مظاهرات واعتقالات تفسد أجواء انتخابات الرئاسة الجزائرية

تحطيم مركزين في منطقة القبائل وسلطة الانتخابات تقر بوجود صعوبات تنظيمية في 3600 مركز... وبوتفليقة يدلي بصوته مع الناخبين

جانب من المواجهات بين المعارضين للانتخابات الرئاسية وقوات الأمن وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات بين المعارضين للانتخابات الرئاسية وقوات الأمن وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

مظاهرات واعتقالات تفسد أجواء انتخابات الرئاسة الجزائرية

جانب من المواجهات بين المعارضين للانتخابات الرئاسية وقوات الأمن وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات بين المعارضين للانتخابات الرئاسية وقوات الأمن وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

في حين ظل التنافس شديداً بين المرشحين لرئاسية الجزائر عبد المجيد تبون وعز الدين ميهوبي، حتى نهاية نهار أمس، بحسب أرقام غير رسمية بخصوص نتائج الانتخابات، وقعت احتكاكات بين مئات المتظاهرين الرافضين للاستحقاق وقوات الأمن بالعاصمة، أسفرت عن اعتقال عدد كبير منهم. فيما تعرضت صناديق الاقتراع بمدن وقرى ولايات القبائل للتخريب؛ ما يترجم حدة رفض الانتخابات بهذه المناطق، التي شهدت مقاطعة واسعة.
ونشر ناشطون على نطاق واسع صور متظاهرين، وهم يقتحمون مكتبي تصويت ببجاية (250 كلم شرق العاصمة) بشبكة التواصل الاجتماعي، قبل أن يخرجوا منها الصناديق ويحطموها، كما خربوا لوائح الناخبين، في مشهد يعبّر عن حالة الرفض الشعبي للانتخابات بمنطقة القبائل الناطقة بالأمازيغة، التي لم يزرها المترشحون الخمسة خلال حملة الدعاية الانتخابية.
وفي ولاية تيزي وزو (100 كلم شرق)، كبرى مدن القبائل، أغلق المتظاهرون عشرات مكاتب التصويت، وخاصة بالمناطق الجبلية المعزولة، حيث تواجد رجال الأمن قليل. أما في المناطق الحضرية بالولاية فقد تجنبت قوات الأمن الاحتكاك بالمتظاهرين. وبات واضحاً منذ الساعات الأولى ليوم أمس أن عملية التصويت ستنتهي مبتورة من ولايات معينة، اعتاد سكانها على المقاطعة، لكن ليس بالحدة التي تمت في هذه الانتخابات.
وفي مشاهد عنف لافتة، اقتحم متظاهرون بتيزي وزو مكاتب «السلطة الوطنية المستقلة للانتخاب»، وخربوا ما بداخلها من عتاد ووسائل عمل ووثائق. كما تم اقتحام مقر الإذاعة المحلية. وقال صحافيون بتيزي وزو، إن السلطات المحلية ألغت في بداية المساء الانتخاب لاستحالة إجرائه في ظروف عادية.
غير أن المشهد الذي تداوله ناشطون بكثرة، وشد إليه الانتباه بقوة، هو صورة ناصر بوتفليقة، أحد أشقاء الرئيس السابق، وهو يدلي بصوته في مكتب تصويت بحي الأبيار بأعالي العاصمة، حيث كان شقيقه الرئيس ينتخب دائما. وبثت فضائيات خاصة صورة لبطاقة انتخاب الرئيس السابق، بعد أن صوّت ناصر بدلاً عنه باستعمال الوكالة. أما الشقيق الأصغر السعيد (61 سنة)، فيوجد في السجن منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن أدانه القضاء العسكري في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ15 سنة سجناً، بناءً على تهمتي «التآمر على الجيش»، و«التآمر على سلطة الدولة». وقد علق ناشط على مشهد ناصر وهو ينتخب بقوله: «الصورة تختصر كل شيء في هذا الانتخاب... فإذا كان بوتفليقة تنحى عن الحكم فإن نظامه يبقى قائماً».
