الفتاوى الدينية تدخل على خط الصراع السياسي في ليبيا

خطب الغرياني تدعو للكراهية والقتل وشق الصف الاجتماعي

TT

الفتاوى الدينية تدخل على خط الصراع السياسي في ليبيا

من على منصة فضائية يمتلكها نجله، يجلس المفتي الليبي المعزول الصادق الغرياني، مرة كل أسبوع، ليحرض المواطنين عبر فتاوى، توصف بأنها «تحرض على الكراهية، وتدعو للقتل، وشق الصف الاجتماعي».
وتعد فضائية «التناصح»، التي تبث من تركيا ويمتلكها سهيل الغرياني، واحدة من المنصات التي تدفع بقوة باتجاه إشعال نيران الفتنة بين الليبيين، كل حسب توجهه الآيديولوجي، وانتماءاته السياسية.
ومع نهاية هذه الأسبوع، خرج الغرياني على الشعب الليبي يدعوهم إلى التوقف عن بيع السلع لما سماهم «أهل الباطل» في منطقة شرق البلاد، في إشارة إلى الموالين لـ«الجيش الوطني»، وقال لهم: «اتقوا الله ودعوا هذا الأمر. فمن يمول أهل الباطل يصبح في جبهتهم، ومن يفعل هذا الأمر يقاتل مع المجرمين الذين يقاتلون أهل الحق في طرابلس، وعليه أن يتخلص من المال الذي ربحه من هذه التجارة لأن هذا كسب ليس حلالاً».
وردا على خطب الغرياني، قالت الدكتورة فاطمة الحمروش، وزيرة الصحة السابقة في ليبيا، لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يصدر من هذا الرجل من فتاوى وتحريض على القتال على مرّ السنين، تجعله بحاجة إلى تقييم نفسي لتقديمه للمحاكمة، إذا كان بكامل قواه العقلية، أو لإيداعه في مصحة عقلية، تحت حراسة مشددة إذا ثبت أن قواه العقلية لا تسمح بمحاكمته».
وأشارت الحمروش، بصفتها طبيبة منذ عام 2016، إلى «ضرورة إخضاع الغرياني للفحص الطبي لتقييم صحته العقلية وعلاجه... لم أر وحشية وتحريضا على القتل من جهة رسمية كما يفعل هذا الرجل».
فتاوى الغرياني المدرج على قوائم الإرهاب، تلقى قبولاً لدى مؤيديه، خاصة عند سكان غرب ليبيا، الذين يستجيبون لنداءاته بالتظاهر، مرة ضد المبعوث الأممي غسان سلامة والمطالبة بإخراجه من البلاد، وأخرى ضد قوات «الجيش الوطني». وكان قبل ذلك يحرض على حكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، ويوجه انتقادات لاذعة لاتفاق «الصخيرات».
وفي لقائه هذا الأسبوع دعا الغرياني المواطنين في فتوى نادرة إلى الخروج في الشوارع والميادين للمظاهرة «بشكل عارم» لمطالبة كتيبة «الردع» «بإخلاء المظلومين، مشيراً إلى أن «هذه الحروب سببها الظلم الذي يقع في كتيبة الردع وغيرها».
ويشتكي الليبيون هذه الأيام من «استشراء حالة من التشفي والعدائية والكراهية» في الأوساط الاجتماعية، وذلك على خلفية الحرب الدائرة في العاصمة، تصل أحياناً إلى المطالبة بـ«قتل الخصوم».
وخرج أمس مئات المواطنين للتظاهر في طرابلس، بعد الفتوى الأخيرة للمفتي الغرياني للتنديد بالحرب على العاصمة وخرق الهدنة، وهذه ليست المرة الأولى التي يستجيب فيها التيار الموالي للغرياني بالخروج إلى الشوارع. إذ سبق للغرياني الإفتاء بعدم جواز الصلاة خلف من يدعو لنصرة حفتر، بالإضافة إلى فتوى أخرى قال فيها إن «من ينضم إلى حفتر ويموت معه، يخشى أن يموت ميتة جاهلية، في حين كل من يقاتله ويموت فهو شهيد وفي سبيل الله».
الحمروش قالت إن الغرياني، ومنذ عام 2011 «لم يتوقف عن الحث على التقاتل، وزرع الفتن والكراهية باسم الدين»، في حين لم تصدر عنه فتوى لبناء الإنسان».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.