. مشيراً إلى أن ضمان حقوق القبارصة الأتراك يتمثّل في تعاون شطري الجزيرة للاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة. ودعا إيطاليا وجميع دول الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن المواقف التي تهمّش القبارصة الأتراك في الجزيرة.
في الوقت ذاته، أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويجي دي مايو أن التزام أنقرة بمخرجات مؤتمر برلين «يمثل ضرورة أساسية لوقف إطلاق النار في ليبيا».
وأعرب دي مايو في اتصال هاتفي، أمس، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، حول الوضع في ليبيا وشرق البحر المتوسط، عن قلقه البالغ إزاء انتهاكات وقف إطلاق النار، وأكد أن التزام تركيا أساسي في هذه المرحلة، «إذ نحتاج إلى العمل سوياً لإعادة العمل بوقف إطلاق النار، وإطلاق طاولة الحوار السياسي، التي نوقشت في مؤتمر برلين».
إلى ذلك، أكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن بلاده حققت مكاسب مهمة بفضل مذكرتي التفاهم حول الحدود البحرية، وتعزيز التعاون الأمني العسكري مع حكومة الوفاق الوطني الليبية. وقال في مقابلة مع مجلة «ستاف» البوسنية إن بلاده تحاور حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن جذور العلاقات بين تركيا وليبيا تعود إلى مئات السنين، وأن ليبيا تعتبر جارة لتركيا في منطقة البحر المتوسط. في غضون ذلك، أوضح الرئيس التركي أن توقيع مذكرتي التفاهم مع ليبيا رفع من مستوى التعاون بين البلدين إلى مستويات عليا. مبرزاً أن تركيا حققت «مكاسب مهمة للغاية» من خلال مذكرتي التفاهم، و«أفشلت بفضلهما المشروعات الهادفة لإبعادها خارج التوازنات في البحر المتوسط»، معتبراً أن المذكرتين تتوافقان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وتابع إردوغان موضحاً: «مالكو بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط هم كل الدول التي لها سواحل على هذه المياه. وباعتبارنا أصحاب أطول ساحل، فإننا نناضل بكل وسائلنا لحماية حقوقنا هنا».
وتعهد الرئيس التركي بعدم وقوف بلاده «متفرجة حيال تهميشها وتهميش القبارصة الأتراك»، فيما يتعلق بمسألة التنقيب عن مصادر الطاقة في منطقة شرق المتوسط.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.