«حركة الشباب» الصومالية لا تزال تشكل خطراً كبيراً في نهاية عقد دموي

تبنت تفجير شاحنة أوقع عشرات القتلى في مقديشو

الشرطة الصومالية تجمع عينات من موقع هجوم انتحاري استهدف قافلة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
الشرطة الصومالية تجمع عينات من موقع هجوم انتحاري استهدف قافلة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
TT

«حركة الشباب» الصومالية لا تزال تشكل خطراً كبيراً في نهاية عقد دموي

الشرطة الصومالية تجمع عينات من موقع هجوم انتحاري استهدف قافلة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)
الشرطة الصومالية تجمع عينات من موقع هجوم انتحاري استهدف قافلة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2018 (أ.ف.ب)

خسرت «حركة الشباب» الصومالية المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، خلال العقد الماضي أراضي كانت تسيطر عليها، وفرّ عدد من عناصرها جراء ضربات جوية أميركية، لكنها لا تزال، رغم ذلك، تشكل خطراً كبيراً في ظل ضعف السلطة المركزية الصومالية، برأي محللين.
ورغم سنوات من الجهود المكلفة لمكافحة الحركة، فإنها تمكنت مرة أخرى من تفجير مركبة محملة بالمتفجرات في منطقة مكتظة بمقديشو موقعة 81 قتيلاً السبت الماضي، بينهم تركيان، في واحدة من أكثر الهجمات دموية في العقد.
وتبنت حركة «الشباب» أول من أمس الاعتداء. وقال الناطق باسم الحركة علي محمد في رسالة صوتية، إن عناصر الحركة شنوا «هجوماً (...) مستهدفين موكباً للمرتزقة الأتراك والمسلحين المرتدين الذين كانوا يواكبونهم».
وقدمت «حركة الشباب»، للمرة الأولى، اعتذارها لسقوط ضحايا مدنيين في الاعتداء الذي برّرته بضرورة محاربة الدولة الصومالية وداعميها الأجانب. وقال الناطق: «نحن نأسف فعلياً للخسائر التي لحقت بمجتمعنا المسلم الصومالي، ونقدم تعازينا للمسلمين الذين سقطوا أو أصيبوا بجروح أو دمرت ممتلكاتهم». وتابع أن السيارة المفخخة أوقفتها أجهزة الأمن عند نقطة التفتيش في اللحظة التي كانت تريد فيها استهداف هذا الموكب، وبالتالي كانت «مشيئة الله» سقوط هذا العدد من المدنيين.
ولا تتبنى «حركة الشباب» عادة الاعتداءات التي تسفر عن عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين خوفاً من فقدان الدعم الذي تحظى به لدى عدد من الصوماليين.
وبين القتلى 16 طالباً جامعياً كانوا في حافلة لحظة وقوع التفجير، إضافة إلى مواطنين تركيين.
كما اتهم الناطق باسم الحركة تركيا بالسعي إلى «احتلال» الصومال وبأنها «سيطرت على جميع موارده الاقتصادية»، وحذر من أن «الأتراك أعداؤنا، وكما قلنا سابقاً، لن نتوقف عن القتال حتى ينسحبوا من بلادنا».
تُعدّ تركيا واحدة من المانحين والمستثمرين الرئيسيين في الصومال، وتقيم معه علاقات تاريخية. وتدير شركات تركية ميناء ومطار مقديشو.
في سبتمبر (أيلول) 2017، افتتحت تركيا أكبر مركز تدريب عسكري أجنبي في الصومال. لكن هذا الحضور جعل مراراً من مصالحها ومواطنيها أهدافاً لـ«حركة الشباب».
وأعلنت الولايات المتحدة أنها قتلت الأحد الماضي 4 «إرهابيين» في 3 ضربات شنتها في الصومال مستهدفة الحركة المتطرفة.
في هذا الصدد، قال مات برايدن، مدير مركز «ساهان» الذي مقره نيروبي، إن «السمة الحقيقية لـ(حركة الشباب) هي قدرتها على الاستمرار». وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد قتل قادة في الحركة في ضربات بطائرات مسيرة، ومداهمات لقوات الكوماندوز، كما قتل كثير من صانعي القنابل، ومع ذلك تواصل الحركة شن حرب تقليدية وحرب عصابات ضد قوات العدو، وبناء القنابل، وتأسيس بنية تحتية مالية وإدارية سرية وفعالة».
وقال برايدن إن قدرة الحركة التابعة لتنظيم «القاعدة» على إلحاق خسائر جسيمة في الصومال ومناطق أخرى في المنطقة، تبرز هشاشة الحكومة المركزية الغارقة في الخلافات والتي تركز على البقاء في السلطة أكثر من تركيزها على محاربة المتطرفين.
في بداية العقد الحالي، كانت «حركة الشباب» في ذروتها. فقد سيطرت على مراكز حضرية كبيرة؛ من بينها أجزاء من مقديشو، بينما كانت الحكومة المدعومة دولياً لا تسيطر إلا على جزء صغير من أراضي العاصمة.
ودخلت الصومال في فوضى بعد إطاحة نظام الرئيس سياد بري العسكري في 1991، مما أدى إلى مجاعة وعقود من حروب القبائل الفوضوية.
