عودة التنسيق بين الرئاسات العراقية وسط تضارب بشأن قيادة الحكومة

«جراحة ناجحة» للسيستاني تؤخّر موقفه من إعادة تكليف عبد المهدي

صالح وعبد المهدي والحلبوسي خلال اجتماعهم (الرئاسة العراقية)
صالح وعبد المهدي والحلبوسي خلال اجتماعهم (الرئاسة العراقية)
TT

عودة التنسيق بين الرئاسات العراقية وسط تضارب بشأن قيادة الحكومة

صالح وعبد المهدي والحلبوسي خلال اجتماعهم (الرئاسة العراقية)
صالح وعبد المهدي والحلبوسي خلال اجتماعهم (الرئاسة العراقية)

عاودت الرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان) اجتماعاتها بعد قطيعة استمرت نحو شهر شهدت البلاد خلاله تطورات مفاجئة، أبرزها المواجهة الأميركية - الإيرانية في العراق بعد مقتل قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس بضربة أميركية.
وعقد رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي اجتماعاً شدد على الإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة. لكن بياناً مقتضباً صدر عن الاجتماع خلا من أي تفاصيل عن التشكيلة المتوقعة أو شخصية رئيسها، فيما تضاربت التوقعات بين البحث عن بديل جديد خلال الأسبوع المقبل أو التوافق على إعادة تكليف عبد المهدي. وبينما كانت الأوساط السياسية في العراق تترقب تلميحاً في خطبة الجمعة اليوم لموقف المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني من إعادة تأهيل عبد المهدي وما إذا كان يصر على تكليف رئيس وزراء جديد، أعلن في النجف أمس أن المرجع الأعلى أصيب بكسر في الفخذ وخضع «لعملية جراحية ناجحة»، لكنها قد تؤجل الخطبة السياسية لهذا الأسبوع.
تطور آخر طرأ على المشهد تمثل بدعوة الصدر إلى «مظاهرة مليونية» أيده فيها كل زعماء الفصائل القريبة من إيران، بمن فيهم خصومه السياسيين مثل زعيم «الفتح» هادي العامري وزعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، ما أدى إلى خلافات بين قادة المظاهرات والصدر، إذ اعتبر المتظاهرون دعوة الصدر محاولة مبطنة لإنهاء مظاهراتهم المستمرة منذ 3 أشهر. وتتناقض المواقف من اختيار رئيس وزراء جديد أو إعادة عبد المهدي، بين رفض تام من قبل المظاهرات ومؤيديها، وقبول غير مشروط خصوصاً من الأكراد، وقبول مشروط من قبل بعض القوى الشيعية، ومنها «حركة عطاء» التي يتزعمها مستشار الأمن الوطني رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض.
وأعلن رئيس «كتلة عطاء» النائب حيدر الفوادي في مؤتمر صحافي أن كتلته تضع 7 شروط لإعادة عبد المهدي، بينها إعادة تشكيل الحكومة «بعيداً عن الأحزاب والقوى السياسية، حتى ولو على مستوى الاستشارة، وله الحق بالاستعانة بأي شخصية على أن يتحمل المسؤولية أمام الشعب، وعدم التنازل عن الاتفاقية العراقية - الصينية» التي أبرمها عبد المهدي في بكين العام الماضي ويروج مؤيدوه لها باعتبارها إنجازاً كبيراً لحكومته.
وأضاف الفوادي أن «من ضمن الشروط مد جسور العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، باعتبارها العمق العربي للعراق على أساس المصالح المشتركة وعدم التدخل بالشأن الداخلي، والمحافظة على العلاقة مع الجمهورية الإيرانية على أساس المصالح المشتركة وعدم السماح بالتدخل بالشؤون الداخلية، وسلوك الخطوات القانونية والدبلوماسية لإخراج القوات الأجنبية كافة من العراق، ومد جسور العلاقات مع دول العالم، ومنها الولايات المتحدة، على أساس المصالح المشتركة، وحصر السلاح بيد الدولة».
وأوضح أن «الأسباب التي تدعو إلى إعادة الثقة بعبد المهدي تتلخص في أن مشكلة العراق اقتصادية بالدرجة الأولى، فهناك بطالة ونقص في الخدمات إذ فشلت الحكومات السابقة في تقديم مشروعات على مستوى القطاعات الخدمية مثل الصحة والصناعة والزراعة والقطاعات الأخرى لتحسين الوضع المعيشي وامتصاص البطالة». ولفت إلى أن «عبد المهدي خبير اقتصادي واتخذ خطوات مهمة ونجح خلال فترة قصيرة بإعادة الكهرباء... والإنتاج والتوزيع والنقل واعتمد على القطاعات الحقيقية، ومنها الزراعة، فأصبح العراق يكتفي من 27 مادة، كما نجح في فتح أسواق للنفط العراقي من خلال الأردن ومصر وأسواق آسيوية أخرى».
لكن تحالف «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر أعلن نفيه الأنباء التي تحدثت عن إمكانية موافقته على دعم عبد المهدي. وقال النائب عن التحالف غايب العميري في تصريح صحافي إنه «لا صحة للأنباء التي أشارت إلى دعم سائرون لعودة عبد المهدي»، مبيناً أن «موقف تحالف سائرون ما يزال ثابتاً بشأن اختيار شخصية غير حزبية، لم تستلم المناصب من قبل وتكون غير جدلية ويرضى عنها الجميع لمنصب رئاسة الوزراء بما فيهم الشارع».
إلى ذلك، رجح النائب عن تحالف «الفتح» حامد الموسوي الإعلان عن اسم مرشح لرئاسة الوزراء الأسبوع المقبل. وقال في تصريح صحافي إن «هناك معايير جديدة تم وضعها للشخصية التي ستتصدى لمنصب رئيس مجلس الوزراء المقبل على ضوء المعطيات الجديدة سياسيا»، مبيناً أن «هناك اتفاقاً سياسياً جديداً على أن المرشح ينبغي أن يتعهد تطبيق قرار إخراج القوات الأجنبية من العراق وأن يعمل على تفعيل الاتفاقية مع الصين». وكان البرلمان العراقي قرر، في غياب النواب السنة والأكراد، بإلزام الحكومة بإخراج القوات الأميركية من العراق.
وأكدت عضو البرلمان العراقي المستقلة لبنى رحيم لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك جهوداً ومشاورات تبذل من قبل الأطراف السياسية بهدف الوصول إلى اختيار شخصية مقبولة لرئاسة الوزراء»، موضحة أن «المقبولية يجب أن تكون من الشعب أولاً وكذلك المحكمة الاتحادية ورئاسة الجمهورية حتى تمضي من دون عراقيل دستورية أو سياسية». وأضافت أن «المطلوب هو مراعاة المدد الدستورية وعدم تخطيها وكذلك مراعاة الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.