ترقب في مصر حيال تسريبات «صفقة القرن»

TT

ترقب في مصر حيال تسريبات «صفقة القرن»

على الرغم من تجنب القاهرة التعليق الرسمي على التسريبات بشأن «خطة السلام» لتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والمقرر أن يعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم؛ فإن خبراء وبرلمانيين مصريين قدّروا أن موقف بلادهم يتراوح بين «الترقب» لتفاصيل المبادرة وما يمكن أن تتضمنه من «مفاجآت» أو «أعباء»، فضلاً عن «الحذر» من تضمينها بنوداً تمس مواقفها الثابتة.
وشاركت مصر في أعمال «مؤتمر المنامة» الاقتصادي الذي نظّمته واشنطن لتمهيد إعلان خطتها للسلام، في يونيو (حزيران) الماضي، غير أن مستوى تمثيل القاهرة لم يكن كبيراً وجاء على درجة نائب وزير، وقالت خارجية البلاد حينها إن الحضور لـ«تقييم المقترحات».
وكذلك فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في مناسبات عدة موقف بلاده الداعم لـ«حل الدولتين» والمقررات الأممية بشأن القضية الفلسطينية، منوهاً بأن القاهرة «لن تقبل أي شيء لا يريده الفلسطينيون».
ولا يستعبد المفكر السياسي المصري الدكتور عبد المنعم سعيد، «أي بند عن تفاصيل صفقة القرن»، منوهاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» بما جرى من إدارة ترمب خلال عملية نقل سفارة أميركا إلى القدس رغم «العقبات اللوجيستية المتعلقة ببنائها فضلاً عن السياسية». ويرى سعيد أن «كل الأطراف ستواجه مأزقاً بعد إعلان (صفقة القرن)، وعلى الأخص الفلسطينيون، الذين عجزوا عن تأسيس دولة، والتي من أهم شروطها احتكار استخدام القوة». وفي حين يعتقد المفكر المصري أنه «لا توجد دولة عربية يمكنها أن تلزم نفسها بأمر يتعلق بالدرجة الأولى بقرار الفلسطينيين»، فإنه يشير إلى أن «الجميع يريد أن ينتظر ويترقب التفاصيل، خصوصاً أنه ليس متوقعاً أن تكون واشنطن أطلعت مسبقاً أي طرف باستثناء إسرائيل على بنودها المرتقبة». وخلال آخر لقاء قمة جمع السيسي ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، في مدينة شرم الشيخ، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكد الرئيس المصري «ثبات موقف بلاده من القضية الفلسطينية، وحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
ويصف أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي، موقف القاهرة من الخطة الأميركية بأنه سيكون «حذراً»، مشيراً إلى «التمسك بالمبادئ الحاكمة لسياسة مصر بشأن فلسطين، والقائمة على محددات الشرعية الدولية». ويرى فهمي أن «الأردن ربما يكون هو الطرف الأكثر تأثراً بما تتضمنه الخطة، ولذلك فقد بادر بإعلان عدد من الاعتراضات المتعلقة بضم الأغوار»، معرباً عن اعتقاده أنه «ربما حاول الأميركيون في فترات سابقة توسيط بعض الأطراف العربية لدى الفلسطينيين لإقناعهم بقبول ما يطرحه ترمب، لكنّ ذلك لم يقابَل بإيجابية من العواصم التي تم التعاطي معها».
برلمانياً يعتقد عضو «لجنة الشؤون العربية» في مجلس النواب المصري سلامة الرقيعي، أن «التسريبات بشأن الخطة الأميركية تأتي تكريساً للانحياز الكامل من واشنطن لصالح إسرائيل، وتُنهي حتى في حدها الأدنى أي أمل لإقامة حل الدولتين».
ويقول الرقيعي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطة المنتظرة تمس جوهر قضية فلسطين والأمن العربي ككل»، مضيفاً أنه «لا يمكن تصور أن يكون هناك قبول عربي أو مصري بها في ظل ما تتضمنه من انحياز فج يعطل مساعي الحل».



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».