وانبثقت «حركة الشباب» من «جناح الشباب» في «اتحاد المحاكم» المنافس للحكومة المدعومة دولياً. تأسس «الاتحاد» في 2004 وسيطر لفترة قصيرة على أجزاء كبيرة من الصومال. لكن في النصف الثاني من 2011، بدأت قوة الحركة تتضاءل بعدما أخرجتها قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أميسوم) من آخر معاقلها في مقديشو.
ومنذ ذلك الحين، اضطر مقاتلو الحركة إلى التخلي عن معظم معاقلهم؛ لكنهم ما زالوا يسيطرون على المناطق الريفية الشاسعة وحافظوا على وجودهم في المراكز الحضرية من خلال شبكة استخبارات واسعة النطاق.
بدوره، قال خبير شؤون القرن الأفريقي في «مجموعة الأزمات الدولية»، موريتي موتيجا: «لقد كسبوا الدعم من خلال التخيير أو الإجبار. لديهم إمدادات ثابتة من التمويل من خلال شبكة من الضرائب والابتزاز».
وجاء في تقرير لفريق خبراء تابع للأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن نظام الضرائب على طريقة «المافيا» للمجموعة سمح للحركة بتوليد إيرادات حتى في المناطق التي لا تسيطر عليها، مثل ميناء مقديشو.
وفي مؤشر على قدرة الحركة على التسلل إلى المؤسسات الحكومية، تبين أن انتحارية فجرت نفسها بالمكاتب الحكومية في مقديشو خلال يوليو (تموز) الماضي مما أسفر عن مقتل رئيس بلدية المدينة، كانت موظفة تعمل تحت هوية مزورة.
وتحول مقاتلو الحركة إلى تصنيع متفجرات محلياً. وكان بعض من أكثر هجمات الحركة دموية في السنوات الأخيرة، مثل تفجير شاحنة مقديشو عام 2017 الذي خلف 512 قتيلاً.
وتمكنت «حركة الشباب» أيضاً من توسيع شبكتها في المنطقة، خصوصاً في كينيا التي عانت من هجمات مدمرة عدة رداً على قيامها بإرسال قوات إلى الصومال في عام 2011.
وفي يناير (كانون الثاني) 2019، قُتل 21 شخصاً في حصار لأحد فنادق نيروبي الراقية، كان معظم منفذيه من نشطاء «حركة الشباب» المولودين في كينيا.
ونفذت «حركة الشباب» هجمات في بلدان أخرى في شرق أفريقيا، منها أوغندا.
منذ انتهاء هجوم قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أميسوم) في 2015، شهدت سيطرة الحركة على الأراضي ركوداً.
وقال موتيغا إن أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبت في القتال ضد «حركة الشباب» هو أنه غالباً ما تم طردهم من القرى دون «خطة قابلة للتطبيق لما سيحدث لاحقاً».
ومع مغادرة نحو 20 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المقررة في 2021، يقول المحللون إن الجيش الوطني ليس جاهزاً على الإطلاق، ربما بسبب قيام بريطانيا وتركيا والاتحاد الأوروبي بتنظيم برامج تدريب منفصلة للجيش.
وقال برايدن: «لا نرى أنه ستظهر قوة أمنية متماسكة يمكنها أن تواجه (الشباب)، خصوصاً إذا انسحبت قوات الاتحاد الأفريقي». إلا إنه قال إن العقبة الرئيسية أمام قتال «حركة الشباب» هو أن ذلك لم يكن أولوية للحكومة المركزية.
وبدلاً من ذلك دخلت الحكومة في خلافات سياسية مع حكومات الولايات، وركزت على السيطرة على الإدارات المحلية في مسعى لتعزيز فرصها في إعادة انتخابها في الانتخابات البرلمانية المقررة في 2020 والرئاسية في 2021.
وقال برايدن إن عدداً أكبر من موارد الشرطة والجيش الوطني يتم نشرها حالياً لتأمين عملية انتخابية في منطقة غالمودغ الوسطى بدلاً من نشرها في العمليات الهجومية ضد «حركة الشباب». وأضاف: «هذا يعني أن الحكومة التي تتلقى الغالبية العظمى من الدعم والموارد الدولية لمحاربة (الشباب) قد صنفت تلك المعركة في أفضل الأحوال على أنها أولوية ثانية».
رسميا، فإن الحكومة الصومالية هي حكومة انتقالية، نظراً لأن دستور البلاد لا يزال غير مكتمل.
وقال برايدن إن المفاوضات كانت قد بدأت في ظل الحكومات السابقة بشأن استكمال الدستور والاتفاق على هيكلية اتحاد البلاد، لكن الحكومة الحالية أوقفت المحادثات.
ورغم زيادة الغارات الجوية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترمب والتي أودت بحياة أكثر من 800 شخص منذ أبريل (نيسان) 2017، فإن المراقبين يعتقدون أن «حركة الشباب» ستستمر في إحداث الدمار بعد عام 2020. وقال موتيغا: «يبدو أن (حركة الشباب) تختتم العقد وهي في وضع قوي كما كانت قبل 10 سنوات».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.