من دون التعمق في تاريخ السويد مع فكرة تحطيم الأيقونات والتماثيل، يمكننا القول إن الأعمال الفنية ذات الطابع الديني لم تتعرض كثيراً لهذا الأمر داخل هذه الدولة الاسكندنافية. وعاون في ذلك عدم اشتعال كثير من الحروب داخل البلاد، علاوة على أن الإصلاح الديني لم يتخذ طابعاً معادياً للأيقونات والتماثيل في السويد. ومع هذا، فإنه للأسف الشديد لا يستمر شيء إلى الأبد - الأمر الذي ينقلنا للحديث عن تمثال نجم كرة القدم الأبرز بالبلاد زلاتان إبراهيموفيتش الذي لم يعد ممكناً في الوقت الحاضر أن تمر بضعة أيام دون أن يتعرض لتخريب وتشويه.
يقف هذا النصب خارج استاد مالمو، بالمدينة التي ترعرع فيها زلاتان. ويبلغ ارتفاع التمثال ثلاثة أمتار، وهو قائم بمكانه منذ أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. وللأسف الشديد جرى نزعه من فوق قاعدته، الأحد الماضي، بعد آخر موجة اعتداء تعرض لها على أيدي مخربين بدوافع طائفية. ورغم أنني أقول جرى نزعه، فإن الحقيقة أن التمثال كان ملقى على الأرض بالفعل بعد أن جرى تقطيعه بمنشار عند الكاحل وكتبت أسفله عبارة: «احملوه بعيداً». ويعتبر هذا مجرد المثال الأحدث على الاعتداءات التي تعرض لها التمثال المصنوع من البرونز والبالغة زنته 500 كيلوغرام. وتضمنت سلسلة الاعتداءات تحطيم أنف التمثال ثم إطلاق ألعاب نارية عليه وتشويهه بطلاء فضي وآخر أبيض وكذلك رسوم غرافيتي، وبتر إحدى أصابع القدم وقطع ساق أسفل الركبة.
في الواقع، دفعت كثرة اعتداءات التخريب ضد التمثال موقع «ويكيبيديا» لتخصيص قسم خاص لها أصبح بمرور الوقت من الصفحات المفضلة لدي مطلعيه كثيراً.
وهنا يطرح تساؤل نفسه: هل سيكون الهجوم المروع الأخير نهاية نصب إبراهيموفيتش؟ ما يزال هذا الأمر غير واضح. رسمياً، يخضع التمثال لعملية إصلاح، وإن كان بالنظر إلى وتيرة الإهلاك الحالية من الصعب تخيل كيف يمكن بقاؤه صامداً.
وغني عن القول هنا أن تخريب التماثيل وتشويهها يحدث في المجتمعات المعاصرة لأسباب متنوعة. جدير بالذكر أنه في ذات اليوم الذي تواترت أنباء إزالة تمثال زلاتان، وردت أنباء أخرى عن تعرض تمثال لغاندي في ولاية جوجارات للتخريب. ومع أن الكثيرين قد يتفقون على أن قائد الاستقلال الهندي يعتبر في وقتنا الحالي شخصية أدنى تأثيراً ونفوذاً عن على الصعيد الثقافي عن زلاتان، فإن مهاجم ميلان بالتأكيد سيشعر ببعض المواساة لدى علمه أن هذه الاعتداءات لا تخصه وحده، وإنما كان لشخصيات دولية أخرى نصيب منها.
أما عن المحفز وراء مثل هذه الهجمات المستمرة ضد النصب التذكاري الخاص بزلاتان، فيبدو أنها تتجاوز مجرد الشكل العام له والطابع الجمالي. على أي حال، يعتبر تمثال زلاتان في واقع الأمر أقرب إلى الشكل البشري نسبياً وأكثر جمالاً من الناحية الفنية عن الكثير من تماثيل أيقونات كرة القدم الحديثة. ومن بين التماثيل ذات المستوى الفني الرديء التي كشف النقاب عنها مؤخراً لتكريم نجوم في كرة القدم، تمثال لكريستيانو رونالدو ويبدو التمثال الذي كشف النقاب عنه في مطار ماديرا صورة مشوهة للغاية من شكل النجم الحقيقي، وكذلك محمد صلاح الذي لسبب غير معلوم جرى تخليده عبر تمثال بدا فيه أقرب لشكل المغني الأميركي آرت غارفونكل لكن في هيئة قزم.
أما فكرة أن زلاتان جرى تصويره من خلال التمثال بجسد عار دونما قميص ما أثار حوله هالة من الغرور، فإن الخطأ وراءها يرجع إلى الوسيط الذي أنجز التمثال لعجزه عن محاكاة روح اللاعب.
أعتقد أن الهجمات التي يتعرض لها التمثال مقصود منها التنديد بذكرى اللاعب، ذات القصد الذي تعرضت من أجله تماثيل أخرى لشخصيات تاريخية مثل لينين. أما الخطيئة التي اقترفها زلاتان في نظر أعدائه فهي شراؤه حصة في نادي هاماربي، المنافس لمالمو وتعهده بأن يجعله «الأفضل على مستوى الدول الاسكندنافية».
إلا أن هذا يظل اعتقادي الشخصي، وأنا منفتح تماماً على أي نظريات أخرى تفسر تلك الهجمات. مثلاً، ربما يكون ما يجري مع تمثال زلاتان تحققا عصريا لقصة «الأمير السعيد» التي أبدعها أوسكار وايلد؟ هل قرأتم هذه القصة؟ حسناً، إنها تدور حول تمثال لأمير داخل بلدة فقيرة، ولا يستطيع الأمير طيب القلب تحمل آلام الفقر التي يراها من حوله. لذلك، عمد من فترة لأخرى إلى التضحية بجزء من تمثاله - عين مرصعة بأحجار كريمة أو طبقة خارجية ذهبية وما إلى غير ذلك - للتخفيف من معاناة أهل البلدة. ربما هذه الحال مع تمثال زلاتان، وربما لجأ البعض لتخفيف معاناة مالمو عبر إصبع من قدمه أو قطعة من ساقه - من يدري، ليس هناك مستحيل!.
أنهى إبراهيموفيتش، 38 عاما، مؤخرا مسيرته ضمن صفوف لوس أنجليس غالاكسي الأميركي، قبل انتقاله إلى ميلان.
وكان إبراهيموفيتش قد ساعد ميلان في الفوز بآخر لقب له في الدوري الإيطالي، في عام 2011، وقد سجل للفريق 56 هدفا خلال 85 مباراة على مدار موسمين.
وفاز إبراهيموفيتش بلقب الدوري في أياكس الهولندي وبرشلونة الإسباني وإنتر ميلان الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي.
ويحتل ميلان المركز الحادي عشر، برصيد 21 نقطة، بفارق 14 نقطة عن مراكز التأهل إلى دوري أبطال أوروبا، بعد مرور 17 مرحلة من المسابقة.
لغز الهجوم المستمر وتدمير تمثال إبراهيموفيتش
جماهير مالمو الغاضبة تناست تاريخ أفضل لاعبي السويد بسبب شرائه حصة في نادي هاماربي
لغز الهجوم المستمر وتدمير تمثال إبراهيموفيتش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة