يحفظ الفلسطينيون عن ظهر قلب خريطتهم التاريخية «من النهر إلى البحر»، وهي الخريطة التي نشروها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته للسلام التي تقوم على خريطة جديدة لحدود فلسطين، سرعان ما تحوّلت إلى محور انتقادات فلسطينية، لخصها الرئيس محمود عباس بقوله إن ترمب لن يجد طفلاً واحداً فلسطينياً، مسلماً أو مسيحياً، سيقبل بصفقته من دون القدس.
وعلى الرغم من أن الرئيس ترمب قال إن خطته لتسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تقوم على «حل واقعي بدولتين»، فإن الفلسطينيين يعتبرون أنها تهدر حقوقهم الأساسية وتمس بخطوطهم الحمراء الأهم التي تشمل، بجانب القدس، حدود 67، وأن يكون الأقصى جزءاً من عاصمتهم، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ناهيك بأن الخطة تسمح لإسرائيل بالسيطرة على المدينة المقدسة والمستوطنات والحدود والمجالين البري والجوي، إضافة إلى الأغوار.
وتظهر الخرائط التي نشرها ترمب الضفة الغربية والقطاع كسلسلة من التجمعات المعزولة (كانتونات) المرقمة المتصلة بطرق وصول وممرات وأنفاق، إلى جانب أراضٍ تم وضع علامات عليها، بحيث سيتم تخصيصها لدولة فلسطين المستقبلية.
وفي الخرائط تظهر إسرائيل أيضاً أكبر مما هي الآن، وتضم جميع المستوطنات ومناطق كبيرة في «ج» تشمل الأراضي المتاخمة لغرب البحر الميت وشماله، وتمتد شمالاً على طول غور الأردن.
لكن ما أبرز القضايا المعقدة التي نصت عليها الخطة التي تقع في 181 صفحة، وما الموقف الفلسطيني منها؟
تقرّ الخطة بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتقترح أبو ديس، وهي بلدة قريبة من القدس، ومساحتها لا تتجاوز 4 كيلومترات مربعة، جزءاً من عاصمة دولة فلسطين المستقبلية، وهو تصوُّر طُرِح سابقاً من قبل إسرائيل ورفض فلسطينياً. ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية بما يشمل الأقصى والأماكن المقدسة عاصمة لهم ضمن حقوق تاريخية ودينية كذلك، ويعدّون القدس خطاً أحمر. أما أبو ديس، فهي إحدى ضواحي المدينة المعزولة التي أخرجتها إسرائيل خارج جدار الفصل.
وتعطي الخطة إسرائيل حق فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من أراضي الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، وهذا يعني ضم المستوطنات الإسرائيلية ويعيش فيها نحو 400 ألف مستوطن إلى إسرائيل التي تحتفظ بالمنطقة الحدودية وتحرم الفلسطينيين من حقهم في حدود واضحة ومعابر. ورفض الفلسطينيون سابقاً مجرد اقتراح باستئجار أراضي الأغوار 99 عاماً باعتبارها حدود الدولة الفلسطينية وامتدادها الطبيعي وسلة خضراواتها وماءها.
وتعطي الخطة الفلسطينيين حق إقامة منطقة سياحية خاصة في عطروت، وهي منطقة صناعية في القدس يعمل فيها عمال فلسطينيون. وليس معروفاً وفق أي رؤية سيتم ذلك ما دامت القدس تبقى بيد إسرائيل، لكن الخطة لمحت إلى تعاون دولي في المدينة وسياحي كذلك.
وتشترط الخطة تفكيك سلاح حركة «حماس» والفصائل المسلحة في قطاع غزة، وهي مسألة لا تبدو في أيدي من يرغب حتى في التوقيع من الفلسطينيين، إن وجد.
وتنص الخطة على تبادل للأراضي، وتعطي الفلسطينيين مناطق في صحراء النقب يتم ضمها إلى الدولة الفلسطينية، وهي مناطق صحراوية شاسعة تصل إلى حدود مصر والأردن، وتبادل للأراضي يشمل كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة وكفر قاسم والطيرة، وكفر برا، وجلجوليّة، وهي مناطق تضم نحو 250 ألف فلسطيني مقابل وجود المستوطنات في جسد الدولة الفلسطينية الموعودة. وكان تبادل الأراضي جزءاً من نقاش سابق، لكن تم الخلاف حول حجم التبادل، كما رفضت السلطة وعرب الداخل في إسرائيل بشكل مطلق ضم البلدات الفلسطينية في الداخل للنقاش.
وتلزم الخطة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وهو مطلب يقول الفلسطينيون إنه يمس بالرواية التاريخية لهم، والدينية، ويضع السكان العرب في إسرائيل في مهب الريح.
أما حل قضية اللاجئين خارج حدود إسرائيل، فيتم عبر الاندماج في الدولة التي يوجدون فيها حالياً، واستقبال 5000 لاجئ كل عام، لمدة عشر سنوات (50000 في المجموع) في دول إسلامية توافق على توطين فلسطينيين بموافقة تلك البلدان. وهذا يعني عدم الاعتراف بحق اللاجئين بالعودة. وكانت السلطة قد اقترحت عودة محدودة في السابق، مع تعويض لبقية اللاجئين. وظل الموضوع دون اتفاق.
وتقترح الصفقة تسليم السلطة الفلسطينية أو أي جهة أخرى مقبولة دولياً السيطرة الكاملة في القطاع. وهذا يحتاج إلى موافقة حركة «حماس» بشكل خاص.
وتقترح الخطة ممراً آمناً بين الضفة وغزة. وهذا موجود فعلاً، وتم تشغليه في عام 1999، بطول 44 كيلومتراً، بين حاجزين إسرائيليين: حاجز «ترقوميا» على مشارف مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وحاجز «إيرز» على مدخل بيت حانون شمال قطاع غزة. وقد أغلقته إسرائيل في عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة.
وسيتم، وفق الخطة الأميركية، إنشاء منطقة تجارة حرة بين المملكة الأردنية والدولة الفلسطينية، وسيتم تصدير البضائع من المطار في الأردن. كما تنص الخطة على اتفاق تجارة محتمل مع الولايات المتحدة، التي يُفترض أن تبدأ مفاوضات بهذا الشأن مع الدولة الفلسطينية. وتنصّ الصفقة على أنه من الصعب إقامة ميناء في غزة في المدى المنظور، بسبب التحديات الأمنية، وبالتالي بإمكان الفلسطينيين استخدام الموانئ الإسرائيلية في حيفا وأسدود لغايات الشحن فقط، وسيتمّ نقل البضائع عبر طرق سريعة للدولة الفلسطينية بناءً على الترتيبات الأمنية الإسرائيلية، كما سيكون بإمكان الفلسطينيين استخدام ميناء العقبة في الأردن. ويشبه هذا الاقتراح طريقة التصدير الحالية التي تتقاضى إسرائيل عليها عمولات، الأمر الذي يؤكد عدم وجود سيادة فلسطينية في الدولة.
وبخصوص الصلاة في الأقصى، فستكون متاحة لجميع الديانات «بشكل سلمي»، وعلى سكان القدس الفلسطينيين الاختيار ما بين الجنسية الإسرائيلية أو الفلسطينية. وتحمل هذه النقطة تجاوزاً خطيراً بالنسبة للفلسطينيين والمسلمين، إذ تعطي اليهود حق الصلاة في الأقصى. وينافي هذا الواقع القائم المتفق عليه بين إسرائيل والأردن حول منع اليهود من الصلاة في المكان.