يشار إلى أن خمسة مترشحين يتنافسون على خلافة بوتفليقة، وهم بلعيد عبد العزيز، وعلي بن فليس، وعبد القادر بن قرينة، إضافة إلى ميهوبي وتبون. وقال بن قرينة في حسابه بـ«تويتر»، إنه حصد 50 في المائة من أصوات الجزائريين المقيمين بماليزيا، حيث انتهى التصويت في منتصف النهار بتوقيت الجزائر، على اعتبار الفارق الزمني بين البلدين. ويجري الاستحقاق على دورين، ينظم الثاني بعد 15 يوماً. علماً بأن كل الاستحقاقات التعددية الماضية حسمت من الدور الأول لصالح مرشح السلطة.
وعاشت ساحات الحراك الشعبي بالعاصمة حالة احتقان شديدة ومواجهات في بعض الشوارع بين قوات مكافحة الشغب، وآلاف المتظاهرين، الذين حاولوا الاعتصام ببعض الفضاءات، مثل «ساحة موريس أودان» والبريد المركزي، تعبيراً عن رفض «الانتخابات التي تنظمها العصابات». وأطلق رجال الأمن القنابل المسيلة للدموع لمنع المتظاهرين وتفريقهم، ومن التوجه نحو الطرق المؤدية إلى المقار الحكومية والمباني الحساسة، وخاصة رئاسة الجمهورية وقصر الحكومة، ووزارتي الدفاع والخارجية.
كما منع رجال أمن صحافيين مصورين من التقاط صور، وتم الضغط بشكل لافت على ممثلي وكالات الأنباء العالمية لمحاولة منعهم، بأقصى ما يمكن، من إرسال صور إلى الخارج. وبدا من خلال طريق تعاطي السلطات مع الحدث، منذ بداية التحضير له قبل أشهر، أنها تريد «انتخاباً مغلقاً»، يجري بعيداً عن أعين العالم. كما مارس التلفزيون الحكومي والقنوات الخاصة، تعتيماً كبيراً على مظاهرات، أمس، وفي المقابل خصصت هذه القنوات تغطية واسعة للانتخاب في المناطق، التي عرفت نسب تصويت عالية، كما هو الحال في ولايات الجنوب والولايات الداخلية.
وظلت بعض مكاتب التصويت بالعاصمة فارغة طيلة النهار، إلا من بعض الناخبين أغلبهم كبار في السن. وكان ذلك دالاً على عزوف واسع عن الاستحقاق الذي يقسم الجزائريين بحدة. وفي المقابل، بث التلفزيون الجزائري الحكومي صوراً لعشرات الأشخاص، وهم ينتظرون دورهم أمام باب أحد مكاتب التصويت، وسط ولاية البليدة القريبة من العاصمة، كما نقل صوراً مماثلة من ولايات سعيدة، (غرب)، وتبسة وعنابة (شرقاً).
وأعلن محمد شرفي، رئيس «السلطة الوطنية للانتخاب»، عن نسبة تصويت بلغت 7.92 في المائة على مستوى كل الولايات الـ48، في حدود الحادية عشرة صباحاً، ثم ارتفعت إلى 20.43 في المائة في الساعة الثالثة ظهراً. وقال للتلفزيون الحكومي، إن عدد المصوتين بلغ في فترة الصباح نحو مليونين من مجموع أكثر من 24 مليون ناخب. مشيراً إلى أن نسبة المشاركة المسجلة ارتفعت في 16 ولاية، مقارنة بنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 في نفس الفترة.
وأكد شرفي أن نسبة المشاركة المسجلة في بداية الاقتراع الرئاسي «توحي بأنها ستكون أقوى مما كانت عليه في انتخابات 2014 (51.7 في المائة)». مبرزاً أنه «توجد بعض الصعوبات التنظيمية في 3600 مكتب تصويت من مجموع نحو 61 ألف مكتب»، في إشارة، ضمناً، إلى عرقلة الانتخابات بمنطقة القبائل. كما وصف شرفي إقبال الناخبين على مكاتب التصويت في أغلب المدن الجزائرية بـ«المحترم جداً»، مشيراً إلى «الطوابير الطويلة للناخبين بالعاصمة وخنشلة وبسكرة»، بشرق وجنوب شرقي البلاد.
وتوقع مراقبون أن تصل نسبة التصويت إلى 40 في المائة، وهي نسبة ترضي مؤيدي الانتخاب، في حين سيعتبرها الرافضون «تزويراً كان متوقعاً».
من جهة أخرى، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري عن ناشط حقوقي بارز اسمه قدور شويشة، أوقفته في وهران (غرب) قبل يومين، وأدانه القضاء بعام حبساً. وأوضحت المنظمة في بيان، أنه تم الحكم على قدور شويشة بالسجن بسبب اتهامات «يبدو أنها متصلة فقط بانتقاده السلطات العسكرية والسياسية، ولمشاركته في مظاهرة سياسية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».