سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار يوقعان اتفاقا لإعلان مبادئ في أروشا التنزانية

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: التوقيع لرأب الصدع داخل الحزب الحاكم

سلفا كير ميارديت ونائبه السابق زعيم حركة التمرد رياك مشار
سلفا كير ميارديت ونائبه السابق زعيم حركة التمرد رياك مشار
TT

سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار يوقعان اتفاقا لإعلان مبادئ في أروشا التنزانية

سلفا كير ميارديت ونائبه السابق زعيم حركة التمرد رياك مشار
سلفا كير ميارديت ونائبه السابق زعيم حركة التمرد رياك مشار

وقع في وقت متأخر من مساء أمس رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ونائبه السابق زعيم حركة التمرد رياك مشار اتفاق إعلان (أروشا) لمبادئ لحل الخلافات داخل حزب الحركة الشعبية في الحكومة والمعارضة، وقد وصل كير إلى مدينة (أروشا) التنزانية نهار أمس فيما وصل إليها مشار ليلة أول من أمس، وانخرط الزعيمان في اجتماعات مكثفة مع قيادات المكتب السياسي في الحزب الذين افترقت بهم صراع السلطة في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقد بدأت اجتماعات ضمت قيادات المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية الحاكم والمجموعات التي انشقت عنه بقيادة رياك مشار والتي شكلت الحركة الشعبية في المعارضة ودخلت في حرب أهلية في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما اتخذت قيادات أخرى بقيادة الأمين العام السابق للحزب باقان أموم ومجموعته التي أصبحت تعرف بمجموعة (المعتقلين السابقين) وسائل العمل السلمي.
واستضاف الرئيس التنزاني جاكايا كيكويتي محادثات جمعت أعضاء المكتب السياسي في حزب الحركة الشعبية في الحكومة والمعارضة منذ أكثر من أسبوع من أجل التوصل إلى اتفاق يعيد رأب الصدع داخل الحزب وحل الأزمة بين الفرقاء، ودعا كيكوتي سلفا كير ورياك مشار للحضور إلى أروشا لتحقيق المصالحة بينهما والتوقيع على إعلان مبادئ للحوار وحل الخلافات بين الفرقاء في الحزب، وقالت الحكومة التنزانية بأنها استضافت الحوار بطلب من قيادة الحركة الشعبية لأجل تحقيق الوحدة بين قياداتها، بغية إنهاء النزاع في جنوب السودان الذي بدأ من داخل المكتب السياسي للحزب الحاكم.
وقال عبد الرحمن كينانا الأمين العام للحزب الحاكم في تنزانيا الذي ترأس جلسة الأمس بين قيادات حزب الحركة الشعبية بأن رئيس بلاده جاكايا كيكوتي سيتولى إدارة المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الصراعات الداخلية بين الفرقاء وبحضور رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الذي وصل أمس إلى مدينة أروشا ونائبه السابق رياك مشار الذي كان قد وصل أول من أمس إليها، مشيرا إلى أن المحادثات كان قد بدأت في حوار داخلي بين قيادات الحركة استمرت لأسبوع في مدينة أروشا في 12 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وقال: إن الأطراف وضعت إطارا ومبادئ وأهدافا لإعادة توحيد الحزب.
وتوقعت مصادر في أروشا تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن يتم حسم الكثير من القضايا بما فيها قضايا الحكم خلال الفترة الانتقالية والنزاع حول صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء وإجراء الإصلاحات في الحكم والإدارة والأمن والجيش وكافة القضايا العالقة، وقالت المصادر بأن الزعيمين كير ومشار سيوقعان على إعلان مبادئ لتحديد القضايا الخلافية والبدء في حوار بين الفرقاء لتحقيق الوحدة داخل الحزب الحاكم.
ومن جانبه قال المحلل السياسي في جنوب السودان اتيم سايمون لـ«الشرق الأوسط» بأن اجتماع الفرقاء والقيادات التاريخية في حزب الحركة الشعبية الحاكم في أروشا سيفتح الباب واسعا أمام فرص التوصل إلى اتفاق وتفاهمات تنهي الأزمة الدائرة في البلاد، مشيرا إلى أن الأزمة بدأت باشتعال نيرانها من داخل اجتماع المكتب السياسي للحزب، وقال: «لكن ألسنة تلك النيران امتدت لتحرق الوطن بكامله والمدخل الصحيح هو البدء من الباب الذي تدخل عن طريقه الريح وتزيد من اشتعال النيران»، وأضاف أن هناك تفاؤلا شعبيا كبيرا حيث يعول شعب جنوب السودان على السلام كخيار نهائي ومطلب ضروري، وأعرب عن أمله في أن تفكر قيادة الحزب الحاكم في الضرر الاجتماعي والنفسي الذي أحدثوه بانقساماتهم والشرخ الذي حدث في الدولة الوليدة.
وقال سايمون بأنه يتوقع أن تتطرق الاجتماعات الدائرة الآن في أروشا إلى مكامن الخلل في الحزب الحاكم وضرورة الدخول في حوار جاد من أجل تحقيق المصالحة الشاملة عبر حوار لا يلغي سؤال المحاسبة وتحقيق العدالة والاعتذار لشعب جنوب السودان عما حدث طوال هذه الفترة.
ومن جهته قال الوزير في مكتب رئيس جنوب السودان أوان قول ريك في تصريحات صحافية في مطار جوبا أمس قبيل مغادرة سلفا كير إلى تنزانيا إن اللقاء المتوقع بين رئيس بلاده وزعيم التمرد رياك ومشار يمكن أن يساهم في تحقيق عملية السلام التي ترعاها وساطة «الإيقاد» في إثيوبيا.
وفشلت مفاوضات السلام التي تقودها وساطة دول الإيقاد والتي بدأت منذ يناير (كانون الثاني) الماضي في أديس أبابا، في إنهاء الصراع بين الحكومة والمتمردين والتوصل لصيغة لتقاسم السلطة حتى الآن، ورغم أن الطرفين وقعا اتفاق سلام شامل في مايو (أيار) الماضي قضى بوقف الأعمال العدائية ونشر قوات دولية وإفساح المجال للمساعدات الإنسانية فإن الاتفاق لم يدم طويلا حيث عاد الطرفان للاقتتال من جديد وتبادلا الاتهامات بخرقه.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.